الأطراف التي دوخت تونس

الأطراف التي دوخت تونس

29 مارس 2018
+ الخط -
في جلسة مساءلة البرلمان الحكومة التونسية، يوم 23 مارس/ آذار الحالي، تم الحديث مرة أخرى عن "أطراف" تعطل المسار الديمقراطي في البلاد، في سبع مناسبات خلال الجلسة، مرة من رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، وست مرات على لسان النواب. لا أحد من هؤلاء حدد هذه "الأطراف" بوضوح، فمن هي هذه الأطراف التي دوخت تونس، وألحقت بها شديد الأذى، ومثلت لها قوة جذب إلى الخلف، للعودة بها إلى ما قبل الثورة، إلى عهد الصوت الواحد، والحزب الواحد، عهد الدكتاتورية المقيت؟
تكرار الحديث عن "أطراف" من حكام تونس، يؤكد وجودهم الفعلي. إلا أن السؤال الذي يتبادر فورا للعقل هو: لماذا يحجم حكام السلطتين، التنفيذية والتشريعية، بكشفهم ومصارحة الشعب التونسي عنهم؟ احتمالان، لا أكثر، للإجابة عن هذا السؤال، الأول أنّ هذه "الأطراف" قوى نافذة ومؤذية، وليس لهؤلاء الحكام من يحميهم منهم. والثاني أنّ السادة الحكام يحسبون لمستقبلهم السياسي أكثر من أي شيء آخر.
قد تكون هذه الأطراف، داخلية أو خارجية. بالنسبة "لأطراف" الداخل، تم الإفصاح عن بعضهم في مناسبتين. الأولى، كان على لسان علي العريض، عندما كان وزير داخلية، إذ وجه حديثه مباشرة الى أنصار الشريعة، ثم وضعهم على لائحة الإرهاب. والثانية، كانت على لسان الرئيس، الباجي السبسي، موجها كلامه مباشرة إلى الجبهة الشعبية، ولم يتردد في ذكرها بالاسم، وهو ما أغضب قادة الجبهة، من دون أن يكون ردهم في مستوى الاتهام الموجه.
كشفت حملة الفساد التي شنها يوسف الشاهد أطرافا أخرى تونسية، متهمة في تورطها في التآمر على أمن الدولة، ابتداء برجل الأعمال، شفيق جراية، وانتهاء بوزير الداخلية الأسبق، محمد الناجم غرسلي. ولو أن بعضهم اعتبر أن حملة الشاهد هي حملة تصفيات لخصوم سياسيين، إلا أن ما في جعبة القضاء ينفي ذلك.
أما أطراف الخارج، فها هي الأحداث تكشف عنهم الواحد تلو الآخر، فأذى بعضها بات جليا ومرتبطا بها، وأخرى ظهر الأذى، ولا زال الفاعل مجهولا.
السعودية طرف، فاستدعاء وزير الداخلية التونسي الحالي، ولقاؤه مباشرة الملك سلمان بن عبد العزيز يثبت تدخل السعودية في تونس من فتحة بابها الأمني.
الإمارات أيضا طرف، ما نشرته مواقع إعلامية، وما تعهد به القضاء، من وجود شبكة تجسس في تونس مرتبطة بدولة الامارات لم يعد خافيا على أحد، وان كذب كثيره، فقليله واقع.
فرنسا طرف أيضا، إذ لا زالت تعتبر تونس من محمياتها، وليس لصولات السفير الفرنسي في تونس وجولاته مدلولات أخرى، سوى أنه يتحرّك في ملكه بكل حرية، ويلتقي بمن يشاء ومتى شاء، فبأيّ حق يلتقي السفير مع هيئة الانتخابات؟ وبأي حق يلتقي السفير مع النقابات؟ وبأي حق يلتقي السفير بالمتظاهرين في قفصة وغيرها؟ ربما لا تعني التحركات الظاهرة للسفير شيئا أمام ما يحاك في الخفاء.
كل هذه الأطراف، ما كُشف عنها وما لم يكشف عنها بعد، تتفق في مهمة أساسية، تعطيل المسار الديمقراطي الذي سيصبح الإسلاميون جزءا منه وفي صدارة الحكم، متناسين أنه لا يمكن إلغاء الإسلاميين الديمقراطيين الذين مثلوا الأغلبية في كل انتخابات حدثت في تونس منذ الثورة.
في المحصلة، سيظل الكشف عن هذه الأطراف مرتهنا للمصادفة أو للتصفيات السياسية، ويبقى الطرف الأكثر ضررا للبلاد هو الشعب التونسي الذي ظلّ صامتا أمام ثورة سرقت، وبلاد تغرق اقتصاديا ومجتمعيا وأخلاقيا، تم التلاعب به من كل الأطراف من خلال أطماع الإيديولوجيا أو المال، والمتاجرة بألمه، وجوعه وعطالته عن العمل.
9F050F52-E60E-4E02-8779-EC6C876D09AD
9F050F52-E60E-4E02-8779-EC6C876D09AD
محجوب أحمد قاهري (تونس)
محجوب أحمد قاهري (تونس)