الأقفاص والثورة

الأقفاص والثورة

07 نوفمبر 2015

الإعجاب بوضع أسرى بالأقفاص سبة في وجه أصحابه (إنترنت)

+ الخط -
تابعت من موقع الرفض والإدانة تصريحا صدر عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وآراء أدلى بها بعض أعضائه تسوّغ وضع أسرى جيش النظام في دوما والذكور والإناث من أفراد أسرهم في أقفاص توزع على المدينة وغوطتها، بحجة منع النظام من قصفهما.
أولا وقبل كل شيء: يبدو أن هناك في دوما من هو معجب بأسلوب "داعش" المبتكر، القائم على قتل خصومها وأعدائها، وهم سجناء أقفاص، كما فعلت بالطيار الأردني معاذ الكساسبة، وأسرى من الجيش الأسدي والجيش الحر، ممّن أغرقتهم داخل أقفاص مياه آسنة، بعد أن قيّدت أيديهم وأرجلهم. هذا الإعجاب، الذي أرجو أن لا يكون موجوداً، سبّة في جبين أصحابه، لأنه من غير المقبول أن يتبنى طرف يريد الحرية أساليب وطرق الأسد وداعش الإجرامية في قتل أسرى عزّل، خرجوا من المعركة، وفقدوا القدرة على الدفاع عن أنفسهم، يلزم القانون الأخلاقي والأمر الديني آسريهم بحمايتهم، ريثما يقدمون إلى المحاكم، في حال كانوا من مرتكبي الجرائم ضد الشعب. إن موقف داعية الحرية من الإنسان يتناقض جذرياً مع مواقف المستبدين، فإن اعتمد سلوكهم وطرائقهم صار مثلهم، وكشف كذب وزيف إيمانه بالحرية، وأسقط حقه في أن يعتبر مدافعاً عن شعب ثار كي ينعم بالحرية، وضحى ويضحي، من أجل تحرير السوريات والسوريين، جميع السوريات والسوريين، ولا يجوز أن يستخدم مطالبته بالحرية، ليتفنّن في اعتقال الأبرياء، والتنكيل بالمختلفين عنه عقيدةً وموقفاً وقتلهم، وإخفائهم أو وضعهم في أقفاص يقتلون فيها.
ثانياً: من قال إن النظام لن يقصف دوما والغوطة، لأن ضباطه وجنوده وأسرهم من سجناء الأقفاص سيكونون عرضة للقتل. الأصح: إنه سيسارع إلى قصفهم وقتلهم، لأن موتهم يشوّه سمعة الثورة التي تقتل عزّلا التزمت مرات عديدة باحترام حياتهم. سيقصف النظام دوما والغوطة، وسيقول إن من قتلهم هم الإرهابيون، وإنه يقصف المنطقتين انتقاماً من الذين قتلوهم، ثم وضعوا جثثهم في الأقفاص.
ثالثاً: إن وضع أسرى في أقفاص تنشر على أسطح البنايات، وفي الساحات العامة، وأمام الأفران والمدارس، سيفضي إلى قتل مواطنات ومواطنين، لا علاقة لهم بها، سيعتبرون ضحايا لمروجي بدعة الأقفاص، الذين سيفقدون ورقة إيجابية كانت في أيديهم هي محافظتهم خلال فترة طويلة على حياة أناس قتلوا أهلهم ودمروا مدينتهم، وحين سقطوا في الأسر أبقوا على حياتهم، وتكفلوا بكسوتهم وطعامهم وعلاجهم، على الرغم ممّا يعانيه شعب الغوطة والمدينة على يد النظام وجيشه، بسبب الحصار التجويعي الذي يعتمدانه سلاحاً هدفه تركيع الشعب أو قتله جوعاً وحصاراً، ويفرضانه، منذ أعوام، مع ما يحمله للأطفال والأمهات والشيوخ والشبان من فاقه وحرمان. لو كنت محل قادة دوما، لطلبت من الأسرى عقد مؤتمر صحافي، يشرحون فيه محنتهم، الناجمة عن سياسات النظام، ومشاهداتهم عن القتلى والجرحى والمشوّهين من المدنيين، وعن قتلاهم هم أنفسهم تحت القصف، إن كان هناك قتلى منهم، ولرجوتهم أن يطالبوا النظام بالتوقف عن تدمير المدينة والغوطة وقتل سكانهما، ويناشدوا المنظمات الدولية فعل أي شيء لإنقاذ أبناء شعبهم وبناته، ووقف هجمات الجيش ضده.
بدل أن يكون الأسرى ورقة رابحة بيد المقاومة، تحوّلهم أقفاصها إلى كارثة عليها، وعلى العمل الوطني المعادي لاستبداد الأسد وإجرامه. والآن: هل يراجع من اتخذوا القرار أنفسهم ويعيدوا أسيراتهم وأسراهم إلى أمكنة آمنة؟ هذا ما أرجوه، من أجل ثورةٍ لا بد أن نصون إنسانيتها ووطنية مقاصدها.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.