الإرتيريون في السعودية... تطبيق رسوم الوافدين يهدد وجودهم

الإرتيريون في السعودية... محاصرون بين رسوم العمالة الوافدة وخوف العودة إلى الوطن

23 اغسطس 2017
العمالة الإرتيرية تعجز عن توفير رسوم الوافدين السعودية (Getty)
+ الخط -

بدا عامل المقهى الإرتيري عبد الرحمن محمود تائهًا ومُرتبكًا بينما يتجه إلى عمله في مدينة الرياض، بعدما تبيّن له أن قرارات زيادة الرسوم الشهرية على الوافدين إلى المملكة ومرافقيهم، لا رجعة عنها، وأنها دخلت حيز التنفيذ الفعلي في يوليو/ تموز المنصرم.

ويقيم عبد الرحمن الذي لا يتجاوز راتبه الشهري 2000 ريال سعودي (533 دولاراً أميركياً)، رفقة زوجته وطفليه في شقة مكوّنة من غرفتين في حي منفوحة الشعبي جنوب الرياض، ويصف وضعه الراهن بالمأزق، إذ حاصرته القرارات الأخيرة بين خيارين مستحيلين، فإما أن يُبقي أسرته رفقته ويعجز عن سداد الرسوم، ما يعرضه للمساءلة القانونية وربما السجن لاحقاً، وإما أن يغادروا إلى بلدهم، "وهذا عين المستحيل"، كما يقول، موضحاً أن الأوضاع في إرتيريا بالغة التعقيد والصعوبة من الناحية الاقتصادية، إذ لا يوجد عمل وحتى في حال وجود عمل فإنه بالتأكيد لن يتمكّن من الحصول على دخل يمكن أطفاله من ظروف تقترب من وضعهم الحالي، مناشداً الهيئات الدولية، خاصة منظمة الهجرة الدولية بالالتفات إلى أوضاع الإرتيريين في السعودية وإيجاد وطن بديل لهم في أوروبا أو أميركا، متوقعاً تفاقم ظروفهم الاقتصادية في السنوات القليلة المقبلة.


تطبيق الرسوم الشهرية

تعود خلفية قرارات فرض الرسوم على المقيمين ومرافقيهم إلى رؤية 2030 التي أعلن عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 25 أبريل/ نسيان 2016، وبموجب تلك الرسوم يدفع العامل 400 ریال شهرياً (106 دولارات) فيما يدفع 100 ریال (26 دولاراً) عن كل مرافق، وتستهدف المملكة عبر ذلك توفير مليار ریال بنهاية العام الحالي، وفي عام 2018، سيتم تطبيق رسوم على الأعداد الفائضة عن أعداد العمالة السعودية في كل قطاع، بواقع 400 ريال شهريًاً عن كل عامل وافد، فيما ستدفع العمالة الأقل من أعداد العمالة السعودية 300 ريال شهريّاً (80 دولاراً)، وسيدفع كل مرافق 200 ريال شهريّاً (53 دولاراً)، ومن المتوقع أن يتم تحصيل 24 مليار ريال في 2018، من برنامج المقابل المالي للعمالة الوافدة، وفي 2019 ستتم زيادة المقابل المالي للعمالة الوافدة في القطاعات ذات الأعداد الأعلى من السعوديين إلى 600 ريال شهريًّا (160 دولاراً)، وفي القطاعات ذات الأعداد الأقل من السعوديين إلى 500 ريال شهريًّا (133 دولاراً)، على أن يرتفع مقابل كل مرافق إلى 300 ريال شهريًّا، ومن المتوقع تحصيل 44 مليار ريال، وفي عام 2020، سيتم تحصيل 800 ريال (213 دولاراً) على الأعداد الفائضة من العمالة الوافدة عن أعداد العمالة السعودية، فيما سيكون المقابل 700 ريال على العمالة الأقل من أعداد العمالة السعودية في القطاع نفسه، إذ من المتوقع أن يتم تحصيل 65 مليار ريال.

خيارات محدودة أمام العائلات الإرتيرية

يقدر ناشطون إرتيريون عدد أعضاء الجالية ما بين 40 ألفاً وحتى 50 ألف إرتيري مقيم في السعودية، وتوجد النسبة الكبرى من الإرتيريين في جدة وتليها الرياض ثم جيزان في جنوب المملكة، ويؤكد ناشطون في أوساط الجالية أن كثيراً منهم لا يجدون ثمن تذاكر السفر لترحيل عائلاتهم التي لن يتمكنوا من إعالتها ودفع رسوم الوافدين المقررة عليهم، في ظل تراوح مرتباتهم بين 1500 ريال (400 دولار) و2500 ريال (667 دولاراً)، ومن بين هؤلاء العاملة الإرتيرية مريم علي، والتي تعمل في مركز تجميل نسائي منذ عشر سنوات ولا يزيد راتبها عن 1500 ريال، وتعرب مريم عن خشيتها من تفاقم أزمة الإرتيريين المقيمين في السعودية في الأشهر المقبلة، "لأن خياراتهم محدودة جدًا مقارنة بنظرائهم من الجاليات الأخرى"، كما تقول، إذ إن إرتيريا، وفقاً لـ"مريم"، "ليست مكاناً مناسباً للإقامة، وإن كانت وطننا"، فهناك قانون الخدمة الوطنية غير المحدّد بسنوات في انتظار كل من يعود من الرجال والنساء والشباب والشيوخ من دون استثناء، على الرغم من أن المسؤولين يقولون إن الخدمة الإلزامية تقتصر على مدة 18 شهراً.


ويحدد قانون التجنيد الإلزامي عمر المجندين بين 18 و40 عاماً، كذلك ينص على أن مدة الخدمة الوطنية 18 شهراً مقسمة بين ستة أشهر عسكرية و12 شهراً مدنية، إلا أن شهادات موثقة صادرة عن منظمات حقوقية دولية منها العفو الدولية، تؤكد أن مدة الخدمة الوطنية غير محددة، وأنه يتم إجبار المجندين على العمل بالسخرة خلال فترة التجنيد، وهو ما تؤكده مريم قائلة لـ"العربي الجديد": "بعض من الأقارب والأصدقاء ممن عادوا من الخارج عودة نهائية يتم أخذهم مباشرة من المطار أو الميناء إلى معسكرات التجنيد، كما أن بعضهم يتم توجيههم للعمل في الزراعة والأعمال الشاقة الأخرى مثل رصف وتعبيد الطرق من دون مقابل مادي، وكل ما يحصلون عليه وجبتين صغيرتين من الشاي السادة بالخبز صباحاً وطبق العدس عصراً"، وناشدت مريم السلطات السعودية بالالتفات إلى معاناة الإرتيريين وإعفاء من يمتهنون أعمالًا هامشية منهم من الرسوم.

من جهته أشار السائق عبد الله عثمان إلى أن بعض بني جلدته من القادرين رحّلوا أسرهم إلى السودان ومصر، لكنه استدرك قائلًا: "هؤلاء قلة لها علاقات وفلوس، أما الأغلبية الساحقة من الإرتيرين، خاصة الأسر، فليس لها إلا الله، هو نعم المولى ونعم النصير".

وتحدّث عبد الله في إفادته لـ"العربي الجديد" عن اتصالات بين ممثلين للجالية الإرتيرية في الرياض وبعض السفارات الغربية لتسهيل إجراءات الهجرة إلى شمال أوروبا وألمانيا والولايات المتحدة وكندا، مبدياً أمله في أن تثمر تلك الاتصالات كي يجدوا مأوى لهم، قائلاً: "تلك الدول لديها معلومات كافية عن الأوضاع في إرتيريا وتعرف ما سنتعرّض إليه إذا ما عدنا إلى بلادنا، نتمنى أن نجد حلاً وألا نظل محاصرين بين مطرقة رسوم الوافدين وسندان الإجبار على العودة إلى الوطن".