الأدب العربي في إيران: جوار يستدعي ترجمةً

الأدب العربي في إيران: جوار يستدعي ترجمةً

02 نوفمبر 2016
("سفر على الأقدام"، عمل لـ إمّا فان لِست)
+ الخط -

لم تلتفت الثقافة الإيرانية إلى ترجمة الأدب العربي قبل الستينيات إلّا لماماً، إذ كانت محصورةً في نقل الكتب الدينية والتراثية ضمن الحوزات العلمية. في تلك المرحلة، برز اهتمام بأعمال شعراء مثل نزار قبّاني وأدونيس ومحمود درويش، إلى جانب أعمل جرجي زيدان وجبران خليل جبران وطه حسين.

ورغم تزايد الأدب العربي المترجَم في الفارسية، إلّا أنه يتركّز بشكل أساسي لدى الدارسين في كلّيات اللغة العربية - على اختلاف تخصّصاتها وفروعها - في الجامعات الإيرانية، إضافة إلى المتخصّصين في الأدب الفارسي، حيث يرى بعض النقّاد والباحثين بأن من يتخصّص في الأدب الفارسي القديم عليه أن يكون مطلعاً بشكل كافٍ على الأدب العربي.

بالنسبة إلى القرّاء من الشرائح الأخرى في إيران، لا يمكن القول إنه يُوجد بينهم من يُفضّل الأدب العربي المعاصر المترجَم على غيره، فهؤلاء يقرأون الآداب المترجَمة بشكل عام. وبالطبع، فإن للعربي حصّة منه.

طوال ستّة عقود وأكثر، نُقلت مؤلّفات عديدة لكتّاب وشعراء عرب إلى الفارسية. ومن أبرز الترجمات التي طُبعت عدّة مرّات، وما زالت تُطبع حتى الآن، مؤلّفات نزار قباني وجبران خليل جبران، كما تحضر أسماء من الشعر العربي المعاصر كأحمد شوقي وحافظ إبراهيم، ومن الشعر الفلسطيني كمحمود درويش ومُعين بسيسو وعز الدين المناصرة وسميح القاسم.

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يرى الأكاديمي محمد علي آذرشب، وهو من أبرز المتخصّصين في ترجمة الأدب العربي، وممن قدّموا ترجمات عديدة للأدب العربي القديم، وخصوصاً من الحقبتين الأموية والعباسية، أن هناك اهتماماً خاصاً في إيران بالأدب الفلسطيني المعاصر، وكذلك العراقي؛ خصوصاً أعمال مظفّر النواب والجواهري وغيرهما.

يعتبر آذرشب، استناداً إلى مشاهداته العينية، أن ترجمة الأعمال العربية إلى الفارسية تحتلّ مراتب متقدّمة من حيث الانتشار والإقبال رغم قلّة تنوّعها، ويعزو الأمر إلى الجذور المشتركة بين الأدبين العربي والفارسي، والتقاطعات في لغتيهما.

يضيف أنه يوجد اهتمام أكاديمي خاص بالترجمة من العربية في إيران؛ حيث تحضر في كلّيات اللغة العربية في مختلف الجامعات، كقسم خاص ومنفصل، وينحصر في الشهادات العليا. وكونه يعمل أستاذاً في "جامعة طهران"، فإنه يؤكّد أنّ غالبية الطلّاب يختارون أعمالاً من الأدب العربي، لترجمتها وتقديمها كرسائل أكاديمية.

ورغم قوله إن المجتمع الإيراني القارئ مهتمّ بالروايات وبالشعر المترجَم بشكل عام، والعربي منها خصوصاً، إلا أنه يعتبر أن من الضروري تفعيل حركة الترجمة أكثر.

يتّفق مع وجهة النظر هذه الباحث والمترجم الإيراني ورئيس تحرير مجلّة "شيراز" الثقافية، موسى بيدج، الذي كان أحد من قدموا للثقافة العربية إطلالة على الأدب الفارسي الحديث، كما ترجم، في المقابل، أعمالاً كثيرة من الأدب العربي المعاصر إلى الفارسية.

يرى بيدج أن حركة الترجمة من العربية ما زالت مستمرّة، حيث حرص الإيرانيون منذ القِدم على ترجمة الأدب العربي خصوصاً، وبإلقاء نظرة قريبة على الأدب الفارسي القديم، يُلاحَظ اكتظاظه بالأمثلة والحكايات والاقتباسات المنقولة أساساً عن نظيره العربي.

يضيف بيدج أن العربية لم تكن بمثابة لغة أجنبية لأدباء فارس، وكان لا بدّ من تعلّمها ليتمكّنوا من تقديم نتاج أدبي يحظى بمكانةٍ في ذاك الزمن، مضيفاً أن الترجمة بمعناها الحقيقي من العربية إلى الفارسية بدأت حديثاً، فشملت أعمالاً تنتمي إلى الأدب القديم والحديث على حد سواء، وتطوّرت مع الدخول في القرن العشرين.

بلغة الأرقام، يقول بيدج إن أكثر من 300 عنوان من الأدب العربي المعاصر ترجمت بالفعل إلى الفارسية، لافتاً إلى أن هذا العدد قليل، إذا ما قُورن بالكم الهائل من نتاج العرب الأدبي في المرحلة ذاتها، إضافةً إلى أن الكتّاب والمؤلّفين العرب يتوزّعون على الوطن العربي وخارجه.

وهذا الكمّ، بحسب بيدج، لا يكفي للتعرّف على الأدب العربي المعاصر بشكل جيّد، كون العربية إحدى أغنى اللغات في نتاجها الأدبي، مضيفاً أن هناك كماً كبيراً من الكتب التي تستحق الترجمة، لكنها ما زالت تنتظر من يقوم بهذه المهمّة.

يُعدّ بيدج من أبرز مترجمي الأدب العربي المعاصر، ولا سيما أعمال الشعراء العرب، منها ما تكرّرت طباعته. يُبيّن أنه يختار ترجماته بنفسه، أو بناءً على اقتراحات من قبل دور النشر.

ويصف الحالة الأولى بأنها بمثابة تواطؤ مع قلبه؛ حيث يختار القصيدة أو الأثر الأدبي لترجمته في حال أحبّها، وفي حال كانت تتميّز بمعايير جودة مناسبة.

أصدر بيدج عن دار نشر "ثالث" مختارات شعرية لنزار قباني، والتي أُعيدت طباعتها ست مرّات إلى الآن، كما صدرت له عن دار "أفق" ثلاثة كتب مترجمة من أعمال جبران خليل جبران، طُبعت كلّ منها خمس مرات.

في إيران، لا توجد دور متخصّصة في نشر الأدب العربي المترجم للفارسية، وقد توزّعت الكتب العربية المنشورة من الأدب الحديث والقديم بين "دار نشر جشمه"، و"ثالث"، و"مركز"، و"أفق" إضافة إلى "دار نغاه".

هناك العديد من المتخصّصين ممن قدّموا أعمالاً من العربية إلى المكتبات الإيرانية، ما يقارب عشرة منهم بات لهم حضور في المشد الثقافي، ما دفعهم إلى تكريس اشتغالهم على ترجمة الأدب العربي.

من هؤلاء: شفيعي كدكني، وعبد الحسين فرزاد، وموسى أسوار، ومحمد جواهر كلام، فضلاً عن المرحومين كاظم برغنيسي وحسن حسيني، إضافة إلى عدد من المترجمين الشباب ممن يعملون على ترجمة عناوين من الأدب العربي المعاصر تتباين جودتها.

ومن الجيل الجديد من المترجمين، يمكن الإشارة إلى حمزة كوتي الذي نشر مجموعات شعرية مترجمة لكل من أدونيس ونوري الجراح ومحمود درويش، كما قدم عشرات الأصوات الشعرية الإيرانية الحديثة في موقع وجريدة "العربي الجديد".

المساهمون