الأزهر والأمين: رحلة مغربية في البورتريهات والنصوص

الأزهر والأمين: رحلة مغربية في البورتريهات والنصوص

14 فبراير 2015
عمل لـ عبد الكريم الأزهر
+ الخط -

بعد تجربة أولى دامت أكثر من عشر سنوات، واستثمر فيها موضوعة علاقة الإنسان بالزمن، عبر ذلك الحضور اللافت لرسمة الساعات، التي يشكل الكائن الأعزل عقاربها الموجهة لوجوده وطموحه وانتظاراته؛ انتقل التشكيلي المغربي عبد الكريم الأزهر (1954)، منذ أزيد من عشرين سنة، إلى مساءلة الألغاز التي تنبعث من الوجوه، وجوه النساء تحديداً، وهي تقدّم نفسها مستسلمة وجامدة، كأنها وجوه عارضات تفتقر إلى ما يحيل إلى طبيعة تعبيرات ملامحها أو إلى أحاسيسها الخاصة.

إنها مجرد وجوه بقسمات صارمة ونظرات حادة سابحة في الفراغ، وهي إلى ذلك تبقى خاضعة لما يحاول الفنان أن يبثّه عبرها، عبر حضورها البارد المحايد، من مشاعر غامضة؛ إذ تبدو، إن ركّزنا عليها وحدها، أقرب إلى العلامات الميتة منهىا إلى الحضور الذي ينبعث من قسمات الإنسان الحي والفاعل.

لكن هذه اللعبة، التي اختارها الأزهر لتقديم حسناواته الجامدات، لا تقف عند هذا الحد، إذ يمدّها بخطاب ومعنى، عبر استثمار نصوص مجهولة في عمق اللوحة، في خلفيتها المتوارية.

نصوص هي في الأصل مجرد متلاشيات تحيل إلى العابر والهش والمهمَل، كونها عبارة عن كراسات دراسية قديمة أو قصاصات جرائد ومجلات، يعمل الفنان بحذاقة تركيبية على توظيفها كسند يدعم ظهور موديلاته الباردة، بما يفصح عن بعض دواخلها.

وبالتالي، يلجأ إلى تركيب يدعم تلك المراوحة بين مشهدَين: الأول يشكل الواجهة التي تحتلها وجوه نسائه المحايدات، والثاني يظهر في الخلفية ويحاول الكشف عن بعض أسرار هذا الصمت البارز الذي يبدو مهيمناً على أجواء اللوحة.

وضمن المسعى نفسه، غير البعيد عن هذا "اللعب" في توسّل المفردات التقنية وفي اختيار الموضوعات، يحاول مواطنه التشكيلي أحمد الأمين (1966) أن يبقى قريباً ومرتبطاً بكل ما يحيل إلى الإنسان في علاقته بمناطق غموضه؛ بتلك المشاعر الخاصة التي تصنع منه ما هو عليه. هكذا تحضر تلك الوجوه، المعروف منها والمبتكَر، في شكل بورتريهات دقيقة وواضحة الملامح تارةً، وهلامية أو ضبابية تارةً أخرى، يتّخذها الفنان ذريعة من أجل تصريف خطاب يقع ـ عكس ما يقوم به عبد الكريم الأزهر ـ في نفس مرتبة البورتريهات المقترحة، من حيث هيمنتها على مساحة اللوحة.

وفي هذا السياق، لا يكف الفنان عن الاعتراف بكونه يسعى في لوحته إلى التركيز على بعض الجزئيات التقنية التي تعطي لمقترحه الفني بعده الجمالي والمعرفي، سواء من خلال تعامله مع فضاء اللوحة بحس إشاري يبوح أكثر مما يفصح، أو من خلال توظيفه لمفردات لونية قليلة يبقى حضورها متخففاً من كل مجانية تزويقية تسعى إلى الإدهاش وإثارة عين المتلقي.

على أن ما يعطي لمقترح الأمين الفني قوته وجدته هو ذلك السعي الحثيث نحو خلق هرمونية وانسجام بين صور شخصيات لها حضور تاريخي معلوم، كما هو شأن صورة زعيم حرب الريف و"معركة أنوال" الشهيرة ضد المحتل الإسباني في مطلع القرن العشرين، المجاهد عبد الكريم الخطابي؛ وبين ذلك التوظيف للكتلة التخطيطية الموازية المرنة، التي يستنطق عبرها الفنان نصوصاً قديمة، لها دلالاتها وحمولتها التاريخية. ما يضعنا أمام أعمال فنية تستنطق الذاكرة، عبر وصل عناصرها المتفرقة والموزعة بعضها ببعض، والجمع بين المحكي أو الكلام والصور ـ البورتريهات.

في كلتا التجربتين: تجربة عبد الكريم الأزهر وتجربة أحمد الأمين، اللتين يحتضن بعض ثمارهما رواق "نظر" في مدينة الدار البيضاء حتى 19 شباط/ فبراير الجاري، تبقى موضوعة الإنسان في علاقته بالذاكرة والماضي المشتركين، بما يمثلانه من تاريخ وحضور فاعل في الحياة، هي الخيط الذي يربط بين مختلف الأعمال المعروضة، إلى جانب تكاملها وانسجامها في السعي نحو سبر أغوار ودواخل النفس البشرية.

المساهمون