الإرهاب يضرب مجدّداً

29 مارس 2016
+ الخط -
تقول الأخبار الواردة من سورية والعراق إن "داعش" ما زال يخسر المزيد من الأراضي لصالح الجيش العراقي؛ أو النظام السوري، وكذلك لصالح الكرد، ولا يستثنى الجيش الحر من ذلك. خسائر متواصلة على طول الجبهات وعرضها، وفي كل مكان. على الرغم من ذلك، لا يعطي ما تذيعه النشرات الانطباع بأن التنظيم على وشك السقوط النهائي، لأن المعارك الكبرى لا تزال بعيدة عن عاصمتي التنظيم في الرقة والموصل. وفي الوقت نفسه، لم تتوقف العمليات الأمنية في العواصم الأوروبية، والتي يسارع التنظيم إلى تبنيها.. في نظرةٍ سريعةٍ لهذه العمليات، نجد أن التنظيم يعتمد تكتيك التزامن، فيطلق عمليتين أو أكثر، في الوقت نفسه، يسبقهما تحركات استطلاع ورصد وتخطيط عابر للحدود، ما يعني أن علاقات التنظيم الداخلية ما زالت تعمل بكفاءة جيدة، وكذلك يبدو أن خطوط التواصل بين التنظيم وخلاياه البعيدة في أوروبا لا تزال قادرة على التحرك بحريةٍ، تسمح لها بالقيام بعملياتٍ من هذا النوع، وفي أماكن شديدة الحساسية، وفي الوقت الذي تريده. وقد جاءت عملية بروكسل رد فعل فوري وانتقامي على تسليم رجل متهم بعمليات باريس إلى دولة أخرى.
لم يكن الفشل الاستخباري فرنسياً فقط، وقد وُجهت اتهامات لأجهزة الأمن الفرنسية، بعد عمليات باريس، لكنه كان بلجيكياً أيضاً، حيث حصلت الاختراقات في المطار، وفي محطة مترو، وهي أماكن مفضلة للتنظيم، وعلى الرقابة الأمنية أن تكون مضاعفةً فيها، لكن الأمن عجز عن منع وقوع التفجير.
تُحقِّقُ أجهزة الشرطة (الفاشلة) في أعمال الوقاية الأمنية في باريس وبروكسل نجاحاتٍ سريعة في عمليات التحرّي والكشف، فلا تكاد تمضي أيام قليلة، أو حتى ساعات، ليسارع الإعلام بترديد أسماء المنفذين وأماكن اجتماعاتهم مع "سي في" كاملة لكل فرد من أفراد الخلية المنفذ أو المخطط! وكأن هذه الأجهزة تناولت جرعة مقويات منشطة ومحفزة لأعمال الكشف والتحرّي. ويبدو هنا أن لدى هذه الأجهزة، على مستوى أوروبي شامل، نقص شديد في وسائل التنبؤ أو الوقاية أو ميل إلى الخمول للمنع الوقائي، وقد يشي هذا الوضع بأن عواصم أخرى مرشحة لتلقي الحوادث نفسها، فلدى التنظيم قدرة فائقة على الحركة، تفوق رغبة أجهزة الأمن في الرصد والمنع.
التقاعس الأوروبي في إجراء تحديثاتٍ على خطط الكشف الوقائي هو الذي يسمح بتكرار الحوادث، وبالطريقة نفسها، وبالنوعية نفسها من العناصر، وكأن التنظيم قد حفظ عن ظهر قلب الإجراءات التي تتبعها أجهزة الأمن، فتكيَّف معها، وأوجد الطرق لتخطيها، خصوصاً أن جميع منفذي ومخططي الهجمات في باريس وبروكسل معروفون وموجودون على قوائم المشبوهين الأوروبية، وبعضهم ورد اسمه على قوائم ترقب الوصول الأميركية، وآخر سبق القبض عليه بتهم لها علاقة بالإرهاب، وأُفرج عنه، ليفجر نفسه بحزام ناسف في مكان مكتظ. ولا يمكن تفسير هذا المزاج الأمني البليد إلا بعدم الجدية في وقف التنظيم، ليس بمعنى التواطؤ، ولكن بمنطق الكسل الذي يعتمد الإجراءات القديمة نفسها التي نجح التنظيم في اختراقها، أكثر من مرة، وربما سينجح في مرات مقبلة.
يمكن ملاحظة عدم الجدية هذا في الأماكن التي فرَّخ فيها التنظيم في سورية والعراق، حيث أخبار تراجع الجماعة لا تتوقف، ولكن من دون حسم نهائي، وقد كان وزير الدفاع الأميركي مزهواً أمس، وهو يتحدث عن قتل اثنين من كبار قادة التنظيم، لكنه قال، وبالزهو نفسه، إن تفريخ القيادات ليس عائقاً عند التنظيم.
لا يبدو أن هناك إرادة دولية قوية في هزيمة التنظيم الذي نجح في حرف النظر عن الثورة السورية، ونجح في التغطية الكاملة على فساد حكومات العراق، فعلى الرغم من تعكيره أمن الأحضان الدافئة لأعرق العواصم الأوروبية، إلا أن إرادة هذه الدول تتعطل في مواجهة التنظيم بشكل جدي، أما أن يعني ذلك عدم وجود قدرة فعلية على المواجهة فهو مسألة أخرى، في منتهى الخطورة.

دلالات
فاطمة ياسين
فاطمة ياسين
كاتبة سورية، صحفية ومعدة ومنتجة برامج سياسية وثقافية