الإعلام الحربي الإسرائيلي... ينقلب على الاحتلال

الإعلام الحربي الإسرائيلي... ينقلب على الاحتلال

01 مارس 2015
الأمور تتغير لناحية الإعلام الحربي للاحتلال(عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
عندما نفّذت وحدة "الضفادع البشرية"، في "كتائب عز الدين القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، عملية اقتحام موقع "زيكيم" العسكري الإسرائيلي، خلال عدوان غزة صيف العام الماضي، بث جيش الاحتلال مقطع فيديو لاثنين من المهاجمين، استشهدا بعد خروجهما من البحر، جراء، ما ذكرته سلطات الاحتلال، بأنه تعقّب لهما، وادّعت حينها أنها اكتشفتهما مبكراً، وأنهما لم يقوما بأي عمل ضد الموقع ولا ضد جنودها.

قَلَبَ فيديو آخر، يُعتقد أنّ "كتائب القسام" استولت عليه في عمليات "قرصنة" من حواسيب الجيش الإسرائيلي، المعادلة رأساً على عقب، عندما أظهر الشابين وهما يدخلان إلى الموقع المذكور بأريحية نسبية، ويفجّران عبوة ناسفة في دبابة من طراز "ميركافا" كانت تلاحقهما، ويخوضان اشتباكاً مع آخرين، قبل أنّ يتدخل، ما يُعتقد، أنه طيران حربي ليقتلهما. مع العلم أن الفيديو الإسرائيلي كان من تصوير أبراج المراقبة العسكرية الإسرائيلية، وأظهر تضليل وتعتيم إسرائيل على إنجازات المقاومة في غزة، خلال العدوان ومحاولتها قلب الأمور، لكن ذلك لم ينجح طويلاً.


وفي سياق العمل الحربي لجيش الاحتلال، نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أول من أمس الجمعة، وفقاً لما نقلت وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا"، تقريراً موسعاً عن عمل وحدة المتحدث بلسان جيش الاحتلال، والتي تضمّ أكثر من 70 ضابطًا و300 جندي، يخدمون في صفوف شتى الوحدات العسكرية.

وجاء في التقرير الذي حمل عنوان، "هكذا يعمل جيش العلاقات العامة التابع للمتحدث بلسان الجيش لتحسين صورته"، أن "غالبية التقارير العسكرية وأفلام الفيديو المصوّرة، يتم اقتطاع أو إخفاء الكثير من مقاطعها، في محاولة لنقل صورة مريحة للمشاهد الإسرائيلي، خصوصاً في العدوان الأخير على القطاع".

اقرأ أيضاً: مياه غزّة ليست للشرب

وأجرت الصحيفة لقاءً مع المحلل العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي، الذي واكب غالبية حروب الاحتلال، واتهم الجيش بـ"محاولة تجميل صورته على حساب الدقة والمهنية والحقيقة". ولفت بن يشاي، إلى أن "الجيش قلّص دخول الصحفيين الإسرائيليين لساحة المعركة في القطاع، وأبقى الجمهور متعلقاً بتقارير الجيش الممنهجة فقط".

وكشفت الصحيفة عن قيام وحدة المتحدث العسكري، بترتيب لقاء "ساخن" مع المراسلين العسكريين يومياً، على مدار 51 يوماً من العدوان على القطاع، لإطلاعهم على آخر المستجدات، التي حرص خلالها على إخفاء الأحداث "التي ترفع من معنويات الخصم"، على حدّ تعبيرها.

ويقول القيادي في حركة "حماس"، صلاح البردويل لـ"العربي الجديد"، إنّه "في كل مرة تحاول إسرائيل، أنّ تظهر بمظهر المتماسك القوي المدافع، وصاحب الأفضلية الميدانية والعسكرية، ينكشف حجم التضليل والتعتيم الذي تنتهجه".

ويشير البردويل، إلى أول حوادث التضليل والتعتيم الإسرائيلي خلال العدوان الأخير، أثناء أول عملية في الاجتياح البري المحدود، في شرق حيّ الشجاعية، شرقي مدينة غزة، عندما أعلنت "كتائب القسام" أنها قضت على 14 جندياً إسرائيلياً، ثم أعلنت أسرها جندياً إسرائيلياً، ولم يعترف الاحتلال بذلك.

في اليوم الثاني، وفق البردويل، أعلن "جيش الاحتلال أنّ هناك 13 قتيلاً من جنوده، ثم اعترف لاحقاً بأسر الجندي الـ14 لدى حماس". وأكد البردويل أنّ "الرواية التي تحدثت عنها المقاومة وكتائب القسام، دقيقة جداً، لا تضخيم فيها، على الرغم من أنّ التضخيم ربما قد يكون إيجابياً لتعزيز ثقة المواطنين، ورفدهم بمزيد من أسباب الصمود".

ومما جاء في التقرير العبري، ادعاء الاحتلال بأنه قتل 13 مسلحاً هاجموا موقع "صوفا" شرق رفح عبر نفق خلال العدوان، ثم ما لبث أن تراجع الجيش عن عدد القتلى إلى 8، ثم تراجع عن قتل أي عنصر، وتبين لاحقاً أن مقاتلي "القسام" تمكنوا من الانسحاب من موقع العملية سالمين.

ويوضح القيادي في "حماس" أنّ "إسرائيل امتلكت في الماضي آلة اعلامية قوية جداً، لكن يبدو أنّ الأمور تتغير عندما يصبح للمقاومة الفلسطينية ولحماس، أدوات إعلامية وقدرة على اختراق أدوات مماثلة للاحتلال، وعندما يصبح الدم الفلسطيني قادراً على أن يصفع رواية المحتل".

ويبينّ البردويل أنّ "إعلام المقاومة الفلسطينية، تحديداً حماس، اتسم بمصداقية كبيرة جداً، ليس فقط للجمهور العربي والدولي، بل للجمهور الصهيوني، الذي تعرّض لخدعة كبيرة من إعلامه، في ظل وجود مقصّ الرقيب العسكري والأمني والسياسي، الذين عملوا لإنقاذ ماء الوجه السياسي لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو".


ويلفت إلى أنّ "مصداقية إعلام المقاومة صفع وجه نتنياهو، الذي سيعاني في الانتخابات المقبلة من هذه الحقيقة"، مشيراً إلى أن "ما نراه من لوم داخلي متبادل في اسرائيل، وما ينكشف عبر وسائل الإعلام من سجالات ونقاشات، يعكس الأزمة التي وصل إليها الإعلام الإسرائيلي وانعكاسه على الواقع السياسي".

ويشير إلى أن "حماس لم يُضخّموا أي انجازات للمقاومة في العدوان، ويثقون بأنّه سيأتي اليوم الذي ينكشف فيه حجم التعتيم والتضليل على ما جرى في العدوان، وتنكشف معه خسائر العدو الصهيوني، التي أخفاها وتعامل معها بطريقة أمنية أكثر منها إعلامية".

ومن "الفضائح" التي يتحدث عنها تقرير "هآرتس" ونشرت وكالة "صفا" ترجمته، تذكيرها بتصريحات سابقة لرئيس هيئة الأركان بيني غانتس، والتي قال خلالها إنه لا يمكن وصف مقاتلي حماس سوى أنهم شجعان، مشيرًا إلى أن من يركض خلف دبابة، ويلصق عليها عبوة لا يمكن وصفه بغير "الجرأة والشجاعة". ولفتت إلى أن أحداً من المراسلين العسكريين، لم يسأل نفسه في حينها ما الذي يقصده غانتس بهذا التصريح، ومتى حصل أن وضع مقاتلو حماس تلك العبوة على الدبابة، قبل أن تكشف التسريبات لعملية "زيكيم"، صورة أحد مقاتلي حماس وهو يضع العبوة على الدبابة ويفجرها.

من جهته، يشير مدير مركز "أبحاث المستقبل" بغزة، إبراهيم المدهون، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الاحتلال الإسرائيلي بدّل من استراتيجيته الإعلامية بعد حرب تموز على لبنان، وأصبح يعتبر أن ليس كل ما يحدث في المعركة يُمكن أن يُقال".

ويعتبر أن "الاحتلال بدأ بالتشدد في الرقابة العسكرية في حروبه بعد ذلك، وبرز تدخل الرقيب العسكري والأمني والسياسي في عدوان العام 2014 على غزة، لأنّ الاحتلال بات يُدرك أنه لم يعد صاحب التفوق المطلق في الحروب التي يشنها، ويتكبّد خسائر حقيقية في صفوف جنوده وضباطه". ويتصرّف الاحتلال الإسرائيلي، وفق المدهون، على أنّ "الخسائر التي يُمنى بها الاحتلال، ستؤثر على جمهوره لو أُعلنت بشكل دقيق وصحيح، وسترفع من معنويات الخصم، لذلك يعمل على تشويه وإخفاء المعلومات".

ويرى المدهون أنّ "صورة النصر تكون إعلامية، لذلك كان واضحاً أنّ الاحتلال لا يريد، ولا يرغب، في أنّ يعطي الصورة الكاملة لما كان يجري على تخوم غزة، فخروج صورة مضادة له، كانت تقلقه، خصوصاً أن اسرائيل لا تريد اظهار صورة جنودها وجيشها، بشكل مغاير لما رسخته على مدار سنواتها الماضية".

ويلفت إلى أنّ "الإعلام يؤدي دوراً بارزاً ومهماً في النتيجة النهائية السياسية للمعارك، ويدرك أنه لو خرجت صورة ضعيفة لجيشه، ستؤثر على الثمن السياسي الذي يدفعه". وأبدى اعتقاده بأن "الاحتلال الإسرائيلي نجح في التضليل أثناء المعركة، وفي إخفاء الكثير من خسائره، وحرمان المقاومة التي أبدعت في الميدان العسكري، من جني ثمار ذلك سياسياً".

اقرأ أيضاً: استعدادات إسرائيلية تحسباً لحرب جديدة

المساهمون