الأزمة الكورية الشمالية: التصعيد يقود للحرب أم للانفراج؟

الأزمة الكورية الشمالية: التصعيد الأميركي يقود للحرب أم للانفراج؟

10 اغسطس 2017
تصعيد ترامب ضد كوريا الشمالية يثير انتقادات(نيكولاس كام/فرانس برس)
+ الخط -
التهديد الذي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الثلاثاء، ضد كوريا الشمالية، أثار الخشية إنْ لم يكن الذعر في واشنطن، خاصةً بعدما ردت بيونغ يانغ، مهددةً بقصف القاعدة العسكرية الأميركية في جزيرة غوام التي تبعد حوالى 2300 ميل عن كوريا. بدا للوهلة الأولى وكأن الأزمة وصلت إلى حافة الحرب. فالنبرة ومفرداتها كانت حادة ومن النوع الذي يستخدم عادةً عشية المواجهة العسكرية. وردت كوريا الشمالية أمس الأربعاء، بالتهديد بقصف محيط جزيرة غوام الأميركية، وهي جزيرة في المحيط الهادئ ومقر قواعد عسكرية أميركية كبرى. وأعلنت بيونغ يانغ أنها "تبحث الآن بشكل دقيق خطة العمليات لإقامة غلاف ناري في المناطق المحيطة بجزيرة غوام بواسطة صاروخ باليستي متوسط المدى هواسونغ 12"، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية. وأضافت أن هذه الخطة سيتم إنجازها وقد يتم تطبيقها "في أي لحظة، فور اتخاذ القائد الأعلى للقوة النووية لكوريا الشمالية، (رئيس البلاد) كيم جونغ أون، القرار بذلك".

هذا التهديد يأتي رداً على التحذير الشديد الذي وجهه ترامب إلى النظام الكوري الشمالي. وقال الرئيس الأميركي من نادي "الغولف" الذي يملكه في بدمنستر بولاية نيوجيرسي حيث يقضي عطلة "سيكون من الأفضل لكوريا الشمالية ألا توجه مزيداً من التهديدات إلى الولايات المتحدة". وأكد أن هذه التهديدات إذا ما تواصلت "ستواجه بالنار والغضب"، ملوحاً برد "لم يعرفه العالم سابقاً".

وتعكس هذه التصريحات المتبادلة تصعيداً غير مسبوق للنبرة من قبل الطرفين. وتعطي الانطباع بأن كليهما يتعامل مع الخيار العسكري وكأنه بات وشيكاً. لكن المسألة ليست بمثل هذه البساطة، على الأقل بالنسبة للأميركيين. فالرئيس ترامب سرعان ما واجه معارضة داخلية واسعة، وتحذيرات من عواقب الخيار العسكري، ومن كلفة التراجع عن التهديد إذا كان من المتعذر ترجمته على الأرض. وأبرز من لفت إلى ذلك السيناتور الجمهوري، جون ماكين، الذي اعتبر أنه يتوجب على الرئيس الأميركي "التأكد من قدرته على تنفيذ ما يقوله". وقال ماكين إن "القادة العظماء" لا يهددون أعداءهم إلا إذا كانوا جاهزين للتحرك، مضيفاً "لست واثقاً بأن الرئيس ترامب جاهز للتحرك".

وعبّر مسؤولون آخرون في الكونغرس، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، عن هاجس مماثل. وأعربوا عن استيائهم من المدى الذي بلغه ترامب في تهديده. ومن بين هؤلاء عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الديمقراطي، إليوت إنغل، الذي انتقد "الخط الأحمر السخيف" الذي رسمه ترامب، بحسب تعبيره. وقال "إن أمن أميركا لا يقوم على قوة جيشنا فحسب، بل كذلك على مصداقية القائد الأعلى لقواتنا المسلحة"، مندداً بأطباع الرئيس "النزقة"، على حد وصفه. ويعتقد المعترضون أن ما قاله ترامب وضع الإدارة الأميركية أمام خيارين: إما اللجوء إلى الحرب وأهوالها وكلفة التورط المفتوح فيها، وإما الانكفاء المحرج عنها إذا ما واصلت كوريا الشمالية تحديها، بالمزيد من التجارب الصاروخية. وكون الخيار العسكري يبدو مستبعداً، يبقى الاحتمال الثاني هو المرجح في قراءات المراقبين لتصريح ترامب.

لكن الرئيس الأميركي استند في تهديده، إلى معلومة استخباراتية تعمّد الكشف عنها، مع أنه ناقم على تسريب وكشف المعلومات الاستخباراتية السرية. وتفيد المعلومة بأن بيونغ يانغ نجحت في تصنيع رأس نووي لصاروخ عابر للقارات. وبذلك، صارت الأراضي الأميركية في مرمى النووي الكوري الشمالي وبما يسوّغ التصدي لهذا المشروع والتخلص منه. وكانت صحيفة "واشنطن بوست" نقلت عن مصادر استخباراتية أميركية تقديرها أن "بيونغ يانغ نجحت في امتلاك تقنية تحميل صواريخها الباليستية رؤوساً نووية صغيرة". وحسب تلك المصادر فإن أجهزة الاستخبارات الأميركية ترجح أن كوريا الشمالية اقتربت كثيراً من تجاوز الخط الأحمر الذي وضعته إدارة ترامب، وهو امتلاك صواريخ نووية قادرة على ضرب أهداف في الأراضي الأميركية.


ونقلت محطة "سي إن إن" عن مصادر عسكرية أن "البنتاغون يأخذ على محمل الجد التهديدات الكورية الأخيرة، بضرب جزيرة غوام في المحيط الهادئ". وقد استقبلت جزيرة غوام في الأيام القليلة الماضية تعزيزات عسكرية أميركية جديدة، بينها قاذفتان استراتيجيتان قادرتان على إطلاق صواريخ محملة برؤوس نووية. ونقلت المحطة صوراً مباشرة من قاعدة عسكرية للجيش الأميركي في هونولولو، حيث أعلنت حالة الاستنفار تحسباً لأي تحرك عسكري تقدم عليه كوريا الشمالية.

وكان المحللون وعناصر أجهزة الاستخبارات مقتنعين حتى الآن، أنه على الرغم من مضي عشر سنوات على أول اختبار نووي أجرته بيونغ يانغ في أكتوبر/تشرين الأول 2006، فإن كوريا الشمالية بحاجة إلى عدة سنوات قبل أن تمتلك تقنية تصغير الرؤوس النووية. لكن بحسب التقرير الذي يحمل تاريخ 28 تموز/يوليو، والذي أوردت مقتطفات منه صحيفة "واشنطن بوست"، فإن "أجهزة الاستخبارات تعتبر أن كوريا الشمالية صنعت أسلحة نووية يمكن تثبيتها على صواريخ باليستية، بما في ذلك صواريخ باليستية عابرة للقارات". وتوصلت وزارة الدفاع اليابانية إلى الاستنتاج ذاته، وفق الصحيفة الأميركية.

لكن المعلومة ترتسم فوقها علامة استفهام. ولا تتوافق بشأنها كافة الأجهزة الأمنية الأميركية ومنها "وكالة الاستخبارات المركزية" (سي آي إيه). ومصدر المعلومة يتمثل في استخبارات وزارة الدفاع لوحدها، ومن دون جزم بشأنها. بل إن وزير الدفاع، الجنرال جيمس ماتيس، شأنه شأن الجنرالين هربرت مكماستر وجون كيلي، لا علم لهم بهذا التطور، بحسب ما يؤكد الجنرال المتقاعد باري ماكفري.

وقد استحضرت هذه المفارقة الأخطاء التي وقعت فيها استخبارات وزارة الدفاع الأميركية عندما أعطت معلومات غير صحيحة حول البرنامج النووي الكوري الشمالي عام 2013. وكان يرأسها الجنرال مايك فلين، الذي جرى تسريحه من مهمته لاحقاً ليلتحق بعدها بحملة ترامب الانتخابية ثم بإدارته قبل أن يضطر للاستقالة منها مبكراً. وكانت هذه الوكالة قد أعطت في السابق معلومات غير صحيحة أيضاً عن البرنامج النووي العراقي.

وانطلاقاً من هذه التجارب السابقة، المبنية على تقديم معلومات غير دقيقة، قوبل تهديد ترامب الأخير بتحفظات، لا سيما أنه سبق للأجهزة الاستخباراتية الأميركية أن أعربت عن تقديرها بأن كوريا الشمالية تحتاج إلى سنتين للحصول على التكنولوجيا اللازمة لصناعة هذا الرأس النووي. وفي هذا الصدد، قال الأستاذ في مركز الأمن والتعاون الدولي، بجامعة "ستانفورد" في الولايات المتحدة، سيغفريد هيكر، إنه يشك في أن كوريا الشمالية قادرة على مهاجمة الأراضي الأميركية في جزيرة غوام بصواريخ متوسطة أو بعيدة المدى. وسبق أن زار هيكر المنشآت النووية في كوريا الشمالية عدة مرات. وأضاف أن الخطر الحقيقي يتمثل في الخطاب المتصاعد في كل من كوريا الشمالية والولايات المتحدة. وأشار إلى أنه على الرغم من أن الطرف الكوري اختبر صواريخ باليستية عابرة للقارات الشهر الماضي، إلا أن تطوير رأس نووي لمثل هذا الصاروخ "يعد تحدياً كبيراً ولا يزال خارج قدرات كوريا الشمالية"، وفق تعبيره. وأضاف أن التهديد الحقيقي "هو ارتكاب خطأ (يؤدي) إلى حرب نووية غير مقصودة في شبه الجزيرة الكورية بسبب سوء فهم أو سوء تقدير". وأوضح أن "الخطاب التحريضي من كلا الطرفين سيجعل ذلك أكثر احتمالاً"، بحسب قوله.


وثمة من يقول إن التهديد الذي أعلنه ترامب ليس من نتاج سياسة موحدة ومتماسكة داخل الإدارة الأميركية، بقدر ما بدا على أنه رد فعل على الاستفزاز الكوري صاغه "المستشار ستيف بانون على الأرجح "، من دون التشاور مع باقي فريق الأمن القومي. بيد أن مسؤولين في البيت الأبيض أكدوا أمس الأربعاء، أن تصريحات ترامب "ضد كوريا الشمالية، والتي حملت تهديداً غير مباشر بأن الولايات المتحدة قد تستخدم السلاح النووي في أي مواجهة عسكرية محتملة في شبه الجزيرة الكورية، جاءت بعد مشاورات مكثفة أجراها الرئيس، خلال الأيام الماضية، مع كبار العسكريين الأميركيين، الذين أطلعوه على خطط وسيناريوهات عسكرية للرد على تهديدات كوريا الشمالية".

ويشار إلى أن هناك تبايناً في مواقف أعضاء الإدارة الأميركية إزاء التحدي الكوري الشمالي. وسبق لمدير الـ "سي آي إيه"، مايك بومبايو، أنْ أعلن أنّ المطلوب هو تغيير النظام الكوري الشمالي. لكن وزير الخارجية ريكس تيلرسون، قال قبل أيام في مانيلا، إن واشنطن لا تنوي تغيير نظام بيونغ يانغ ولا تعتبر كوريا الشمالية كعدو.

وفي ضوء كل ذلك، يبقى سبب تصعيد الرئيس الأميركي غير واضح. هل لجأ إلى ذلك لتغيير الحديث ولو مؤقتاً، حول موضوع التحقيقات والمشاكل الداخلية التي تعاني منها إدارته؟ أم فعل ذلك لتجديد صورته كرئيس قوي؟ أو أن غايته توجيه رسالة إلى الصين تهدف إلى دفعها لوضع كل ثقلها من أجل حمل كوريا الشمالية على التفاوض؟ هذا الاحتمال الأخير المتعلق بالصين، ليس مستبعداً بحسب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفرد، جوزف ناي، الذي قال في حديث نقلته عنه صحيفة "نيويورك تايمز"، إن تهديد ترامب قد يكون رسالة إلى نظيره الصيني، شي جين بينغ، مفادها أنه يجب عليه القيام بما هو أكثر من العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة أخيراً، للضغط على كوريا الشمالية.

وفي نفس السياق، رأى الأمين العام السابق "لحلف شمال الأطلسي"، أندرس فوغ راسموسن، أن تصريحات ترامب "تهدف إلى إخافة بكين وبيونغ يانغ على السواء"، لكنه حذّر من أن "الخطوط الحمر الرئاسية التي تبقى حبراً على ورق تولد سوابق خطيرة".

على أية حال، يُجمع المتابعون والمعنيون على أن الخيار العسكري هو الأسوأ، وأن هناك بدائل أخرى، على تواضعها، يمكن اعتمادها، مثل زيادة العقوبات وحرب "السايبر" والاختراق الإلكتروني. لكن الحل الدبلوماسي يبقى الأفضل والأكثر تأييداً في واشنطن. وربما أمكن اعتماده على قاعدة التسليم بكوريا نووية على أن يجري التفاوض معها حول وقف مشروعها الصاروخي العابر للقارات والناقل للرؤوس النووية. خارج ذلك، لا يبقى غير "الحرب أو الرضوخ للأمر الواقع مع اعتماد سياسة الاحتواء كما جرى مع الاتحاد السوفياتي"، وفق قول، الباحث في "مركز وودرو ولسون"، روبرت ليتواك، وهو مستشار في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون. وثمة من يشير إلى أن أوراق واشنطن في هذه الأزمة قليلة، وأن تهديد ترامب جعلها تتقلص أكثر فأكثر. والمشكلة تكمن في أن علاقة الولايات المتحدة ليست على ما يرام مع البلدين القادرين على حلحلة الأزمة: روسيا والصين.