الإبادة البيئية: لابد للأخضر أن ينتصر وإلا الفناء للجميع

الإبادة البيئية: لابد للأخضر أن ينتصر وإلا الفناء للجميع

11 يوليو 2020
عادة ما يلقى اللوم على الأفراد في موضوع التلوث البيئي (ألكسي روزنفيلد/Getty)
+ الخط -

 تمكن حزب الخضر، أخيراً، من اكتساح نتائج الانتخابات المحليّة في فرنسا، لتصبح الأجندة البيئيّة في المقدمة، خصوصاً أن الكوكب يواجه خطراً يهدد وجودنا بأكملنا كبشر، ما يعيدنا إلى مفهوم "الإبادة البيئيّة" الذي لا تعترف به الأمم المتحدة بعد كجريمة ضد الإنسانيّة.

ظهر هذا المفهوم في السبعينيات حين قامت الولايات المتحدة باستخدام "العامل البرتقالي" في فيتنام، المادة الكيميائيّة التي دمرت الغابات وهددت حياة السكان، وبقي المصطلح متداولاً حتى الآن، من دون الوعي الكافي به. فهو لا يرتبط بإعادة التدوير فقط والجهود الشخصية التي يمارسها الأفراد. فالإبادة البيئية، هي نفي الحياة الآن ومستقبلاً من مساحة ما، جهد سياسي واقتصاديّ تتحكم به الحكومات، بل وتشارك في تنفيذه، دون أي محاسبة قانونيّة.

الإشكالية أن الممارسات الفردية التي يُدعَى الجميع إلى تبنيها، كإعادة التدوير، والأكل الصحيّ، وغيرها من الحملات التي تحمل الذنب كلياً للأفراد غير كافية، خصوصاً أنها تنشر شعوراً جمعياً بالذنب لدى الأفراد الذين يساهمون بالتلويث، لكنهم ليسوا المصدر الرئيسي. قد يبدو الأمر مضحكاً في البداية أو مستحيلاً، لكن كمية التلوث الصناعيّ الذي تطلقه المصانع لا يقارن بالممارسات الفرديّة، لنرى أنفسنا أمام بروباغندا ربما، تلك التي تستهدف الفرد والطبقة الأدنى. لأن فئة واحدة قادرةٌ على الالتزام الكليّ بالتعليمات الخضراء، في حين أن الدول الأفقر والطبقات الدنيا، ترى في ذلك ترفاً، لا تستطيع تحمل تكلفته. بل نرى الأفقر يلامون بوصفهم جزءا من "الكلّ" الواعي لهذا الخطر، لكنهم يتجاهلون التهديد الجمعي. لكن كم عدد السكان في الكوكب القادرين على شراء الأكل الطبيعي غير المعالج، أو القادرين على الاستغناء كلياً عن البلاستيك أو الوقود؟

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

التهديد بالإبادة البيئية أشد خطراً من الجائحة الحاليّة، كونه ينفي شروط الحياة، لا الإنسانيّة فقط، بل يمتد ليشمل كافة الكائنات الحيّة. والمثال الأشد وضوحاً وراهنية يتضح في ممارسات الحكومة البرازيليّة التي يرأسها جايير بولسونارو الذي لم يحرك ساكناً تجاه احتراق غابات الأمازون في سبيل التوسع الصناعي، وبالرغم من الانتقادات الشديدة التي تعرَّض لها، إلا أنه وجد فيها "تدخلاً استعمارياً" في شؤون بلاده.

تهدد الإبادة البيئيّة شرط الحياة نفسه على الأرض، وما يجعلها جريمة، هو أنها حرفياً من افتعال البشر، كحالة مفاعل تشيرنوبل. فالتطور العلمي الهائل هو الذي أنتج حوادث وظواهر لم توجد في الطبيعة سابقاً، بل هي نتاج الجهد البشريّ الذي يسعى لاستغلال طاقة الكوكب. ونذكر مثال تشيرنوبل، لأننا نعلم مدى الضرر الحقيقي الذي سببه. إذ يقال إن السحابة الناتجة عن انفجاره غطت أوروبا بأكملها، وهنا تظهر ضرورة الاعتراف بالإبادة البيئية كجريمة دوليّة، كونها لا تختص ببلد واحد فقط، بل تنسحب على ما حوله وعلى كل العالم أحياناً، ما يجعلها محط الكذب والبروباغاندا والعلم الزائف في الكثير من الأحيان.
لكن هناك أيضاً معضلة مرتبطة بهذا التجريم، لا تتعلق فقط بعدم الاتفاق على القانون الدوليّ أو الاعتراف به من قبل الجميع، بل تظهر حين ندرك أن هذه "الإبادة" بطيئة عبر الزمن، لا تنتج فقط بسبب "الحوادث". فالبلاستيك مثلاً يهدد البشرية والكائنات الحية، والكثير من الحملات الإعلانية موجهة ضده، سواء في سبيل توعية الأفراد أو فرض ممارسات محددة على الدول والشركات في سبيل الحد من انتشاره. لكن كيف يمكن حقيقة معاقبة من يتسيب أو يساهم بالإبادة البيئية، خصوصاً أنها ترتبط بالصناعات والنشاط الاقتصادي؟

بعض المقاربات ترى أن الحل ثقافي وسياسي أكثر منه قانوني، وهو إعادة رسم العلاقة بين البشر وبين الكوكب، وذلك بنفي العدوانيّة، أو سيادة البشري على الكوكب وتحويلها إلى علاقة تكامل وأخوة، أي عوضاً عن أن نرى في الأرض و"طاقتها" غرضاً نمتلكه ونمارس العنف على مكوناته، لا بدّ من النظر إليه هو وكائناته بوصفه مكملاً للبشري، تتساوى الحقوق فيه بين البشر والحيوانات والتراب، وعلى أساس ذلك تسن القوانين ويعاد النظر في العقد الاجتماعي.

المساهمون