الأدب العربي إلى الفرنسية: نصوص تنتظر

الأدب العربي إلى الفرنسية: نصوص تنتظر

11 نوفمبر 2016
هنري ميشو / بلجيكا - فرنسا
+ الخط -

منذ أن أقدم أنطوان غالان، في نهاية القرن الثامن عشر، على ترجمة "ألف ليلة وليلة"، خصوصًا منذ أن ترجمها ماردروس Mardrus بنفسه (1898-1904) لم يتوقف الأدب العربي عن تأكيد حضوره في سوق النشر الفرنسية، بل وفي الخيال الفرنسي.

كان هذا الحضور برّاقًا وغريبًا في الوقت ذاته؛ لأن هذا الأدب إن أصبح يتبوأ مكانة مهمة في المشهد الثقافي الفرنسي، إلا أنه لم يُعرَف (ولم يُعتَرَف به) إلا في جانبه الأقل بروزًا، ونعني بذلك الحكاية الشعبية، النابعة من إرث شفهي، والتي عملت عليها أجيال عديدة من الحكائين الشعبيين المجهولين.

أما الجانب الآخر لهذا الأدب، فهو الأعمال الفردية والمكتوبة، وقد ظل حبيس الدراسات الاستشراقية، وتم اختزاله في ترجمة بعض المعلّقات البارزة وبعض الأعمال اللاحقة. ولا تتوفر أي من هذه الأعمال حاليًا في المكتبات. بيد أنه منذ 1930 بدأ الأدب الحديث يطل برأسه باستحياء على ساحة النشر الفرنسية من خلال بعض الروايات.

وكان يجب الانتظار حتى عام 1960 كي يتعرّف الجمهور الفرنسي على هذا الأدب. يعود الفضل في ذلك بالمقام الأول إلى دار سندباد Sindbad التي أسسها بيير برنارد Pierre Bernard في 1972 ثم تحولت بعد ذلك إلى دار آكت سود Actes Sud في 1995، وهي تواصل حتى اليوم هيمنتها في هذا المجال. ولقد فتح فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب 1988 المجال أمام الأدب العربي للانطلاق، فقد شجع العديد من الناشرين على الاهتمام بالأدب العربي.

هناك بضع ملاحظات حول اختيار العناوين المترجمة؛ ففي المجال الكلاسيكي، نُثني على جهود جاك برك وآندري ميكل حيث عملا على توفير ترجمات جديدة للمعلقات فضلاً عن المختارات الشعرية المهمة، لا سيما الغزل العفيف وأشعار مجنون ليلى. ثم هناك آخرون عملوا على التعريف بأدب أبو العلاء المعرّي وأبو نواس والمتنبي.

رغم كل هذه الجهود، إلا أن هناك الكثير من الشعر العربي لم يُكتَشَف بعد، والأمر سيّان بالنسبة للنثر العربي؛ فباستثناء "كليلة ودمنة" لابن المقفع، وأعمال الجاحظ، ومقامات الهمذاني، التي باتت معروفة جزئيًا، إلا أن هناك قممًا لا تزال مجهولة كالتوحيدي مثلًا. كما يجب أيضاً ذكر الجهود للتعريف بالأدب الإيروتيكي، وبالقرآن الذي تُرجم عدة مرات في العقود الأخيرة.

يحتل كتّاب مثل نجيب محفوظ وصنع الله إبراهيم وجمال الغيطاني وإدوار الخراط وإميل حبيبي وغسان كنفاني وإلياس خوري وحنان الشيخ ورشيد الضعيف الصفوف الأولى في الأدب الحديث والمعاصر المترجم. وهناك آخرون قد تم تهميشهم لأنهم يفضّلون أشكالًا كتابية أخرى تنأى عن رسم المجتمع أو أسباب أخرى، كإبراهيم الكوني الذي يجد له شريحة قرّاء واسعة في ألمانيا؛ يجب أن يتم الالتفات لأعمال هؤلاء الكتّاب وترجمتها.

أما الشعر، فيتمتع بمكانة أقل عند الفرنسيين، فأعمال أدونيس ومحمود درويش حرمت آخرين من شهرة يستحقونها، منهم مثلًا سركون بولص وسعدي يوسف وأنسي الحاج. ولكن هناك لحسن الحظ بعض المختارات المترجمة لهم لسد هذا النقص.

وفي ما يخص المسرح، فهو مُهمَل بعض الشي، وذلك يعزى للإنتاج المسرحي المنخفض نسبيًا؛ فالنشاط المسرحي -لغائب عن العالم العربي- إنما يتطلب نظامًا ديمقراطيًا متسامحًا. وبالتالي، ليس هناك سوى أعمال متفرقة متاحة في المكتبات كأعمال سعد الله ونوس.

من الواضح أن الدراسات النقدية لا تزال قليلة، فبالكاد نجد ثلاثين عنوانًا لكل الأدب العربي، الكلاسيكي منه والشعبي، وهي كلها دراسات سريعة لم تتوغل كثيرًا في لب العمل، باستثناء الدراسات حول "ألف ليلة وليلة".

ألم يحن وقت كتابة تاريخ للأدب العربي المعاصر والكلاسيكي؟ هذا التأخير ربما تفسّره -جزئياً- الأولوية التي توليها مختلف الهيئات للدراسات الاجتماعية السياسية، فضلًا عن تناقص دعم مراكز البحث الجامعية. لقد بدأ الأدب العربي يحتل من جديد مكانته في سوق النشر الفرنسية بفضل جهود المركز القومي للكتاب، والذي نشيد بجهوده في مجال الترجمة. ولكن نأمل أن يجد الأدب العربي في نهاية المطاف جمهوره ومريديه.


(المقال الأصلي لـ بطرس حلاق Boutros Hallaq)

المساهمون