الأغاني الأولى لثورة يوليو

الأغاني الأولى لثورة يوليو

28 يوليو 2020
رأت أم كلثوم في جمال عبد الناصر القوة القادمة والحصان الفائز (Getty)
+ الخط -

مرّت قبل أيام الذكرى 68 لثورة 23 يوليو، وككل عام يعاد فتح النقاش حول تبعات "ثورة الضباط الأحرار" المستمرة على مصر وعلى العالم العربي. وتماماً كما في السياسة يأخذ النقاش الفني بعداً مهماً جداً عند استعادة ذلك التاريخ. إذ ساهمت الثورة في صناعة أو ترسيخ نجومية فنانين مصريين كثر، على رأسهم "مطرب الثورة الأول" عبد الحليم حافظ. وقدّم هذا الأخيرة أولى أغاني الثورة وهي نشيد "شعار العهد" المعروف باسم "العهد الجديد" من كلمات محمود عبد الحي وألحان عبد الحميد توفيق زكي، واستعاد شعارات وعبارات البيان الأول للرئيس محمد نجيب. أدى عبد الحليم النشيد مناصفة مع عصمت عبد العليم.

ليلى مراد من جهتها قدّمت "نشيد التحرير" (أو "على الإله القوي الاعتماد") الذي تضمّن شعار الثورة "النظام والعمل والاتحاد". وهو الشعار الذي أعلنه محمد نجيب الذي راهن على مراد، وراهنت هي عليه وعلى بقائه في السلطة، فخسرت عندما تم إعفاؤه من مهامه كرئيس للجمهورية عام 1954، لتعلن اعتزالها وهي في عز مجدها عام 1955. "نشيد التحرير" نظمه جليل البنداري ولحنّه منير مراد؛ شقيق ليلى، في لحن بعيد تماماً عن شخصيته وأقرب إلى المارشالات والأناشيد العسكرية.

لكنّ بعيداً عن الأناشيد، تأخّر اتضاح الهوية النهائية لأغاني الثورة. ولعلّ أول أغنية فعلية كانت من نصيب أشهر ممثلي الكوميديا في تاريخ مصر إسماعيل ياسين. واحد من أهم داعمي الثورة في عالم الفن بشكل عام، هكذا كان مونولوغ "عشرين مليون وزيادة"، في فيلم "اللص الشريف" (1953) من كلمات مؤلف الفيلم ورفيق إسماعيل ياسين، أبو السعود الإبياري.

جاء المونولوغ في مشهد يعلم فيه البطل خبر قيام الثورة، فيغني ضد الملك قائلاً "كان عهد فساد أسود وسواد على شعب أصيل وكريم"، ثم يمجد في قائد الثورة ورئيس الجمهورية، "كان فرجه قريب وسميع ومجيب، الجيش ونجيب عملوا الترتيب"، وبالطبع منعت تلك الأغنية بعد إعفاء نجيب من منصبه.

لم تكن تلك الأغنية الوحيدة التي عانت من المنع، فهناك أغنية "مرحب مرحبتين" لفريد الأطرش في بدايات عام 1953، وقد غناها الفنان السوري بمناسبة استقبال محمد نجيب لرئيس لبنان كميل شمعون، وذكر فيها اسم نجيب، فمنعت وتم حذف المقطع الذي يرد فيه ذكر الرئيس. وقدم الأطرش بعدها بعام أغنية في ميدان التحرير باسم "بَني مصر قد راح فجر العبيد". لكن الفنانين لم يكونوا وحدهم من يعانون من تخبّط في تحديد هوية موسيقاهم الجديدة، بل كذلك الجمهور الذي وجد نفسه في موجة أغانٍ جديدة يعجز عن التعامل معها، ومع مغنيها، وتحميلهم أدواراً وتوجهات ليس لها قدر كبير من المصداقية والمنطق، مثل التعامل مع محمد فوزي.

هذا الأخير كان فناناً غير مسيّس، فلم يغنّ للثورة ولا لضباطها، وهو ما جعل الدولة تؤمّم شركته وتعامله معاملة سيئة. من أشكال التخبط أيضاً، تلك التي أصابت ملوك الغناء في مصر في ذلك الوقت، أي صاحبة العصمة أم كلثوم، ومطرب الملوك والأمراء الحالم بلقب البكوية محمد عبد الوهاب. كان الاثنان من المقربين من الملك فاروق، لكن أي موقف معارض للثورة كان يدمر أو يعوق طريقهما وحلمهما بالتربع على عرش الغناء.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

هكذا صمتت أم كلثوم بداية ثمّ غنّت أمام محمد نجيب. وسرعان ما اتخذت قراراً بالسفر إلى الولايات المتحدة للعلاج، فكانت فرصة مناسبة كي تبتعد عن المشهد كي تعرف كيف تواجه ذلك التغير المفاجئ في شكل الدولة وفي طريقها، فرأت في جمال عبد الناصر القوة القادمة والحصان الفائز.

أما محمد عبد الوهاب فقرر أن خير وسيلة للدفاع هي إعلان الولاء التام للدولة الجديدة، للضباط الأحرار وللثورة، فقدم أغاني وأناشيد عدة منذ بداية الثورة، مثل نشيد الحرية ونشيد الوادي عن مصر والسودان، ويا مصر تم الهنا. كان ذلك كله بالطبع في السنوات الأولى من الثورة، قبل أن تتضح الأمور ويحكم جمال عبد الناصر، ويبدأ في صناعة أغاني الثورة ومطربي الثورة، كما وصلت إلينا من أغاني شهيرة لأم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب وجميع مطربي تلك المرحلة بمختلف أنواعهم وأشكالهم الغنائية المختلفة.

المساهمون