الأمية في مصر إلى ارتفاع
العربي الجديد ــ القاهرة
هناك جهود للحد من التسرب المدرسي (محمد حسام/ الأناضول)
قبل أشهر، طلب أبو عمرو، وهو حارس عمارة في حي الزيتون شرق القاهرة، من أحد السكان تعليمه القراءة والكتابة. كان قد رغب في استخراج رخصة قيادة بهدف شراء سيارة ونقل التلاميذ إلى المدرسة المجاورة لتحسين وضعه الاقتصادي، في ظل موجة الغلاء الشديدة التي شهدتها مصر في أعقاب قرار تعويم سعر العملة في نوفمبر/ تشرين الثاني في عام 2016.
وفي مصر، يُشترط تقديم استمارة محو أمية للحصول على رخصة قيادة سيارة.

ورغم موافقة الساكن على تعليم حارس العمارة، إلا أنه لم ينتظم في الدراسة، ورسب في الامتحان. ولجأ إلى حل أسهل وهو البحث عن "وساطة" تمكنه من اجتياز الامتحان، وهو ما تحقق من خلال ساكن آخر في العمارة نفسها، يعمل في جهاز الشرطة المصرية.

وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري قد أظهر في المسح الأخير الذي أصدره في سبتمبر/ أيلول في عام 2017، تراجع نسبة الأمية في مصر مقارنة مع عدد السكان، إلى 25.8 في المائة في عام 2017، علماً أن النسبة كانت 29.7 في المائة قبل عشر سنوات. في المقابل، زاد عدد الأميين في مصر بنحو 1.4 مليون شخص بالمقارنة مع عام 2006، ليصل إلى 18.4 مليون شخص في عام 2017.

قصة أبو عمرو الذي استخرج رخصة قيادة، قد تكون مؤشراً على الخلل في نسب الأميين في مصر خلال السنوات العشر الأخيرة، وهو ما تنكره هيئة "محو الأمية وتعليم الكبار" في مصر. الأخيرة أعلنت قبل نحو شهر وصول نسبة الأمية في مصر إلى 20 في المائة، أي ما يعادل نحو 12 مليون شخص فقط.

وبعيداً عن تقديرات نسبة الأميين الرسمية الصادرة عن هيئة محو الأمية وتعليم الكبار أو جهاز التعبئة والإحصاء، يؤكد خبراء تربويون أن الأعداد الحقيقية أكبر بكثير مما هو معلن. يقول الباحث التربوي في المركز القومي للبحوث، حسني السيد، إن الأعداد والنسب المُعلنة غير صحيحة ومنافية للواقع، وأن نسبة الأمية الحقيقية تصل إلى 45 في المائة، وفي بعض المحافظات إلى 50 في المائة، نتيجة عدم وجود نشاط أو خطوات جدية تتخذ لمواجهة تلك المشكلة، فضلاً عن قلة الموارد والإمكانيات والاعتمادات المالية.

وينتقد خبراء وباحثون هيئة محو الأمية وتعليم الكبار في مصر، ويتهمون القائمين عليها بـ "الفساد" والعجز عن إيجاد حلول لمحو الأمية ومنع التسرب المدرسي. في المقابل، تسعى جمعيات أهلية إلى الحد من تفاقم هذه المشكلة، منها مجموعة رابطة المتطوعين في العمل، التي دشنها طلاب في الجامعة الأميركية في القاهرة قبل سنوات. وتقول العضو في الرابطة الطالبة حنين محمد، إن الرابطة تنظم فعاليات سنوية في مناطق كفر حكيم وعزبة خير الله، بهدف محو الأمية في المناطق العشوائية.

تقفل باب إحدى المدارس (محمد حسام/ الأناضول) 


بدأت الفكرة قبل سنوات، واستمرت بسبب إقبال الأهالي، بحسب محمد، وإن كانت ترى أن سبب الإقبال على فعاليات الرابطة هو الحصول على مزايا الاشتراك في الفعاليات وليس التعلم. تضيف أن المشارك في فعاليات الرابطة يحصل على حقائب رمضانية ولحوم خلال العيد وغيرها. وتوضح أنه عادة ما يشارك الرجال في الفعاليات بهدف استخراج رخصة قيادة. أما الفتيات والنساء، فيرغبن في المشاركة في الفعاليات من أجل الحصول على شهادة محو أمية تمكنهن من التقدم للوظائف التي تتطلب القراءة والكتابة، مثل بائعة في متجر أو غير ذلك.



وتُظهر البيانات الأخيرة الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أنه كلما انخفضت الأعمار قلّ عدد الأميين، وقد وصل عدد الأميين لدى الفئة العمرية ما بين 10 سنوات و34 عاماً إلى 5.7 ملايين شخص أي بنسبة 13.5 في المائة.
ووصل عدد الأميين بين الذكور (10 سنوات وما فوق) إلى 7.8 ملايين شخص بنسبة 21.2 في المائة، وبين الإناث إلى 10.6 ملايين نسمة بنسبة 30.8 في المائة.

وسجّل عدد الأميين في الريف بين الذكور 5.4 ملايين شخص، بنسبة 25.9 في المائة، وبين الإناث 7.5 ملايين شخص بنسبة 38.8 في المائة من إجمالي عدد الإناث في الريف. وفي المناطق الحضرية، وصل عدد الأميين بين الذكور إلى 2.4 مليون نسمة، بنسبة 15.1 في المائة، وبين الإناث إلى 3.1 ملايين، بنسبة 20.6 في المائة من إجمالي عدد الإناث في الحضر.

وتشمل فعاليات الرابطة التحدث إلى النساء عن أهمية التعليم، وتشجيعهن على الانضمام إلى برنامج النادي الخاص بمحو الأمية، وتنظيم دورات ترفيهية للأطفال مثل الرسم وغيرها، بهدف تشجيعهم على الاستمرار في التعلم، وعدم التسرب من المدارس.

أما دار الخدمات النقابية والعمالية، فقد تعاقدت مع إدارة الهيئة العامة لتعليم الكبار في المحافظات التي ترتفع فيها نسبة الأمية، والهدف هو محو أمية العاملات، بهدف الاستفادة من كتاب وزارة المالية رقم 370 في 7/4/2015، بتعيينهن على بند 2/3 أجور تمهيداً للتعيين والتثبيت بعد اجتياز اختبار محو الأمية. واعترضت الدار على بعض الشروط، منها اختيار 300 متعلم خلال ثلاثة أشهر وغيرها، وجميعها بمثابة مماطلة وتعجيز من قبل جهاز تعليم الكبار لعدم إتمام التثبيت، مع العلم أن الدرجات الوظيفية متوفرة لدى الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة"، بحسب بيان رسمي صادر عن الدار العام الماضي.