الأثرياء قلقون من سيناريو صعود حزب العمال للحكم ببريطانيا

أثرياء بريطانيا قلقون من سيناريو صعود حزب العمال للحكم

06 سبتمبر 2019
جونسون أمام الإشارة الحمراء ومستقبله في خطر (Getty)
+ الخط -

استبعد البرلمان البريطاني، الأربعاء، خروج المملكة المتحدة من عضوية الاتحاد الأوروبي دون ترتيبات تجارية، وفقاً لخطط رئيس الوزراء بوريس جونسون، لكن في المقابل لم يستبعد محللون صعود حزب العمال برئاسة جيرمي كوربين اليساري النزعة للحكم، وهو سيناريو يقلق الأثرياء وحي المال في بريطانيا أكثر من خروج بريطانيا دون ترتيبات من عضوية الاتحاد الأوروبي. 

ومن المؤشرات التي تنذر باحتمال سقوط جونسون من رئاسة الوزراء، استقالة أخيه الأصغر جو جونسون من منصب وزير الدولة لشؤون الجامعات ومن البرلمان البريطاني، بسبب عدم توافقه مع سياسات أخيه بوريس. 

وكان حي المال الذي يعد من أهم المراكز العالمية ومصادر الدخل للخزينة البريطانية قد أعرب عن قلقه من خطوة الخروج بدون ترتيبات لأنها ستحرم المصارف والشركات المالية من المتاجرة في أدوات المال الأوروبية، لكن السيناريو الجديد الذي يضع احتمال خروج جونسون من الحكم وصعود كوربين يبدو مقلقاً أكثر.

ورغم المكاسب الوقتية التي حصلت عليها أسواق المال من تصويت البرلمان، باستبعاد خروج بريطانيا دون ترتيبات تجارية، لكن الأمر فتح الباب على مصراعيه أمام سيناريوهات جديدة لبريكست، من بينها احتمال صعود حزب العمال للحكم.

ووفقاً لخبراء في إدارة الثروات، فإن مخاوف الأثرياء وحي المال البريطاني بعد تصويت الأربعاء لم تعد محصورة في خروج بريطانيا بدون ترتيبات تجارية وإنما تمتد إلى السيناريو الأخطر عليهم وهو سقوط جونسون وصعود زعيم حزب العمال للحكم.

وينظر الأثرياء وكبار رجال الأعمال في حي المال إلى كوربين على أساس أنه يساري متشدد. ومن هذا المنطلق، فإن أصحاب المال في بريطانيا قلقون على ثرواتهم من صعوده أكثر من مغادرة البلاد عضوية الاتحاد الأوروبي دون ترتيبات.

ويرى هؤلاء الخبراء أن سيناريو صعود كوربين للحكم يقلق الأثرياء فعلاً. ولا يستبعدون في حال حدوث سيناريو مثل هذا، أن يغادر الأثرياء بريطانيا بأعداد كبيرة إلى جزر الأوفشور وموناكو وسويسرا وسنغافورة، بسبب البرنامج الاقتصادي الذي وضعه حزب العمال لإعادة توزيع الثروة في بريطانيا.

ولم يخف كوربين في تصريحاته ذلك، واقترح في برنامجه الاقتصادي زيادة الضرائب على الأثرياء واسترجاع الدولة للمؤسسات التي تم بيعها خلال العقود الماضية ضمن ما يطلق عليه برنامج "التخصيص"، أي المؤسسات التي كانت ملكيتها عامة وبيعت للقطاع الخاص.

في هذا الشأن، قال رئيس مجموعة "هينلي آند بارتنرز" السويسرية المتخصصة في إدارة الثروات، كريس كالن: "من الواضح أن الأثرياء قلقون وسيكون هنالك هروب جماعي للأفراد والعائلات الثرية من بريطانيا إذا أصبح كوربين رئيساً للوزراء في بريطانيا". وأضاف كالن، في تعليقات نقلتها وكالة بلومبيرغ: "صعود كوربين للحكم هو الخوف الكبير للأثرياء وليس بريكست أو حتى خروج بريطانيا من دون ترتيبات تجارية".

من جانبه، قال رجل أعمال لصحيفة "فاينانشيال تايمز": "كوربين يسعى لشيطنة الأثرياء ولا يرغب في التعامل مع الأعمال التجارية الصغيرة أو الكبيرة".

من جانبه، قال إيان تيت، المدير التنفيذي بشركة "لندن آند كابيتال" لإدارة الثروات، إن "المناقشات التي أدرتها مع مجموعة من أصحاب المال والشركات تشير إلى أنهم يتخوفون من البرنامج الاقتصادي لحزب العمال أكثر من تخوفهم من خروج بريطانيا دون ترتيبات".

ويتخوف الأثرياء من أن يعمد كوربين في حال صعوده للحكم إلى رفع الضرائب على الثروة وحرمانهم من مزايا الإعفاءات الضريبية والترتيبات الخاصة مع مصلحة الضرائب التي تتم عادة على انفراد والتعامل مع الثري وفقاً لحجم الثروة والاستثمار في بريطانيا.

ويقلق الأثرياء كذلك من مقترح حزب العمال الخاص بـ"شفافية الثروة"، وهو مقترح يعني تسجيل الثروات لدى مصلحة الضرائب والإفصاح التام عن حجمها ومصادرها. وهذا المقترح العمالي تمت مناقشته داخل الحزب وجرت إجازته في 2017، ويدعو إلى استصدار قانون جديد يطلب من الأغنياء الذين يملكون ثروة تفوق مليون جنيه إسترليني التسجيل لدى الضرائب. وهذا المقترح في حال صعود حزب العمال للحكم وأصبح قانوناً، سيضيق كثيراً على الأثرياء وسيحد من تدفق المليارديرات على لندن. 

على صعيد العقارات، يقترح حزب العمال رفع معدل الضرائب على المساكن غير المأهولة، أي تلك التي تشترى من أجل الاستثمار أو تم شراؤها من قبل الأثرياء بغرض التربح أو العنوان البريدي. وخلال السنوات الماضية ارتفعت قيمة العقارات الفاخرة في لندن بسبب الطلب العالي من قبل مليارديرات العالم الذين اتخذوا عقارات لندن ملاذاً آمناً لحفظ قيمة ثرواتهم من التآكل وتحقيق اربحاً ضخمة.

كما يخطط برنامج حزب العمال الانتخابي كذلك لرفع الضرائب على أصحاب الدخول التي تفوق 80 ألف جنيه إسترليني. ومثل هذه الضريبة ستطاول معظم الموظفين في حي المال، أي موظفي البنوك والشركات المالية. وبالتالي ربما ستجبر هؤلاء الموظفين على الهجرة وتؤثر سلباً على مركز لندن المالي عالمياً. كما تشتمل خطط حزب العمال كذلك على إجراء تعديلات على قانون "ضريبة الإرث" وضريبة على العقارات التي يملكها الأجانب.

على صعيد الخدمات العامة، فإن حزب العمال يدعو لاسترجاع الشركات التي باعتها الحكومة ضمن برنامج التخصيص للملكية العامة مرة أخرى. وهي الشركات التي تم تخصيصها على عهد رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر في عقد الثمانينيات وما تلاها من حكومات المحافظين. وبالتالي فإن شركات الكهرباء والمياه والسكة الحديد والبريد كلها ستعود للدولة في حال تولي كوربين رئاسة الوزراء.

وحسب خبراء، فإن مصيبة الأثرياء لن تكون فقط في فقدان الشركات التي تملكوها ضمن برنامج التخصيص، لكن ستكون في  خسارة جزء من أموالهم، بسبب نظام التعويضات  المقترحة والتي ستمنح لهم مقابل حصص أسهمهم،.

وحسب المقترح العمالي ستحسب وفقاً القيمة الإسمية للاكتتاب في الشركة وليس على أساس القيمة السوقية للسهم.
وبالتالي فإن الزعيم العمالي كوربين يخطط وببساطة شديدة لإعادة توزيع الثروة في بريطانيا، وهذا ما يقلق الأثرياء فعلاً من سيناريو صعوده للحكم.  

إلى ذلك يشير تقرير صدر عن الأمم المتحدة إلى أن بريطانيا كانت ستتكبد خسائر تجارية في حال الرضوخ لرغبة جونسون بالخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.

وقال التقرير الذي صدر من مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، إن مغادرة الاتحاد الأوروبي دون اتفاق تجارة ستكلف صادرات بريطانيا خسارة 16 مليار دولار، ومن المرجح أن يرتفع الرقم بأكثر من ذلك عند حساب الآثار غير المباشرة.

وذكر التقرير أن خروج بريطانيا دون اتفاق سيسفر عن فقدانها نحو 7% من إجمالي صادرات بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي. وأضاف "هذه الخسائر ستزداد بدرجة أكبر بكثير بسبب إجراءات غير الرسوم والقيود الحدودية والتعطل المترتب على ذلك لشبكات الإنتاج القائمة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي".