الأزمة الخليجية ... إعلامياً

الأزمة الخليجية ... إعلامياً

03 سبتمبر 2014

مؤتمر القمة لقادة دول مجلس التعاون في الكويت (ديسمبر/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -

لا شطط في القول إن شعوب دول الخليج العربي الست هي الأكثر ارتباطاً ببعضها، والأكثر اتصالاً وتواصلاً فيما بينها، في الفضاء العربي العام، ما يعود إلى غير أمرٍ وسبب، لعل أهمهما أن صلات القرابة والقربى وثيقةٌ بين أهل هذه المنطقة التي نهضت وارتقت، ومضت في مسار التنمية والبناء والتحديث في سياق زمني واحد تقريباً. ودلّت مظاهر القلق والتبرم الواسعين، لدى أهل دول الخليج جميعها، بشأن الأزمة السياسية الراهنة بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة ثانية، دلَّت مجدداً، على متانة الوجدان الموحد لديهم. كما كانت متابعة إخوتنا الخليجيين وسائل الإعلام، السبت الماضي، كبيرة جداً، لتسّقط أي أخبارٍ عن نتائج اجتماع وزراء خارجية دول التعاون في جدة، بعد أن أشيع أن حسماً إيجابياً للأزمة سيتم في أثنائه. وفي الوسع أن يقال، هنا، إنَّ ضيقاً ليس هيّناً تسرّب إليهم، بعد تشوشٍ سرى عقب الاجتماع، وإنْ بدا أن ظلالاً حسنةً طافت فيه.
مبعث التشوش أن وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، قال إن سفراء السعودية والبحرين والإمارات سيعودون إلى الدوحة قريباً، وأن الأزمة انتهت، غير أن رئيس الدورة الحالية للمجلس الوزاري، وزير خارجية الكويت، صباح خالد الصباح، آثر أن يكون حذراً، وكما الأمين العام لمجلس التعاون، عبد اللطيف الزياني، تحدّث عن "شوائب" تم بحثها، وقال إنَّ الحرص كان واضحاً، في الاجتماع، على مسيرة مجلس التعاون. وكشف التباينُ في المعالجات الإعلامية الخليجية، واختلاف زوايا النظر إلى المسألة عموماً، أن ثمة عقدة (وربما أكثر)، ما زالت طي صفحة تلك الشوائب، فلا تدفع باتجاه حوار صريح بين صنّاع القرار في دول التعاون، من أجل تجاوز هذه الأزمة التي لا تزيّد في الزعم إنها من بين محطات التأزم الأكثر حدةً في مسيرة المجلس، منذ قيامه قبل أزيد من ثلاثين عاماً.
وبعيداً عن التفاصيل، وتثميراً لعواطف الأخوة والشراكة المؤكدة بين أهل دول الخليج، ومعهم عموم العرب المقيمون بينهم ضيوفاً كراماً، فإن صراحةً واجبةً يحسن إشهارها بشأن المستجد الخليجي، بعد اجتماع جدة، وبعد جولة الوفد السعودي الرفيع في الدوحة والمنامة وأبوظبي، مفادها أنه لم يعد طيباً أن يتعامل المسؤول الخليجي مع الإعلام، باتجاه مواطنيه، بالكيفية المتحفظة، والموسمية أحياناً في أثناء بعض الزوابع السياسية، وباعتبار الإعلام أداة في التوظيف السياسي فحسب. ومع كل التقدير لحساباتٍ دبلوماسيةٍ وسياسية (وأمنية) قد تقتضيها ظروفٌ ومتغيراتٌ هنا وهناك، فإنه يبقى حقاً لأهل الخليج، ومعهم أشقاؤهم العرب، أن يتزوّدوا بالمعلومات الشافية، وبالحقائق المتيسرة، ولا سيما في أجواء ترقبٍ وقلق، كالتي تبدّت نهار السبت الماضي. فلا يُتركوا نهباً لثرثراتٍ تنشط كيفما اتفق، في وسائل الاتصال الاجتماعي، وفي صحفٍ وفضائياتٍ لا تكترث للحقائق، بقدر شغفها بالنمائم والقيل والقال.
ليس تعالماً على أحد، ولا تشاطراً مدرسياً، أن يقال، هنا وفي غير مطرح، إنه مؤسفٌ أنْ يُكتفى من الإعلام المحلي في هذا البلد الخليجي وذاك باستثماره في الحملات إياها، وفي تصعيد الردود والردود المضادة واستنفار معجم الشحن والاستعداء، ثم عندما تستجد أجواء طيّبة مغايرة، يتم تناسي وجود هذا الإعلام وصحفه، ويتم بخلٌ مريع في التواصل معه، بعدم مدّه بالجديد، وتركه يتوسل معرفة الأخبار، فيما يخص جمهوره المحلي، وفي شأن إقليمي يعنيه تماماً، من مصادر أجنبية في وكالات أنباء، يشرّق بعضها ويغرّب كيفما يعنُّ له. وواقعة اجتماع جدة، أخيراً، حالةٌ كاشفة على هذا التوصيف. وإذ من الوجاهة الاجتهاد بالقول إنَّ الحل الإيجابي للأزمة الخليجية لم ينضج بالقدر الكافي بعد، وإنَّ الذي جرى إعلامياً إنما يعود إلى هذا الاعتبار، فالتعقيب، هنا، إنه هذا "التخمين" ليس مقنعاً تماماً.

     

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.