تتكفل إعلانات البيتزا بفتح شهية المتابع وإسالة لعابه خاصة عندما تركز على الأطراف الرخوة والمحشوة بالجبن وهي تقضم بسهولة. إعلانات تثير الرغبة في الالتهام حتى عند غير عشاقها، فيما قد تتسبب الإعلانات محكمة الإنتاج بحالة هستيرية عند عشاق البيتزا تجعلهم يغامرون باقتحام شاشة التلفاز لإشباع رغبتهم. لا تختلف غالبية الدول العربية ومن بينها الأردن كثيراً عن البيتزا فجميع أطراف تلك الدولة رخوة وأثبتت التجارب أنها قابلة للالتهام السريع، وقد يكون الفارق الرئيسي بين الدول والبيتزا أن أطراف الأخيرة أكثر لذة من قلبها عكس أطراف الدول ذات الطعم غير المستساغ نتيجة للفقر والإقصاء والتهميش وغياب التنمية وفقدان الأمل، فيما العواصم والمدن القريبة منها براقة مرفهة ولذيذة.
في الأردن كلما ابتعدت عن العاصمة عمّان الفاتنة بعمارتها ونظافتها، وقصدت الأطراف تتلمس الرخاوة التي تتجلى بداية بالطرق المتهالكة مروراً بالبنية التحتية المتردية دون إغفال الفقر الفاضح، والإنسان الغاضب الذي يشعر أن وطنيته باتت محل تشكيك من قبل راسمي السياسات ومقدمي الخدمات وأن حقوقه في بلده منتقصة ولا سبيل لتحصيلها سوى بالتمرد أو التطرف. واقع يصنع منهم بيئة نموذجية وهدفاً للاستقطاب من قبل أصحاب مشاريع قضم الأطراف المتمثلين بالتنظيمات الإرهابية، ومثيري الفتن المتهمين بالسعي لهزّ استقرار المملكة. التجول في المدن الأردنية الحدودية، معان على الحدود السعودية، والرمثا والمفرق على الحدود السورية، والرويشد على الحدود العراقية، يكفي لتشخيص الواقع.
هي مدن تركتها الحكومة الأردنية طويلاً دون تنمية تواجه مصيرها الذي صاغته استجابة لعوامل الجغرافيا وتبعاتها الاقتصادية، هناك تختفي ملامح الدولة الأم وتتجلى ملامح الدول المتاخمة، البضائع المهربة عصب الاقتصاد الذي انهار مع انهيار دول الجوار أو فرضت قوانين تحدّ من نشاط المهربين. التطرف يطرق أبواب الفقراء والعاطلون عن العمل لقمة سائغة للعصابات وتجار الممنوعات.
أمام ذلك يكتفي عقل المملكة بتقديم الوعود لتصليب الأطراف الرخوة، والتي يدرك أنها عرضة للقضم من قبل المندفعين لبعثرة الاستقرار، دون أن يدرك أن الوقت مهم، وأن قلب البيتزا لن يصمد طويلاً بعد أن تُقضَم أطرافها.