الإعلام المصري والمغرب

يصاب المتتبع للشأن المصري بحيرة وتخبط كثيرين، وهو يشاهد الكم الكبير من القنوات الفضائية والوجوه الإعلامية التي فرضت على المشاهد، إلى درجة أن مشاهدين يحسون أنفسهم في حصص للتعذيب اليومي الممنهج، وهم يشاهدون برامج مفصلة على المقاس، بالإضافة إلى الظاهرة التي انفرد بها الإعلام المصري، حيث نجد أنفسنا أمام قناة، يطلع عليك أحدهم، أو ما يسمونه صحافياً، أو إعلامياً، ليجلس في الأستديو، ويبدأ في الحديث عمن يشاء وقول ما يشاء، من دون رقيب أو حسيب، إلى درجة أن هؤلاء أصبحوا مادة دسمة للتندر والسخرية داخل مصر وخارجها. وزيادة على ذلك، ركب هذه الموجة المضحكة أيضاً ممثلون جيء بهم، ليحللوا ويناقشوا السياسة، وهم لا يعرفون منها سوى الاسم.
ما يلاحظ، في الفترة الأخيرة، أن إعلاميين وممثلين نفدت ما عندهم من اتهامات وأدلة، لتبرير موقفهم من الانقلاب العسكري في مصر، وفي بحثهم عن أي قشة يتعلقون بها، راحوا يوجهون اتهامات باطلة ومجانية لإخوانهم في المغرب، عفواً، لأشقائهم في المغرب، فكلمة إخوان تسبب لهم حساسية كبيرة. وعوض أن يحتووا مشكلاتهم الداخلية، حاولوا تصديرها إلى الخارج، وتصوير أن الجميع يكيد لمصر أم الدنيا.
وهكذا، بدأت الأحداث بمغنية اسمها شيرين، جاءت إلى المغرب، وفوق منصة أعدت للغناء ولم تعد للسياسة، وبين جمهور جاء ليستمتع بأغانيها، أخذت تمدح وتشكر وتهتف باسم "السيسي"، وعندما بادلها الجمهور التحية، حيث صدحت حناجره باسم "مرسي"، لم تستسغ الأمر وانسحبت. واعتبر الإعلام أن إخوان المغرب جرحوا المشاعر الرقيقة للفنانة الرقيقة، علماً أن الجمهور المغربي لا يحب أن تمرر عليه أشياء، وكأنه جمهور بليد. ما شأن أناس جاءوا ليسمعوا أغنياتٍ، ويرفهوا عن أنفسهم، بالسيسي، أو غيره، حتى تقحمه المغنية في كلمتها فوق منصة الغناء؟
وعوض أن يكون الإعلام المصري محايداً، سارع إلى نصرة الفنانة، ووجدها فرصة سانحة لفبركة أشياء، لا وجود لها إلا في عقله، وفي أجندة من يسيرونه أو يمولونه. بعد هذه الحادثة التي كيلت فيها عدة اتهامات للمغاربة، خرجت مذيعة، اسمها أماني الخياط، على قناة مصرية، وراحت تخيط الكلام، وتقول كلاماً غريباً وبعيداً كل البعد عن الصحافة وعن المهنية وعن حرية التعبير. إذ تحول هجومها من الإخوان المسلمين إلى الإخوان المغاربة، وأصبح اقتصاد المغرب بقدرة قادر قائم على الدعارة، وأن المغرب يحتل مراتب متقدمة في الإصابة بالإيدز، وأن ملك المغرب قام بصفقة مع الإسلاميين، واتهامات مجانية كثيرة، دفعت بإدارة القناة إلى طردها، أو لنقل إعفاءها، إلى أن تهدأ ردود الأفعال التي تولدت عن كلامها الفارغ. وهذا يدل أن إعلاميين في مصر الشقيقة لم ينتبهوا إلى أنهم أصبحوا مسخرة، ونزلوا بمهنة الإعلام إلى الحضيض، فأمثال أماني الخياط، ومن هم على شاكلتها، يعتبرون موضة، سرعان ما ستنتهي تقليعتها ليدخلوا في طي النسيان، كما نُسي كثيرون من قبلهم. فليس الصراخ ودغدغة مشاعر ملايين الفقراء من يجعل منك إعلامياً ناجحاً، وليس التخندق مع جهة ما على حساب جهة أخرى سيجعل منك نجماً. لكن، هناك أشياء أخرى، لم يتعلمها هؤلاء في المدارس التي تدرجوا فيها، ويصعب عليهم استيعابها. لكن، ماذا نقول؟ فاقد الشيء لا يعطيه.
وبعد أن هدأت زوبعة المدعوة أماني الخياط قليلاً، خرج الممثل يوسف شعبان، في مقابلة مع قناة مصرية، يقول كلاماً غريباً وغير منطقي، وكأن شعبان يتحدث عن بلد آخر غير المغرب، الذي دأب على استدعاء السيد الممثل، وتكريمه بين أظهر مغاربة استقبلوه بحفاوة كبيرة واحترام عظيم، إلا أنه، وفي لحظة انتشاء قال فيهم مالم يقله مالك في الخمر، وهكذا أصبح المغاربة في نظر يوسف شعبان يهوداً متدثرين في غطاء الإسلام، لقضاء مآربهم. وفي محاولة منه للهروب إلى الأمام، صرح بأنه أسيء فهمه. لكن، للأسف، العيب ليس فيه، العيب في المسؤولين الذين يستضيفونه، هو وأمثاله، في المغرب، ويفتحوا لهم الأبواب للمجيء، وأكل الغلة، وفي الأخير سب الملة.
لن ندخل في تفاصيل كيف أن الإعلام المصري مسخر لخدمة أجندة معروفة، لم تعد خافية على أحد. ولن ندخل في تفاصيل أن فنانين وإعلاميين، قديماً أو حديثاً، باعوا أنفسهم للشيطان، للوصول إلى تحقيق مصالحهم، ولن ندخل في تفاصيل كيفية صناعة النجومية في مصر، ابتداءً من فترة جمال عبد الناصر، مروراً بحسني مبارك، وانتهاء بعبد الفتاح السيسي، ولن ندخل في مواجهة مع الأشقاء المصريين الذين نكن لهم كل التقدير والاحترام. لكن، نهمس لأولئك المطبلين والمغردين خارج السرب، خدام مصالحهم: لا تحاولوا أن ترقعوا بكارتكم الإعلامية والفنية على حساب المغرب والمغاربة. حاولوا أن تقنعوا شعبكم بوجهة نظركم بأدلة دامغة وحجج مقبولة، بعيداً عن بهلوانيتكم وشطحاتكم المضحكة، وقبل أن تقنعوهم، حاولوا، أولاً، إقناع أنفسكم بما تقولون، وكفاكم تهريجاً.