الأب بنجامين يتحدّى الحكومة الإيطاليّة: "اسجنوني... فأنا لن أتوقّف"

الأب بنجامين يتحدّى الحكومة الإيطاليّة: "اسجنوني... فأنا لن أتوقّف"

05 مارس 2018
"كيف نوصد أبوابنا في وجه المهاجرين؟!" (العربي الجديد)
+ الخط -

عندما هدّدت الحكومة الإيطالية الأب بنجامين بالسجن على خلفيّة موقفه من قضيّة المهاجرين، ردّ قائلاً: "اسجنوني". وشدّد على أنّ "المسيح كان مهاجراً"، سائلاً: "كيف نوصد إذاً أبوابنا في وجه هؤلاء المهاجرين؟". ولأنّ الإنسان بالنسبة إليه هو "الأساس مهما كان دينه أو لونه أو عرقه"، أسّس مسجداً للمسلمين في منطقته.

في فيتوريا، تلك المدينة الزراعية الساحلية في جزيرة صقلية (سيشيليا)، تستقرّ جاليات عدّة. هناك، حدثّنا ناشطون عن الأب بنجامين الذي فتح أبواب كنيسته ومؤسساتها على مصراعَيها أمام المهاجرين، واحتضنهم وواجه الحكومة الإيطالية في سبيل ذلك. رأينا أنّه لا بدّ من مقابلته. قصدناه، فصادفنا في المكان عائلات أفريقية وقرأنا كتابات بالعربية تتحدّث عن السلام.

عند سؤاله عن الجهود الكبيرة التي يبذلها من أجل المهاجرين، يشير الأب بنجامين لـ"العربي الجديد" إلى أنّه يهتم بهؤلاء "منذ نحو 30 عاماً، خصوصاً التونسيين منهم"، موضحاً أنّهم "في فيتوريا، هم المهاجرون الأوائل. وأوّل الوافدين إلى هنا وصلوا في أواخر ثمانينيات القرن الماضي وأوائل تسعينياته، معظمهم قيروانيون (من مدينة القيروان). في البداية، كانوا نحو ألفَي مهاجر".

لكن حينها، لم تكن ثمّة قضيّة تُدعى "أزمة المهاجرين" مثلما هي الحال في السنوات الأخيرة... فيقول الأب بنجامين: "تزايدت مشكلات الهجرة لأنّ ثمّة دولاً صارت تصدّر المهاجرين إلى أوروبا. وباتت إيطاليا تؤوي عدداً أكبر من الذين تستطيع استيعابهم، وليس فقط من تونس. فهي تستقبل اليوم مهاجرين من أفريقيا وألبانيا ورومانيا وحتى من دول آسيا، إلى جانب لاجئين سياسيين وغيرهم".

وكيف كانت معاملة المواطنين الإيطاليين للمهاجرين، وكيف تعاملت الحكومة الإيطالية معهم؟ يجيب الأب بنجامين: "بالنسبة إلى المجتمع المحلي هنا، لم تكن لديه أيّ مشكلة لأنّ الاندماج حصل بسرعة، خصوصاً أنّ المنطقة زراعية. أمّا بالنسبة إلى الحكومة، فهذه مسألة أخرى". يضيف أنّ "المهاجرين التونسيين يعرفون اليوم صعوبات عدّة بسبب دخول الجالية الرومانية على الخط، إذ راحت تنافسهم في سوق العمل بسبب تدنّي تكلفة اليد العاملة. لكنّ تونسيين نجحوا في المقابل".


ويؤكد الأب بنجامين أنّ "الشعب الإيطالي عموماً يتقبّل المهاجرين، لكنّ القضية تحوّلت إلى سياسية وحزبية مع صعود اليمين المتطرف. وزعيم حزب ليغا نورد (رابطة الشمال) ماتيو سالفيني هو ضدّ المهاجرين وضدّ كل من يدعمهم. وقد حرّض إحدى قياداته عليّ شخصياً، ووجّه إليّ تهماً كثيرة بسبب موقفي من الهجرة ودعمي للمهاجرين".

لكن، لماذا تفعل ذلك؟ فيجيب الأب بالعربيّة: "الله كريم". وكم هو عدد المهاجرين الذين اهتممت بهم؟ "نحو 25 ألفاً". وماذا قدّمتم لهم؟ "أمّنا سقفاً ليناموا تحته وطعاماً ليأكلوه وعناية طبية. كذلك، منحتهم شهادات إقامة، إذ إنّهم قصدوني يطلبون منّي أن أشهد بأنّهم يسكنون هنا للحصول على وثائق رسمية، ففعلت. لذلك هددتني الحكومة بالسجن، فأجبت: اسجنوني إذا لزم الأمر، فأنا لن أتوقف".

ويوضح الأب بنجامين أنّ "اليوم ومع تصاعد الأزمة الاقتصادية، صارت العائلات تأتي لطلب المعونة، وفي الليل يحضر كثيرون لتناول العشاء هنا. هذا يعني أنّ الذين يهجرون عائلاتهم وبلدانهم سعياً وراء الحلم الأوروبي، مخطئون. فالحلم يتكسر في إيطاليا". إلى ذلك، يؤكد أنّ "الهجرة مشكلة معقدة والإيطاليين لم يكونوا جاهزين للأمر. لكنّ الإشارة تجدر إلى أنّ من يبحث عن الاندماج والعمل، فهو قادر على ذلك. وأنا أعرف تونسيين كثيرين نجحوا في ذلك، لكنّهم قلّة". يضيف أنّ "الأزمة الاقتصادية عقّدت المشكلة، في حين أنّ 30 في المائة مثلاً من سكان سانتا كروتشيه هم من التونسيين وقد اندمجوا بشكل كامل في تلك الجهة وأصبحوا من المالكين هناك. بالتالي، لا يمكن القول إنّهم قلّة".

نسأل: ألا ترى أنّ الأوروبيين هم سبب الأزمة الأصلية وأنّهم وراء كل هذه المأساة بسبب ما فعلوه في ليبيا مثلاً؟ فيجيب الأب بنجامين: "هذا صحيح. الديمقراطية لا تُفرض على الشعوب، وهم أخطأوا في ليبيا مثلما أخطأوا سابقاً في أفغانستان والعراق. كانوا يتصوّرن أنّ قتل الزعيم الليبي معمّر القذافي سوف يحلّ المشكلة، لكنّهم أخطأوا ونحن اليوم لا نعرف ولا نفهم ما الذي يدور في ليبيا من عنف وتناحر". ويتابع أنّ "المشكلة هي البترول. هم يدمّرون شعوباً باسم الديمقراطية، بينما الحقيقة هي أنّ النفط هو سبب العلّة. فرنسا دمّرت ليبيا مثلاً بسبب النفط، وما دام النفط متوفّراً فإنّ الظلم واقع".


وعن الرسالة التي يوجّهها إلى الحكومة الإيطالية بخصوص المهاجرين، يقول: "فرنسا تغلق أبوابها وإسبانيا تقوم بالمثل والمملكة المتحدة كذلك. الدول الأوروبية كلها تفعل الشيء نفسه، في حين يتوجّب عليها التفكير في وضع مخطط عام لقضية الهجرة". ويكمل: "من المفترض أنّ الاتحاد الأوروبي ليس فقط مشروعاً اقتصادياً، بل ينبغي أن يحمل مشروعاً للإنسان كذلك ولحركة البشر"، مشيراً إلى أنّ "إيطاليا ما زالت باباً مفتوحاً أمام المهاجرين. لكن في المقابل، لا بدّ من أن تبذل الدول الأخرى جهداً في المجال. فلا بدّ لتونس على سبيل المثال، أن تؤدّي دورها في الدفاع عن حقوق أبنائها. منذ ثلاثين عاماً وأنا أتعامل مع المهاجرين، لكنّكم أوّل تونسيين يقصدونني ليحدّثوني عن وضع التونسيين ويسألوني عنهم".

كثيرون يستغربون أن يأتي رجل دين مسيحي بتضحيات من أجل مسلمين، لكنّ الأب بنجامين يبدو هنا حاسماً ويقول: "ينبغي إغاثة المحتاج بقطع النظر عن ديانته أو عرقه أو لغته. البشر هم الأساس. وقد استحدثت هنا مسجداً صغيراً في هذا الفضاء المسيحي، حتى يتمكّن كل شخص من ممارسة ديانته وطقوسه بالطريقة التي يرغب. الإنجيل يقول اعطِ الجائع طعاماً من دون أن يطلب منك شهادة عن دينه أو لونه. والمسيح كان غريباً ومهاجراً، فكيف نوصد أبوابنا في وجه المهاجرين؟".

المساهمون