الإعلام الفرنسي .. تعددية أم خطاب واحد؟

الإعلام الفرنسي .. تعددية أم خطاب واحد؟

16 سبتمبر 2014
+ الخط -

إذا كان هناك من بلد أوروبي عرف بتنوع المشارب والمدارس والآراء وتعددها، في تاريخه الثقافي والأدبي، وازدهرت فيه النقاشات والسجالات والحوارات في الصفحات الثقافية للصحف والمجلات والدوريات الأدبية والفكرية، فهذا البلد هو فرنسا. وما يزال الفرنسيون يتذكرون ويتفاخرون بقراءتهم مناظرات سارتر وكامو وميرلوبونتي، في شبابهم، على الصفحات الثقافية في "لوموند"، أو مجلة الأزمنة الحديثة وغيرها.

يتذكرون تحمسهم لموقف هذا المفكر أو الكاتب، ممن يدافع عن وجهة نظر مغايرة، أو يتضامن مع اتجاه سياسي مختلف، ازدهر عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية وهزاتها الأخلاقية والإنسانية، ومن بعدها الحرب الباردة بين الكتلتين الرأسمالية والشيوعية، التي أمتدت إلى بداية الثمانينات.

هذا المشهد الثقافي المتنوع الذي تمحور حول الصراع الطبقي والثورة بدأ يتلاشى ويتصدع شيئاً فشيئاً، وخصوصاً بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي، وإعلان المحافظين الجدد انتصارهم على الكتلة الشيوعية. وقد شهد عقد التسعينات تدهوراً كبيراً لثقة القارئ الفرنسي بإعلامه، حتى إن استبيانا صحفياً أظهر أن غالبية الفرنسيين لا يثقون بإعلامهم، وإن هذا الإعلام كذب عليهم في قضايا داخلية ودولية، منها حرب العراق وانقلاب رومانيا، والأوضاع الاقتصادية الداخلية والعالمية.

ورافق ذلك ابتعاد كثير عن شراء الصحف والمجلات ومتابعة القنوات التلفزيونية والإذاعية، حتى أصبحت أهم وأكبر الصحف مهددة بالإغلاق والخسارة والإفلاس، وفي مقدمتها صحيفة لوموند الذائعة الصيت عالمياً، وجريدة ليبراسيون، كما بيعت قنوات تلفزيونية إلى من يشتريها من كبار رؤوس الأموال، أمثال برلسكوني وآخرين غيره فيما بعد.

ومنذ أحداث نيويورك، وغزو العراق والأزمة الاقتصادية العالمية، تزداد الضغوط على الإعلام الفرنسي بشكل كبير، لتنحسر التعددية، وتقصي البرامج ذات المضمون الواعي والمفيد، والتي تعطي معنى لما تقدمه من موضوعات، وتهمش ما بقي من برامج ثقافية تعد على أصابع اليد، بدفعها إلى ساعات متأخرة ليلاً، بعد أن كانت تحظى بساعات مشاهدة واسعة في أوقات أبكر. وحلت محلها برامج باهتة وخاوية المعنى وبرامج الترفيه السطحية. وبدأت إدارات وسائل الإعلام تهتم بنسبة المستمعين والمشاهدين، لتحدد بقاء أي برنامج، حتى أصبح سهلاً التخلص من أي برنامج لا يتلاءم مع الإعلام السائد والمناسب سياسياً، ولا يتماشى مع الوضع الدولي.

ولذلك، زادت، في السنوات الأخيرة، وبشكل ملحوظ، نسبة الفرنسيين الذين يستقون معلوماتهم من الإنترنت، من مواقع متخصصة، تقدم أخباراً لا تنشرها الصحف والمجلات أو محطات الإذاعة العديدة التي لا تنقل من الأخبار والمعلومات إلا ما يناسبها، ولا يسيء إلى مصالح أصحابها من كبريات الشركات ورجال الأعمال ورؤوس الأموال، مثل ليبراسيون وصاحبها إدوارد روتشيلد رجل البنوك المعروف، ولاغاردير صاحب معامل السلاح وأسهمه في صحيفة اللوموند ومجلة باري ماتش وقناة أوروبا الأولى وجريدة الأحد.

طالت مطرقة النظام الجديد المشهد الإعلامي الفرنسي، لتزيح دانيال ميرميه، الإعلامي الوفي لمبادئه ولقيم أخلاقية ولدت مع المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، وبقي يدافع عنها على الرغم من متغيرات الزمن والسياسة. ولكن، لم يتراجع دانيال ميرميه عن رغبته في مواصلة عمله هذا، فقرر هو وفريقه الانتقال إلى الإنترنت، وإنشاء موقع خاص بالبرنامج، وبث ما يسمى 9/7، وهو نوع من جريدة الجرائد للأخبار التي يستمع لها الفرنسيون صباحاً، والتي تقدم كلها طبقاً واحداً، فجميع محطات الراديو والتلفزيون متشابهة في المواضيع والوجوه التي تقدمها.

avata
avata
ولاء سعيد السامرائي (العراق)
ولاء سعيد السامرائي (العراق)