الأردن.. إضراب المعلمين وصراع الإرادات

الأردن.. إضراب المعلمين وصراع الإرادات

21 سبتمبر 2019
+ الخط -
انتهت الجولة الثانية من حوار الحكومة الأردنية، برئاسة عمر الرزاز، مع مجلس نقابة المعلمين، الخميس الماضي، بتقديم الحكومة عرضاً للنقابة لم تُصرح به. وبينت مصادر خاصة من النقابة أنّه يقضي بتعديل وزارة التربية والتعليم، بمساعدة النقابة، المسار المهني للمعلمين، وتطوير بعض الخدمات الخاصة بالوضع المعيشي لهم، من خلال لجنة مشتركة، والمتوقع أن يتم رد النقابة على مقترح الحكومة قبيل يوم غدٍ، الأحد، كي تبدأ الأسبوع المقبل العودة إلى التدريس. ولكن النقابة ترى أن ما قُدم في جولتي الحوار مراوغة حكومية، من دون اعتراف بحق المعلمين بعلاوة الخمسين بالمائة، والتي تطالب بها النقابة، وهي أساس الإضراب الراهن الذي يأتي في ظل تعقيدات عديدة تحفّ بالمشهد الداخلي الأردني. 
وقد شدّدت النقابة، في حواراتها، على أنه لا حياد عن المسار المهني للمعلمين، وعلاوة الخمسين بالمائة التي تطالب بها باعتبارها جزءا من اتفاق سابق عام 2014 مع حكومة عبد الله النسور، فيما أكدت حكومة الرزاز على ربط العلاوة بالأداء، من دون أي وعد بالزيادة، وهو أمر يرفضه المعلمون. وفي الأثناء، بدا أن طرفي الأزمة الراهنة في أسبوعها الأول كانا: المعلمون والحكومة، والآن بات المجتمع طرفا ثالثا، حيث يرفض بقاء المدارس مفتوحة بلا طلاب، وقد عبّر الأهالي عن رفضهم بقاء أبنائهم في الشارع، مع القناعة بأن معيشة المعلم باتت صعبة.
في هذا الوقت، ظلّ وزير التربية والتعليم والتعليم العالي، وليد المعاني، الذي فاوض النقابة، يؤكد
 على أن منح العلاوات يجب أن يكون مدروسا وحسب الرتب، وهو مقترح فاوض عليه النقابة، ثم ألغي، بعد حديث الرزاز، عبر شاشة التلفزيون الأردني، أن من شأن الاتفاق السابق بين النقابة والحكومة أن يرتقي بحوافز المعلمين، وصولاً إلى 250% من الراتب الأساسي، وليس إلى 50% كما هو مطروح، مع ربط هذه الحوافز بمؤشرات قياس لأداء المعلم، والأهم انعكاسها على أداء الطالب وتطوير العملية التعليمية ومخرجاتها، مؤكّداً "خرجنا بتوافقات تعطي المعلم الحافز الحقيقي، وهذا مهم جدا ولن نتراجع عنه"، وكل هذا بات من سالف الوعود حسب النقابة. وأضاف الرزاز "كنا ننتظر من مجلس النقابة الحالي أن نبدأ الحوار من حيث انتهينا مع المجلس السابق، لا أن نضع كل شيء جانبا والبدء من جديد"، مؤكدا أن الحكومة لا تؤمن بهذا الأسلوب، وأن التصعيد والمغالبة لن يؤدّيا إلى نتيجة. وبذلك انتهى الرزاز إلى أن نقابة المعلمين الأوسع تأثيراً على المجتمع في الأردن نهجت المغالبة، فيما تسجل النقابة عتبها على الحكومة، بتجاهل مطالبها بالجلوس معها، وهي نتيجة مقابلة لطرح الحكومة أن النقابة لا ترغب بالحوار. وهذا ما قاد إلى انسداد في المشهد العام، وسمح لنواب ومؤسسات مجتمع مدني بترتيب لقاءات مع نائب نقيب المعلمين، ناصر النواصرة، لطرح حلول، لكن ذلك كله لم يُحدث انفراجا في الأزمة التي باتت الطبقة المترفة والنخب تستثمر بها، باعتبارها موجبةً لتغيير حكومي.
وفي المقابل، يرتفع الغضب الشعبي على إصرار النقابة على الإضراب، جرّاء ترك الطلاب بدون تدريس. وعلى الرغم من محاولاتٍ لإقناع المعلمين بالعودة إلى التدريس، والاحتفاظ بمظاهرهم الاحتجاجية، إلا أن قيادة نقابتهم تصرّ على موقفها، خوفا من جمهورها العريض، ولكي لا تضيع فرصتها الراهنة التي تحاول تحقيق أي تقدم من خلالها لصالح المعلمين وظروفهم المعيشية، فيما تمتنع الحكومة عن أي تنازل، بحجة أن مالية البلاد لا تسمح بأي زيادة. 
ومع إقرار رئيس الوزراء بأن الحكومة تدرك أن الوضع المعيشي هاجس لدى المعلم، وأن المعلم غير المرتاح بسبب وضعه المادي لا يستطيع أن يؤدّي عمله على أكمل وجه، "وهذا نتفق عليه 
جميعا"، بحسب الرزاز، إلا أن الارتقاء به يجب أن يكون ضمن مؤشرات أداء تكافئ المعلم المبدع والمنتمي. وتطرح النقابة طرحا مغايراً رافضا ربط العلاوة بقياس مؤشرات الأداء في بيئةٍ مدرسيةٍ منهكة وغير ملائمة، وفي ظل اكتظاظ الصفوف، وعدم قدرة الحكومات على تحسين الوضع الاقتصادي العام. وفي ثنايا الصراع مع إرادة حكومية لا تريد الخضوع للمطالب، كي لا تستيقظ بقية القطاعات الخدمية على مطالب مماثلة، وهو ما لوّحت به نقابة الأطباء من الدعوة إلى إضراب، تأبى إرادة المعلمين الانكسار، والعودة من دون اعتذار على سوء معاملة بعض من تم اعتقالهم جراء إضراب الخامس من سبتمبر/ أيلول متبوعا بموضوع العلاوة.
لا يمكن أن يستمر التصعيد المتبادل بين الحكومة والنقابة، وبدا واضحا ذلك من دعوة الحكومة النقابة إلى الحوار في وزارة التربية والتعليم، وتضاعف حجم التدخلات لحل الأزمة، ومنها مبادرة شيوخ عشائر أردنية دعت إلى تشكيل لجنة للحوار بين الطرفين. وتصرّ الحكومة على أن لا اعتراف بحق المعلمين بالعلاوة المطالب بها، وعدم الاعتذار للمعلمين، مع ربط أي علاوة بتقييم الأداء. وعلى ذلك، يمكن القول إن الحكومة أدارت الأزمة ببرود. وفيما بقيت تفاعلات الأزمة مفتوحة بين الطرفين، فإن الخاسر الأكبر جميع الأطراف، في ظل مخاوف من عودة الاحتجاجات الشعبية والاستثمار بحراك المعلمين لغايات سياسية لدى أطراف مختلفة، بيد أن الثابت تاريخياً أن حراك المعلمين في الأردن منضبط وسلمي.
F1CF6AAE-3B90-4202-AE66-F0BE80B60867
مهند مبيضين
استاذ التاريخ العربي الحديث في الجامعة الأردنية، ويكتب في الصحافة الاردنية والعربية، له مؤلفات وبحوث عديدة في الخطاب التاريخي والتاريخ الثقافي.