الأتراك والعرب... صوت وازن في الانتخابات البرلمانية الألمانية

الأتراك والعرب... صوت وازن في الانتخابات البرلمانية الألمانية

15 سبتمبر 2017
مؤيدون لأردوغان خلال تجمع في برلين عام 2014(آدام بري/Getty)
+ الخط -
تشير استطلاعات الرأي إلى أن الكتلة الصامتة من الناخبين الألمان الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات البرلمانية العامة المقررة في 24 سبتمبر/ أيلول الحالي، تتجاوز نسبتها 30 بالمائة. وهذا يشكل دافعاً قوياً للأحزاب المتنافسة لاستقطابهم والفوز بأصواتهم لا سيما الذين يتحدرون من جذور أجنبية. ويأتي في طليعة هؤلاء، الأتراك الذين يبلغ عدد ناخبيهم 1.25 مليون من أصل 61.5 مليون ألماني يحق لهم الانتخاب في البلاد، يتبعهم العرب والإيطاليون والبولنديون ومواطنو جمهوريات يوغوسلافيا سابقاً. ووصل هؤلاء إلى البلاد منذ خمسينيات القرن الماضي للعمل أو كلاجئين، نتيجة الحروب التي حلت ببلدانهم. وباتوا مع مرور السنوات يشكلون كتلة ناخبة وازنة، من الممكن أن تساهم في إحداث فارق في نتائج الانتخابات التي تتنافس فيها الأحزاب الستة الرئيسية على 630 مقعداً في البرلمان (البوندستاغ)، وقد تسمح بتغيير التحالفات عند تشكيل الحكومة لاحقاً.

وتاريخياً، تشير الأرقام إلى أن أصوات الناخبين الأتراك كانت تصب بشكل أساسي لمصلحة حزبي "الاشتراكي الديمقراطي" و"الخضر" على حساب "المسيحي الديمقراطي". لكن مع تدخل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بشكل مباشر في الحملات الانتخابية، ودعوته الناخبين الألمان من أصول تركية لعدم التصويت لمرشحي الحزبين التقليديين، "المسيحي الديمقراطي" بزعامة أنجيلا ميركل، و"الاشتراكي الديمقراطي" بزعامة مارتن شولتز، ومرشحي حزب "الخضر"، فإن هذا الأمر قد يدفع الناخب التركي الذي يستقي عادةً معلوماته من الصحافة التركية للامتناع عن التصويت لهم. والأتراك أسسوا أخيراً، وكردة فعل على قرار "البوندستاغ" في يونيو/ حزيران 2016، اعتبار الأحداث التي حصلت بحق الأرمن في أراضي الدولة العثمانية إبادة جماعية، حزباً عُرف بـ"تحالف الديمقراطيين الألمان"، وهو موالٍ لأردوغان. إلا أن مشاركته لا تزال تقتصر على الانتخابات المحلية وليس الاتحادية، وهو الذي عمد أخيراً إلى نشر ملصقات وصور للرئيس أردوغان في شوارع مدن رئيسية ألمانية، منها كولن وديسلدورف ومونستر، وحملت توصيته باللغة التركية بالتصويت لمرشحي الأحزاب الذين يدعمون تركيا.

وتواجه سياسة تركيا في ألمانيا بعض الانتقادات التي تعتبر أنها ليست ذات صلة بثلثي الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا، لا سيما لجهة إقدام الرئيس التركي على إصدار توصيات لمواطني دول أخرى، وهو ما استدعى رداً من وزير الخارجية الألماني، الاشتراكي زيغمار غابريال، وصف فيه تدخل أردوغان في الشؤون الانتخابية الألمانية بالفظ، وباعتباره نوعاً من التحريض للألمان ضد بعضهم البعض. ويسأل آخرون في المقابل، لماذا التركيز على انتقاد أنقرة في حين أن ما قام به أردوغان لا يختلف عما صدر عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والتدخل الروسي بقيادة فلاديمير بوتين. وباتت هناك قناعة لدى الجميع بأن من سيتوجه إلى صناديق الاقتراع هم المواطنون الأكثر اندماجاً في المجتمع والواقع الألماني، علماً أن المستشارة ميركل أعلنت أخيراً أنها "مستشارة لجميع الألمان"، أي أولئك الذين ولدوا أيضاً في تركيا، وحصلوا في ما بعد على الجنسية الألمانية.

وفي هذا الإطار، أشار معهد "داتا فوريو"، المتخصص في أبحاث تتعلق بالمجموعات العرقية في ألمانيا، إلى أن الوضع المتوتر بين تركيا وألمانيا سيكون له تأثير على الانتخابات العامة. ومن المرجح أن يبقى العديد من الناخبين الذين يحملون جذوراً تركية خارج الاستطلاع في 24 سبتمبر/ أيلول الحالي لاعتبارات عدة، لخصها المعهد على النحو التالي: استياؤهم من قرار "البوندستاغ" بوصف الأحداث التي حصلت أيام الدولة العثمانية ضد الأرمن بالإبادة، والحظر الذي حصل على السياسيين الأتراك وعدم السماح لهم بالمشاركة في الفعاليات لحشد الناخبين للتصويت للتعديلات على الدستور التركي أخيراً.


وفي ظل هذه الاعتبارات، هناك رأي تعكسه جهات أخرى، من بينها القيادية السياسية من أصل تركي عن حزب "اليسار" في البرلمان، سيفيم داغديلين، والتي اعتبرت أن السياسة الألمانية عليها أن تصمد بوجه السياسة التركية الحالية التي تستخدم منظمات مختلفة للتأثير على الأتراك في ألمانيا. ورأت أنه يجب التوجه إلى الأتراك بخطاب يوضح لهم أن "مصالحهم موجودة هنا في ألمانيا ولا يمكن أن تتحقق إلا فيها، وليس على بعد ألف كيلومتر من هنا، من أطفالهم"، أي أن مصالحهم قائمة حيث يسكنون ويتعلمون وليس في تركيا، وفق قول داغديلين.

في المقابل، قال الرئيس الاتحادي للجماعة التركية في ألمانيا، غوكاي سوفوغلو، في حديث مع مجموعة "فونكة" الإعلامية، إن هناك شعوراً قوياً بأن الأتراك غير ممثلين من قبل الأحزاب القائمة، معتبراً أن سياسة الهجرة لدى تلك الأحزاب تبقى موسمية ولا تنم عن اهتمام كبير بتمثيل مصالح الأقليات في ألمانيا. وأضاف أنه من أجل كسب تأييد المهاجرين، سوف تضطر كافة الجهات للعمل على تخصيص حصص للمهاجرين في الهيئات القيادية الحزبية، لأن الوضع الحالي لا يعكس الصورة الحقيقية عن المجتمع الألماني، علماً أن هناك 37 فقط من أصل 630 نائباً يتحدرون من أصول أجنبية في البرلمان الألماني، أحد عشر منهم من أبوين تركيين أو أحد والديه له جذور تركية.

وكان استطلاع أجراه معهد "اتحاد الديمقراطيين الأوروبيين الأتراك"، ونشرته صحيفة "بيلد"، أخيراً، أظهر أن 15 بالمائة من الألمان الأتراك قالوا إنهم لا يريدون التصويت، مقابل 41 بالمائة لا يعرفون ما إذا كانوا سيذهبون للتصويت، في حين أعلن 6 بالمائة من أصل ألف شخص شملهم استطلاع الرأي، أنهم سيصوتون لحزب "الخضر" و4 بالمائة لحزب "اليسار" و7 بالمائة لـ"المسيحي الديمقراطي" و22 بالمائة لـ"الاشتراكي الديمقراطي"، فيما أحداً منهم لم يبد استعداده للتصويت للحزب اليميني الشعبوي، "البديل من أجل ألمانيا" الذي تراجعت شعبيته أخيراً.

وعن أكثر القضايا التي تؤثر على الناخبين كمهاجرين، قال عبد الصمد اليزيدي، الأمين العام لـ"المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا"، والذي يضم أكثر من 300 من الجمعيات والروابط الإسلامية العربية والتركية، لـ"العربي الجديد"، إن موقف الطرف المعني، أي الأحزاب، من الإسلام والتمييز والاندماج والتجنيس والسياسة الاجتماعية، عامل مؤثر جداً في اتجاهات التصويت لدى الناخب المسلم. وأشار إلى أن الكتلة الناخبة العربية المسلمة تتحلى بالكثير من العقلانية والبراغماتية في مواقف أبنائها، وهم قادرون على التماهي مع جميع الأطراف، وفق معايير ونقاط تصب في مصلحتهم بشكل عام.

ولفت اليزيدي إلى أنه "في هذه الدورة الانتخابية ولمواكبة الحدث، أطلق المجلس الأعلى حملة بعنوان: صوتي يؤثر، دعا فيها الناخبين للتعبير عن انتمائهم للمجتمع من خلال المشاركة في عملية الاقتراع والتعبير عن رأيهم بحرية وحتى لو بورقة بيضاء، وذلك في ظل الحضور والتأثير الملحوظ والمتزايد للأحزاب اليمينية الشعبوية والمتطرفة في البلاد، والتي تسعى لكسب المزيد من أحزاب الناخبين الألمان، من خلال التحريض ونشر الكراهية ضد الأقليات في المجتمع الألماني"، وفق تعبيره. وأكد أن ما يهم "المجلس الأعلى" يتمثل في "كثافة المشاركة لإضعاف تأثير هذا الصوت اليميني الشعبوي، وللمساهمة في حماية القيم الأساسية للديمقراطية وكجزء من الواجب في إطار تحقيق المواطنة وتشجيع التعايش السلمي ومواجهة التيارات المعادية".


واعتمد المجلس أيضاً خطة ترتكز إلى خمس نقاط تتضمن ندوات تثقيف سياسي ومحاضرات عبر الجمعيات الإسلامية وفي أغلبية الولايات والمدن الألمانية، لشرح الواقع والنظام السياسي المعمول به في البلاد، مع العمل على تخصيص حلقات حوار مع مرشحي الأحزاب واستيضاحهم عن كافة الملفات التي تهم المهاجرين. وأطلق حملة إعلانية تضمنت نشر ملصقات تحث الناخبين على المشاركة في يوم الانتخاب. وتم إرسال كتاب باسم "المجلس الأعلى للمسلمين" إلى القيادات والكتل في الأحزاب الكبيرة المؤثرة في البلاد، تضمّن مجموعة من الأسئلة للاطلاع على آرائهم في عدد من الموضوعات التي تهم المسلمين، ومنها الحجاب، واللجوء، والحرية الشخصية وتدريس العلوم الدينية وغيرها. وسترسل الإجابات قبل موعد الانتخابات إلى كافة الجمعيات. وسيمد المجلس خطباء يوم الجمعة الأخير، ما قبل موعد الانتخاب، بخطبة نموذجية تسلط الضوء على أهمية المشاركة بكثافة في العملية الانتخابية.

بدوره، رأى مدير "المركز الكردي للدراسات"، نواف خليل، المقيم في ألمانيا، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن التوجه العام لدى الناخب الكردي سيكون بمنح أصواته لحزب "اليسار" كونه يوالي القضية الكردية، فضلاً عن حزب "الخضر". وأشار إلى أن "تلك الخيارات حتمتها السياسة الخارجية للائتلاف الحاكم في ألمانيا المكون من الاتحاد المسيحي بزعامة ميركل والاشتراكي الديمقراطي، وهو الذي تردد في تقديم أي دعم على المستوى الإنساني والعسكري للأكراد وحلفائهم من عرب وسريان وتركمان وغيرهم في شمال سورية، على الرغم من وجود تعاون بين الأكراد والتحالف الدولي في ملف مكافحة الإرهاب"، بحسب قوله.

واعتبر خبراء ألمان في علم الاجتماع أن الناخبين الألمان من جذور أجنبية لديهم المخاوف والاحتياجات والتوقعات نفسها مثل جميع المواطنين الآخرين. ورأى الخبراء أنه يتوجب على السياسيين الألمان أن يؤكدوا لهم وبشكل مقنع أنهم لا يمكن أن يتخلوا عنهم، وأن هناك التزاماً حاسماً وأولوية قصوى بالتعايش السلمي في مجتمع متعدد الثقافات، في ظل بروز مزاج يميني شعبوي يكتسب زخماً في البلاد وهو معادٍ للآخرين. وأكد بعض المراقبين أن كسب تأييد الناخبين من أصول أجنبية يفرض على مرشحي الأحزاب إقناعهم بالقيم الألمانية وبنموذجها الديمقراطي. ولفتوا إلى أن ألمانيا قامت بعمل شاق تمثل في الاعتراف بالمهاجرين بوصفهم مواطنين دائمين.


في النتيجة، يبقى أنه لو التزم الناخب التركي بدعوة أردوغان، فإن الحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، الذي حصل على نسبة 63 بالمائة من أحزاب الألمان المتحدرين من أصول تركية في انتخابات عام 2013، سيكون أكثر المتأثرين سلباً بامتناع الألمان الأتراك عن التصويت. ولم يحصل "المسيحي الديمقراطي" في حينها سوى على 8 بالمائة من أصواتهم، و"الخضر" على 12 بالمائة، وبالتالي سيكون تأثير المقاطعة أقل وطأة على حزب أنجيلا ميركل و"الخضر".

ويشار إلى أن دراسة أجراها أخيراً "المجلس الألماني للتكامل والهجرة" بشأن السلوك الانتخابي للمهاجرين، ونشرتها مجموعة "فونكة" الإعلامية، بينت أن 70 بالمائة من الأتراك الألمان يشعرون بأنهم مرتبطون بـ"الحزب الاشتراكي الديمقراطي"، فيما 13 بالمائة يختارون "الخضر" و10 بالمائة حزب "اليسار"، فيما حل حزب ميركل رابعاً بنسبة 6 بالمائة فقط.



المساهمون