إنه "بورا ميلوتونوفيتش"، المدرب الصربي الذي حقق إنجازاً تاريخياً بتدريبه لخمسة منتخبات مختلفة في منافسات كأس العالم، وأهدى إلى الصين أول تأهل في تاريخها إلى المونديال، وعبر بكوستاريكا إلى الدور الثاني في كأس العالم مع بداية متميزة في المكسيك.
الأسطورة بورا، رحب باستضافة "العربي الجديد" في حوار كشف خلاله تفاصيل مثيرة عن تجاربه السابقة، وأبدى مساندة مطلقة لمونديال 2022 في قطر، مؤكداً ثقته في قدرة القطريين على إنجاح هذه التظاهرة العالمية.
نستهل حديثنا عن تجاربك بمحطتك الأولى في كأس العالم والتي كانت مع المنتخب المكسيكي؟
كانت تجربة رائعة، أولاً لأنها الأولى بالنسبة لي في المشاركات العالمية، وثانياً لأننا أسعدنا الجماهير المكسيكية من خلال الأداء الذي قدمناه في مونديال 1986، وكتبنا أسماءنا في تاريخ كرة القدم المكسيكية، وتأهلنا إلى الدور الثاني، لقد كانت تجربة مميزة ومن أحسن الذكريات التي أحتفظ بها في مسيرتي في عالم المستديرة، وتحديداً مباراتنا أمام منتخب بلجيكا التي لعبناها بحضور 120 ألف متفرج.
وتجربتك مع كوستاريكا؟
بعد أربع سنوات وجدت نفسي في محطة جديدة وفي تظاهرة عالمية كبرى في مونديال إيطاليا مع منتخب كوستاريكا الذي كان يفتقر إلى الخبرة في مثل هذه المنافسات، واعتبرنا البعض قبل انطلاق المونديال الحلقة الأضعف في المجموعة الثالثة، خصوصاً أننا وجدنا أنفسنا إلى جانب المنتخب السويدي، منتخب اسكتلندا وخاصة المنتخب البرازيلي، وتحدثت عنا وسائل الإعلام بشكل مزعج واعتبرتنا "حصالة" المجموعة، غير أننا شكلنا الحصان الأسود، وفرضنا على الجميع أن يغيّروا نظرتهم الأولى وأحكامهم المتسرعة، فنجحنا في الفوز على اسكتلندا في المباراة الأولى بنتيجة 1-0 ثم سجلنا فوزاً ثانياً على حساب المنتخب السويدي بنتيجة هدفين لهدف قبل أن ننهزم في مباراتنا الثالثة أمام منتخب البرازيل بهدف لصفر، وصعدنا إلى الدور الثاني بعد احتلالنا وصافة المجموعة خلف منتخب السيليساو، ونقص الخبرة لدى أبنائي ساهم في خروجنا بعد الهزيمة أمام المنتخب التشيكي.
ثم غيرت المحطة في المونديال الموالي نحو الولايات المتحدة الأميركية؟
سنة 1991، وعندما تسلمت مقاليد منتخب الولايات المتحدة الأميركية، لم تكن تحظى كرة القدم، بأهمية كبرى لدى المواطنين الأميركيين، وحتى عشاق الرياضة كانت اهتماماتهم أبعد عن ملاعب كرة القدم، حيث كانت الهواية متجهة أساساً إلى كرة السلة، وكرة القدم الأميركية، ولكن نجحنا في قلب المعطيات من خلال الظهور المشرف في مونديال 1994 بأميركا، فنجحنا أولاً في تحقيق أول فوز لهذا المنتخب منذ 1950، ثم نجحنا في التأهل إلى الدور الثاني.
من القارة الأميركية إلى القارة الأفريقية؟
في مونديال 1998 بفرنسا، توليت مهمة الاشراف على تدريب منتخب نيجيريا، ووضعتنا القرعة في مجموعة صعبة جداً تضم كلاً من المنتخب الاسباني، منتخب الباراغواي ومنتخب بلغاريا، وعلى الرغم من ذلك فقد نجحنا في التأهل إلى الدور الثاني، وانهزمنا أمام منتخب الدنمارك، وهو انسحاب آلمني لأن ذلك المنتخب كان قادراً على الذهاب بعيداً، غير أن عقلية اللاعب الأفريقي المتقلبة والمزاجية تمنعه أحياناً من بلوغ أعلى المراتب.
وختامها كانت قارة آسيا بتأهل تاريخي مع منتخب الصين؟
يجيب مبتسماً: نعم كان إنجازاً تاريخياً بتحقيق التأهل إلى مونديال كوريا واليابان سنة 2002، كان أشبه بالحلم، شخصياً كنت واثقاً من قدرتنا على التأهل لأن الأرقام في الغالب لا تكذب، فقد عدنا إلى الواجهة في قارة آسيا وأصبحنا منافساً عتيداً على لعب الأدوار الأولى، فتمكنا من بلوغ الدور نصف النهائي لكأس أمم آسيا، والأروع في ذلك أننا فزنا في 12 مباراة من بين 13 مباراة أجريناها خلال التصفيات، وغادرنا المونديال منذ الدور الأول، ولكن المهم أن فرحة الجماهير الصينية كانت كبيرة وأنا سعيد بذلك.
أنت سعيد لأنك نجوت بنفسك بعد أن صرحت بأنك ستلقي بنفسك من سور الصين العظيم إذا فشلت في التأهل؟
آه...لا... لم أكن متخوفاً لأنني كنت واثقاً من النجاح ومن قدرة هذا المنتخب على تحقيق حلم جماهيره، وعندما تكون لديك خبرة طويلة في الملاعب يصبح بإمكانك الحكم على الفرق أو المدربات التي تشرف على حظوظها.
لماذا ابتعدت عن كرة القدم؟
أنا أبتعد عن عالم الكرة؟؟ سأموت إذا ابتعدت عن هذا العالم، ولكن الأمر يختلف عندما تتقدم في السن، وأنا سعيد اليوم بتجربتي مع الشباب في أسباير.
حدثنا عن هذه التجربة؟
أعمل حالياً مستشاراً في أكاديمية التفوق الرياضي في الدوحة، وسعيد بهذه التجربة المختلفة، أقدم خبرتي الطويلة لهذه المؤسسة الرائدة في المجال الرياضي، وأشرف على الأجهزة الفنية وأساهم في وضع البرامج التدريبية المقدمة للفئات الموجودة في الأكاديمية، والعمل في أسباير ممتع لأنك ترتبط بمؤسسة رياضية ضخمة لها شهرة عالمية، وتوجد في بلد يعتبر بيئة صالحة للعمل والعطاء والبذل، لأن مسؤوليها يولون عناية فائقة بالرياضة ويبذلون جهوداً متواصلة لتطوير البنية التحتية وتوفير كل ممهدات النجاح، هذا البلد يقدر الكفاءات في كل المجالات.
وهل هذا يعكس تتويج منتخب قطر ببطولة كأس آسيا للشباب؟
بكل تأكيد، قطر تعمل وفق قواعد علمية مدروسة، وتتويج منتخب قطر للشباب منذ أيام بهذه البطولة الآسيوية، لم يكن وليد صدفة ولا أذيعك سرا إن أخبرتك بأن هذا الإنجاز كان منتظرا، بدليل أن المنتخب القطري لم يعرف طعم الهزيمة على امتداد مباريات هذه البطولة، والسنوات القادمة ستمنح قطر سيطرة مطلقة على كرة القدم الآسيوية والعربية، والهدف المنشود هو أن يكون المنتخب القطري جاهزا لمونديال 2022.
البعض يشكك في قدرة قطر على النجاح في تنظيم المونديال؟
أتابع باستغراب شديد الانتقادات الموجهة لهذا البلد والتي انطلقت مباشرة بعد فوز قطر بشرف تنظيم مونديال 2022، والغايات الحقيقية والدافع الحقيقي وراء هذه الحملة بات مكشوفاً اليوم، لقد استكثروا على بلد عربي في الشرق الأوسط أن يفوز بشرف تنظيم المونديال أمام بلدان كبيرة على مستوى المساحة والتجربة في عالم كرة القدم.
أنا متأكد من أن قطر ستنجح في تنظيم كأس العالم، وسيكون مونديال 2022، تاريخياً على جميع المستويات، وسيتراجع المشككون ويسحبون اتهاماتهم المجانية، قطر ستبهر العالم.
أنت كمستشار فني هل تعتبر الطقس عائقاً كبيراً؟
لاعب كرة القدم مطالب بالتأقلم مع المناخ سواء كان الطقس بارداً أو حاراً، فاللاعب الإفريقي المتعود على طقس حار يتأقلم مع الأجواء في أوروبا، والمدرب الأوروبي لو تلقى عرضا للتدريب في الخليج لحضر على الفور، فهل كان الطقس ربيعيا أو شتويا في مونديال البرازيل؟ كنت حاضراً هناك والطقس لم يكن يختلف كثيراً عن الطقس في قطر.
تحولت إلى البرازيل لمتابعة منافسات كأس العالم؟
تحولت إلى البرازيل ضمن برنامج "الجيل المبهر" الذي نظمته اللجنة العليا للمشاريع والارث في قطر، وخلاله سنحت الفرصة لـ22 فتى وفتاة يمثلون أربع دول آسيوية، ومكنتهم من عيش تجربة المونديال، وقد تم اختيار الفتية والفتيات وفق معايير دقيقة أخذت بعين الاعتبار حاجة المجتمعات النامية وتطلعات وأحلام الشباب وتوقعاتهم من الزيارة التي أرسلوها في رسالة مكتوبة إلى اللجنة بهدف إعدادهم ليكونوا قيادات رياضيّة بارزة في مجتمعاتهم بعد خوض هذه التجربة في البرازيل.
وبالإضافة لحضورهم عدداً من مباريات البطولة، قام الفريق بزيارة "مؤسسة كافو"، نجم الكرة البرازيلية السابق من أجل خلق فرص تنموية لمساعدة الأطفال والشباب في معركتهم ضدّ عدم المساواة في مجتمعاتهم.
على المستوى الفني كيف تقيم مونديال البرازيل؟
مونديال البرازيل كان مستواه محترماً، بلغ درجة الامتياز في بعض المباريات وكان مستواه متواضعا في بعض المباريات، وأعتقد أن تتويج المنتخب الألماني بكأس العالم كان مستحقا، بينما فاجأني المردود المتواضع للمنتخب الاسباني وكذلك المنتخب البرتغالي.
وأداء المنتخب الجزائري الممثل الوحيد لكرة القدم العربية؟
أداء المنتخب الجزائري في المونديال كان ممتازاً، فقد استهل مباراته الافتتاحية بملاقاة منتخب بلجيكا الذي يضم في صفوفه عدة نجوم تلعب في أكبر البطولات الأوروبية، المنتخب الجزائري دخل المونديال بشيء من الخوف ثم تخلص من هذا العائق تدريجيا مع دخوله في جوهر الموضوع، وقدم أداء ممتعا في مباراته أمام منتخب كوريا الجنوبية، وكان قادرا على التقدم أكثر لو لم يصطدم بمنتخب عملاق يملك من الخبرة ما يساعده على قلب المعطيات في كل وقت، وهذا ما تحقق في الدقائق الأخيرة من المباراة حيث سجل المنتخب الجزائري تراجعا على المستوى البدني.
ما هو تقييمك للكرة العربية؟
كرة القدم العربية تعتمد كثيرا على الموهبة، وهذا غير كافٍ في كرة القدم الحالية التي تتطلب الحضور البدني والقدرة على المنافسة في الثنائيات، وهذا يتطلب عملا كبيرا ينطلق من الأصناف الشابة لأن الموهبة لوحدها غير قادرة على صنع الفارق خاصة في المستوى العالمي.
تحتفظ بذكريات متميزة مع الكرة العراقية؟
بكل تأكيد، فأنا كسبت حب الناس وذكرياتي الجميلة وكل شيء محتفظ به في كاميرا لا تفارقني، لقد أشرفت على تدريب المنتخب العراقي في كأس العالم للقارات وبصراحة لم تكن الاستعدادات في حجم الحدث وهذا ما منعنا من تحقيق نتائج مميزة.
بماذا نختم هذا الحوار؟
شكرا على هذه الاستضافة، أريد فقط التأكيد على أن اتحادات الكرة مطالبة بالاهتمام بالقاعدة لأن العناية بالشبان وتعلم أبجديات كرة القدم منذ الطفولة يعطي بكل تأكيد ثمرته في الأصناف العمرية المتقدمة، وهذا الأمر موجود في البلدان الأوروبية ومع الأسف يكاد يكون الغائب الأبرز في الكثير من البلدان العربية.
كرة القدم اليوم تغيرت وأصبحت تقريبا علما مدروسا والعمل المدروس فقط يضمن النجاح.