الإعلام اللبناني باكياً على السبَق

الإعلام اللبناني باكياً على السبَق

02 ديسمبر 2015
الإعلام متجمهراً قرب أحد الجنود بعد تحريره (راتب الصفدي/الأناضول)
+ الخط -

يُحبّ الإعلام اللبناني "السبق الصحافي". يهرع إلى "مكان الحدث" دوماً، فاتحاً الهواء مباشرةً لأيّ عمليّة أو تظاهرة. كانت آخر هذه "التجلّيات"، ما حصل في التغطية الإعلاميّة بعد تفجير برج البراجنة في الضاحية الجنوبيّة الشهر الماضي، والذي تخلّله فتح للهواء لجميع الناس، وطرح أسئلة غير منطقيّة، بالإضافة إلى تسليط الكاميرات على مشاهد الدم وأجساد الضحايا. 

يُمكن الجزم بأنّ ما حصل أمس، خلال التغطية المباشرة لحيثيّات إتمام صفقة التبادل بين الدولة اللبنانيّة، مُمثّلة بالأمن العام اللبناني، وبين جبهة النصرة، ذراع تنظيم "القاعدة" في سورية، للجنود اللبنانيين المخطوفين لدى "النصرة" منذ أغسطس/ آب 2014 الماضي... كان مخالفاً لذلك. ولكنّه لم يكُن بسبب عدم رغبة وسائل الإعلام بالحصول على "السبق"، بل لأنّه لم يستطع الوصول إلى "قلبه". 

فقد فرض الأمن العام اللبناني هذه المرّة (كذلك فعلت "النصرة") إجراءات تمنع الإعلام من نقل الحدث بشكل مباشر، أو الحديث عن تفاصيل صفقة التبادل التي عقدها بوساطة قطريّة مع "النصرة"، بسبب "دقة الموضوع وحتى تنجح المفاوضات". هكذا نشرت القنوات اللبنانيّة والاذاعات يوم الجمعة الماضي بيانات تؤكّد التزامها بعدم نشر المعلومات التي تمتلكها "حرصاً منها على نجاح المفاوضات ومراعاةً لمشاعر الأهالي".

يوم الاثنين صباحاً، كان الإعلاميّون، الذين تواجدوا في البقاع منذ ثلاثة أيام انتظاراً لتنفيذ الصفقة، مُسمّرين أمام شاشات القنوات التي يعملون فيها لتغطية الحدث. وكانت "جبهة النصرة" تملك قرار مَن مِن المؤسسات. لذا، كان تواجد قناة "الجزيرة" الفضائيّة وقناة MTV اللبنانيّة على الأرض في جرود عرسال من جانب جبهة "النصرة" للتغطية ونقل آلية تنفيذ عمليّة التبادل مباشرةً على الهواء، مثار غضبٍ لبعض الإعلاميين الذين لم يستطيعوا الوصول إلى "مكان السبَق". هكذا، نقلت قناة "الجديد" الصورة من "الجزيرة" وMTV معاً، لكنّها أخفت شعاري القناتين، ما اعتبرته MTV قرصنةً. وبعد تغريدة مديرة تحرير الأخبار في قناة "الجديد"، مريم البسام، التي أشارت فيها إلى مراسل MTV حسين خريس، والذي كان يعمل في "الجديد" سابقاً، من دون أن تسمّيه، فقالت: "ما كنت أحسبني أدرب إرهابياً.. اعتقدته صحافياً. اعتذر.. وليس في فمي ماء بل حياء". وردّت المذيعة جيسيكا عازار على ذلك على الهواء، فقالت: "الجديد نقلت الصور منّا واتهمتنا بمواكبة الإرهاب ومن ثم قامت بقرصنة الصور. نقول للجديد، نحن لبنانيون ولسنا بحاجة لشهادات وفحص دم"، مضيفةً "البعض يبرر فشله بانتقاد غيره". 

ولعلّ خريس أخطأ حين قال على الهواء "للمرّة الأولى أُحسّ بالانحياز إلى الجانب اللبناني"، لكنّ انتقاده لقدرته على الوصول إلى مكان الحدث والتغطية يفتقد للمنطق المهني. هذا علماً أنّ قنوات لبنانيّة أخرى، بينها "الجديد" نفسها، كان ذهبت إلى أعزاز في سورية وقابلت خاطفي مجموعة الحجّاج اللبنانيين الذين تمّ اختطافهم سابقاً. 

ساهم كُلّ ذلك في انتشار حديث ينعى "هيبة الدولة"، بسبب "تأثّر" بعض اللبنانيين بمشهد مسلّحي جبهة النصرة في جرود عرسال. هذا، بينما كانت قناة "المنار"، التابعة لـ"حزب الله"، تُعلن في العاشرة صباحاً عن إتمام الصفقة، بينما تمّ إتمامها في الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً. ولم يخلُ اليوم من الأسئلة التي يتفرّد بها الإعلام اللبناني، فسألت إحدى الإعلاميات جنديّاً محرراً: "هل كُنت تنتظر هذه اللحظة؟". 

حدث وطنيّ كتحرير جنود في الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي من الأسر، حوّله الإعلام اللبناني بكُلّ بساطة، أمس، إلى مشهد انقسام واضح. كُلّ هذا لأنه لم يصل إلى "نشوة السبق".


اقرأ أيضاً: بنود صفقة التبادل بين لبنان و"النصرة"

المساهمون