الألعاب الإلكترونية: أطفال الأرق

الألعاب الإلكترونية: أطفال الأرق

02 يناير 2017
(في افتتاح متحف العلوم بلندن، تصوير: أدريان دينيس)
+ الخط -

تجذب الألعاب الإلكترونية الكثير من الفئات وخصوصًا الأطفال، لكثيرٍ من الأسباب، منها سهولة تحميلها وإتاحة لعبها على الأجهزة الذكية أو للتطوّر الذي يسود الوسط الذي نحن فيه، وغالبًا ما يقضي الأطفال وقتًا طويلًا أمامها دون أن يشعروا بذلك، مما يؤثّر على صحّتهم وسلوكُهم داخل الأسرة وخارجها وعلى تحصيلهم الدراسي والقدرة على التركيز أثناء الدراسة، وخاصةً أن ألعاب العنف غالبًا ما تؤدّي إلى نوم غير مُستقر للأطفال، في مقابل ذلك توجد هناك فائدة لهذه الألعاب وتأثيرٌ مُميّز على الطفل.

حاولنا الاقتراب من هذه الظاهرة، ومعرفة تأثير الألعاب الإلكترونية على الأطفال تحت سن 18، وحرص الوالدين على معرفة الألعاب التي يلعبُها أطفالهم واختيارها لهم حيث إنهم في تلكَ المرحلة لا يُحسنون اختيار ما يُناسب أعمارهم وطبيعتهم، ومعرفة لمَ لا يستغل الأب والأم وقت الفراغ لدى أولادهم في ممارسة هوايات مُفيدة كالقراءة وغيرها.


السلوك والمُتابعة
تعتمد آلاء غُنيم، والدة الطفل عبد الرحمن (6 سنوات)، على عامل تنظيم الوقت في تربية أبنائها، حيث توضّح في حديث إلى "جيل"، أنها تقسّم أوقاتهم بين اللعب والدراسة والنوم وتناول وجبات الطعام، مضيفة: "أحاول اختيار الألعاب التي تنمّي الذكاء ومهاراته الإبداعية بشكل أساسي، كالحروف والكلمات والألعاب التي تعمل على تقوية الذاكرة، وأُبعده عن العنيف منها، كالمصارعة والقتل وهكذا، في حين إذا اندمج في اللعب مرّة فلا يجب مقاطعته في نصف الدور حتى لا يسيطر ذلك عليه ويتعامل بعصبية".

تشدّد غنيم على ضرورة مرافقة الأطفال أثناء اللعب، وإقناعهم بأن الألعاب الإلكترونية مجرّد خيال وليس حقيقة، مشيرة إلى أن طفلها ما زال متعلقًا بالمطالعة، ومع ذلك تصرّ على قراءة القصص له دائمًا هي ووالده.

من جهتها، تعترف أمل تُهامي، والدة الطفل تَيم (4 سنوات)، بأن ابنها يُفرط في اللعب على الكمبيوتر لمدة تزيد عن خمس ساعات يوميًا، ولكن على فترات متقطعة، مضيفة أنها تحاول إبعاده عن الألعاب العنيفة والتحكم في اختيار الألعاب المناسبة له بطريقة غير مباشرة، عن طريق الاطلاع على ما يقوم بتحميله، ثم يختار هو ما يريد بعدها، "دائمًا أعطيه حق الاختيار ولا أجبره على شيء محددّ، فهو يتعلق بما يشاهده، ولكن حتى الآن لم يقم بتقليد أي شخصية من شخصيات الألعاب التي يهتم بها".

"تؤثّر الألعاب الإلكترونية عليه سلبًا، وتُصيبه بالصداع الشديد والعصبية المفرطة، ولكن هذا لا يُبعده عمن حوله، فهذا يرتبط بطبيعة الشخص الذي يلعب، وهو طفلٌ اجتماعي بطبعهِ يُحبُّ الاندماج مع الآخرين ولكنه لا يُحبُّ القراءة ويَملّ منها بسرعة"، هذا ما تعترف به داليا، والدة الطفل مصطفى (13 سنة)، وتتّفق معها في هذا الرأي رنا محمود، أخت الطفل محمد (7 سنوات)، الذي يعاني من إعاقة ذهنية، حيث تقول: "تصرّفاته داخل البيت عادية ولكنه يتعصّب كثيرًا إذا تعلّق بلعبته بشكل زائد، وأحيانًا يُقلّد ما يُشاهده، فهو يقوم بحركات غريبة، واتّضح لي ذلك مِمَا يلعبه، وهو يَفرح كثيرًا إن فاز في أي لعبة".

زينب مصطفى، والدة محمد (13 سنة)، تحرص كثيرًا على معرفة نوع الألعاب التي يلعبها، وفي الغالب تبحث عن الألعاب الترفيهية البعيدة عن العنف، وتشير المتحدّثة إلى أن طفلها يجلس أمام اللعبة وقتًا طويلًا إذا لم يُوقفه أحد، ولا تغيير في سلوكه العادي ولكن تُصيبه اللعبة أحيانًا بالعصبية والانفعال والتوتر، ولا يحاول استغلال وقته في القراءة إلا قليلًا، على حدّ تعبيرها.


الدراسة النوم
علم النفس له رأيه أيضًا في هذا الموضوع، حيث تؤكد ريموندا سمير، أخصائية في علم النفس، أن قضاء الوقت أمام تلك الألعاب يؤدّي إلى آثار سلبية وإيجابية.

من الآثار السلبية التي تحدثت عنها ريموندا: انفصاله عن والديه والعزلة والانطواء الذي يؤدّي به إلى الخجل من الآخرين، وعدم معرفة كيفية التعامل معهم، وعدم احترام الكبار في كثيرٍ من الأحيان.

وتستطرد المتحدثة "بما أن غالبية الألعاب عنيفة، فإنها تُصيبه بالعنف والقسوة نتيجة تقليده لها، وتعلمه الأسلوب غير اللائق في الكلام، والتقليد بشكل كبير لهذه الألعاب يؤدّي أحيانًا إلى حالات مرضية كالقتل، وتزايد التوتر، فمثلًا لعبة سباق السيارات تُصيبه بالعصبية نتيجة السرعة الزائدة".

للكمبيوتر أيضًا، حسب المختصة، تأثير سيئ على خلايا المخ، وانعدام المهارات اليدوية، والجلوس أمامه مُطولًا له آثار فزيولوجية على الطفل يتعلّق بعضلات اليد وإجهاد العين وتقوّس الظهر.

تعود هذه المشاكل التي يتعرّض لها الطفل بسبب الألعاب، على التحصيل الدراسي بالسوء حين يتعلّق الطفل باللعبة التي أمامه، أما النوم فغالبًا ما يكون مضطربًا ومُتقطعًا، وربّما يصاب بالأرق ورؤية الكوابيس أحيانًا، مما يُصيب الطفل بالتبوّل اللإرادي نتيجة الخوف من أن يُصبح ما يراه حقيقة.

هنا، تقول تقول داليا، والدة مصطفى، إن ابنها يكثر من اللعب في الإجازات حيث يصل وقت اللعب إلى 6 أو 8 ساعات يوميًا، ولكن في أيّام الدراسة يُقلل من ذلك إلى ساعة أو ساعتين فقط، وتتأثّر الدراسة بذلك، فهو لا يجلس للمذاكرة كثيرًا ويؤثّر ذلك على نومه، فحين قمنا بمنعه من مشاهدة التلفزيون والألعاب لمدّة شهر، كان هادئًا جدًا. فعلميًا لا يجب أن يشاهد التلفزيون ويلعب معًا، بل يكون هذا أو ذاك، ويومًا بعد يوم أصبح لا يزيد لعبه عن ساعتين خلال 24 ساعة.

من جهتها، تعتبر آلاء، والدة عبد الرحمن (6 سنوات)، أن مواظبتها على تنظيم الوقت، تمكّن طفلها من التحضير جيّدًا للدراسة والنوم في الوقت المحدّد. وتعترف أمل، والدة تيم، أن ألعاب الفيديو تؤثر على نوم طفلها، فهو قليل ومُضطرب، ومُذاكرته تتمّ على فترات متقطعة، يقوم فيها باللعب بين أوقات المراجعة.

ومن الآثار الإيجابية للألعاب الالكترونية أنها تُنمي ثقة الطفل بنفسه حين يفوز، وحُب المغامرة وزيادة الخيال والإبداع، وتساعد في تنمية الذكاء والحركة، ومواكبة العصر، حيث إننا بتنا في عصر التكنولوجيا والمعلومات، فهو يجب أن يتعّلم أسلوب اللعب الحديث. هنا تقول رنا، أخت محمد: "اللعب يزيد من نشاط محمد كثيرًا، ويؤثر ذلك على نومه في المقابل، فهو لا ينام إلا قليلًا في أوقات غير منتظمة، أما الدراسة فهو ما زال في البداية ولكنه يُحبها".

في النهاية، لا بد للوالدين وخاصةً الأم، من تنظيم وقت لعب أطفالهم بشكل جيّد، وبالأخص في سن مبكّرة، ومرافقة الأطفال أثناء اختيار ألعابهم، وتحديد المُدّة اللازمة لذلك والتفكير في ألعاب أخرى لا تعتمد على الإنترنت بالضرورة، بل على التفاعل الجسدي مثل المكعّبات، أو تنمية هواياتهم المُختلفة مثل المطالعة.

المساهمون