الأردن بين استطلاعيْ رأي

الأردن بين استطلاعيْ رأي

07 مايو 2015

تظاهرة في معان مطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي (19أكتوبر/2011/أ.ف.ب)

+ الخط -

يقال إن شدة القرب حجاب. لذا، أمارس بين حين وآخر عملية "خروج" من الذات، لمراقبة ما يجري في بلادي الأردن، عن بعد، مستعيناً في ذلك بعيون "أخرى" ترقبنا جيداً، و"تحرث" بلادنا بالاستطلاعات والمسح، ونحن لا نكاد نعلم عنهم شيئاً، فالأردن، بالنسبة لهم، منطقة شديدة الأهمية والحساسية، لقربه اللصيق بمحبوبتهم الكبرى، ومشروعهم الاستعماري: إسرائيل. لذلك، هم لا يغيبون عنا، مرئيين أو غير مرئيين، يمرون عبر بلادنا، و"يدرسوننا" جيدا، ويضعون نتائج دراساتهم وأبحاثهم على طاولة صناع القرار الدولي!

"نزهة" سريعة في مخرجات "معهد واشنطن للدراسات" تعطيك صورة أكثر قربا عنا، في الأردن، لا نكاد نعرف عنها شيئا. يكتب ديفيد بولوك في صفحة المعهد، عن استطلاع حديث عن توجهات الأردنيين، أن دراسة حديثة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أظهرت أن حوالى 40 % من الأردنيين لا يعتبرون أن تنظيم الدولة الإسلامية "منظمة إرهابية"، في حين بيّن استطلاع للرأي منفصل أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في سبتمبر/أيلول الماضي، عبر شركة محلية للأبحاث التسويقية، أنّ وجهة النظر هذه مضخّمة. ففي الواقع، ووفقاً لهذا الاستطلاع الجديد، يحتفظ 8 % فقط من الجمهور الأردني بوجهة نظر إيجابية تجاه "داعش". وتصيب المقارنة بين الرقمين المرء بالدوار، وتضع علامات استفهام كبرى على كل مخرجات مركز الدراسات الأردني واستطلاعاته، وهو مركز دأب، بين حين وآخر، على إعطاء "علامات النجاح" للحكومة، و"تحسين" صورتها. ويكشف أحدث استطلاع أعلنه المركز، قبل أيام، عن "قصة نجاح" للحكومة، لا يرى المواطن العادي أي أثر لها على أرض الواقع. يُظهر الاستطلاع، مثلاً، أن 66 % من الأردنيين يعتقدون أن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح في الأردن، فيما لا يرى إلا 32 % من
الأردنيين أن الأمور تسير بالاتجاه الخاطئ، عازين ذلك إلى ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة والوضع الاقتصادي السيىء بصفة عامة (60 %)، بينما عزا 13% منهم ذلك إلى وجود الفساد والواسطة والمحسوبية. أما عن تقييم أداء الحكومة، فيعتقد 60 % من أفراد العينة الوطنية أن الحكومة كانت قادرة على تحمل مسؤوليات المرحلة، مقارنة بـ 54 % في استطلاع شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2014، ويعتقد 61 % من أفراد عينة قادة الرأي أن الحكومة كانت قادرة على تحمل مسؤوليات المرحلة مقارنة بـ 60 % في استطلاع ديسمبر/ كانون أول من عام 2014. وأظهرت النتائج أن 61 % من أفراد العينة الوطنية يعتقدون أن رئيس الوزراء كان قادراً على تحمل مسؤوليات المرحلة، مقارنة بـ 56 % في استطلاع ديسمبر/كانون الأول من عام 2014، فيما يعتقد 67 % من أفراد عينة قادة الرأي أن رئيس الوزراء كان قادرا على تحمل مسؤوليات المرحلة.

وإذا ما نظرنا إلى هذه النتائج، وفق نتائج "داعش"، فلنا أن نتخيل حجم الفرق في "التقويم" بين مركز دراسات خارج الحدود، وآخر داخلها، تخضع نتائجه للمراجعة قبل إعلانها. وهنا، يبرز سؤال على جانب كبير من الأهمية: لم تُظهر نتائج استطلاع المركز المحلي "داعش" بهذه القوة والقبول بين أبناء الشعب الأردني؟ هل هو نوع من التبرير لأية سياسات حكومية قمعية مثلاً، مستندة إلى التخويف من هذا الخطر الذي "يأكل" عقول الأردنيين؟ ربما. ولكن، في جميع الأحوال، تضع هذه المقارنة كل نتائج استطلاعات مركزنا في دائرة "الفحص" إن لم يكن الشك.

وعودة إلى نتائج استطلاع "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" حيث يظهر أن حزب الله، يتمتع بدعم في صفوف الأردنيين بنسبة أكبر بقليل تصل إلى 15% من مجموع السكان الأردنيين البالغين، وتبرز حركة حماس في القطب المعاكس، حيث تعبّر الغالبية العظمى من الأردنيين (72%) عن موقف إيجابي تجاه الحركة، بما في ذلك ثلث هذه النسبة التي تنظر إليها بنظرة "إيجابية جداً." أما السلطة الفلسطينية فحصلت على نسبة تأييد أقل بكثير، حيث عبّر 49% عن "نظرة إيجابية"، و9% من هذه النسبة فقط عبرت عن "نظرة إيجابية جداً". وماذا بشأن الإخوان المسلمين، ومدى شعبيتهم، خصوصاً وأن الحكومة، الآن، بصدد إعادة "إنتاج" الجماعة، وفق معايير ومواصفات جديدة بالكامل؟ يقول الكاتب أن جماعة الإخوان المسلمين تكمن بين قطبي الرأي العام الأردني حول داعش وحماس. وتحصل الجماعة على تصنيف إيجابي بشكل عام من ربع الأردنيين (أكثر من مليونَيْ أردني)، وبدعم أكثر قليلاً في المدن المركزية في ضواحي عمّان. وهذه النسبة هي، في الواقع، أقل قليلاً من نسب دعم "الإخوان المسلمين" في الدول الخمس الأخرى، التي شملها الاستطلاع، بما في ذلك في مصر والسعودية ودولة الإمارات، حيث أن جماعة الإخوان المسلمين ليست محظورة فحسب، بل مصنفة علناً منظمة "إرهابية"، والنتيجة؟ هذا يعني، باختصار شديد، أن الجماعة الإسلامية الكبرى في الوطن العربي لم تتأثر شعبيتها كثيراً في الأردن، والدول التي جرى فيها الاستطلاع، على عكس ما تروج الأنظمة، ووسائل إعلامها، يخلص الكاتب إلى أن المملكة، بشكل عام، تواجه ضغوطاً شعبية متباينة، يمكن التحكم بها. وبالتالي، النتيجة المرجّحة عدم قيام انتفاضة جماهيرية شعبية، أو إصلاحات كبيرة في إطار تنازلي (البدء بالمفاهيم العليا ثم النزول إلى التفاصيل)، أو انتكاسات ضخمة في السياسات. وعوضاً عن ذلك، ربما تستعد المملكة الأردنية لمواصلة العمل على تدبير الأمور، بقدر ما قامت به سابقاً، على الرغم من جميع الاضطرابات التي تعصف المنطقة المحيطة بها!