اقتناع أوروبي بصعوبة دخول حفتر طرابلس بلا دعم مصري

اقتناع أوروبي بصعوبة دخول حفتر طرابلس بلا دعم مصري

05 يناير 2020
يتجنب السيسي أي مغامرة غير محسوبة في ليبيا(فرانس برس)
+ الخط -

قالت مصادر دبلوماسية أوروبية، ذات صلة بمتابعة المفاوضات الغربية - الشرق أوسطية لتنسيق مؤتمر برلين بشأن ليبيا، إن المعلومات الاستخبارية المتوفرة في العواصم المختلفة المعنية بهذا الملف، تكشف أنه في حال استمرت تركيا في تصعيد مساندتها لحكومة "الوفاق" الليبية المعترف بها دولياً، في مواجهة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، فإنه لا توجد للأخير أي فرصة لاقتحام العاصمة طرابلس، حتى مع استمرار الدعم المصري ووجود فرق المرتزقة الأجنبية. وبحسب هذه المعلومات، فإن لا فرصة لحفتر "إلا من خلال دعمٍ مصري عسكري مباشر على الأرض أو بسلاح الجو، وهو ما لا ترغب القاهرة في اختباره أو الاضطرار إليه حتى الآن".
وأضافت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن تصعيد أنقرة الأخير بإعلان نيّتها إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، لا يبدو سريع المفعول، وأن المعلومات المتوفرة تشير إلى عدم جاهزية أنقرة لتنفيذ هذه الخطوة عملياً قبل ثلاثة شهور على الأقل، لكن القرار أدخل تركيا كعنصرٍ فعّال لا يمكن تجاهله في الاستعدادات لمؤتمر برلين، على الرغم من عدم ترحيب كلٍّ من فرنسا وألمانيا ومصر. ورجحت المصادر أن هذه المسألة قد تكون عقدةً أخرى تحتم على القوى الأوروبية طرح بدائل مختلفة لكيفية إقامة هذا المؤتمر، في حالة إقامته من الأساس، لأن كل طرف له من البنود التي يصر على إدراجها، ما يصعب إدراج المخالفة منها ذات الصلة بأطراف أخرى، ويجعل تالياً من الصعب إنتاج مخرجات معقولة وقابلة للتنفيذ.


وأشارت المصادر إلى أن تأكيد الخارجية المصرية للمرة الأولى قبل أيام "دعمها الكامل لفرص التوصل إلى حلٍّ سياسي للأزمة الليبية من خلال مؤتمر برلين" المزمع إقامته، يعكس صعوبة الموقف المصري وعدم حصول الرئيس عبد الفتاح السيسي على الاستجابة السريعة المنتظرة من نظيره الأميركي دونالد ترامب، عندما طالبه بالتدخل في القضية على نحو عاجل الشهر الماضي، بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان توجّهه لإرسال القوات قبل العرض على البرلمان، خصوصاً في ظل انشغال ترامب بالأزمة مع إيران. يذكر أن مؤتمر برلين تمّ تأجيله مرات عدة، ولم يكن نظام السيسي متحمساً في السابق للمشاركة فيه.

وذكرت المصادر أن ما يزيد الوضع صعوبة، عدم ظهور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي يعتبر من المفاتيح الرئيسية للأزمة وأحد أكبر الداعمين بصور مختلفة لحفتر، "وكأنه مستعجل للحل الليبي، وربما تكون مصلحته الأكبر استمرار الوضع مشتعلاً على هذا النحو، لإبطاء حلحلة الأوضاع الاقتصادية شرق البحر المتوسط، وتعطيل استفادة تحالف منتدى شرق المتوسط للغاز من التقدّم الحاصل بشأن ترسيم الحدود الاقتصادية بين كل من مصر وقبرص واليونان وإسرائيل، وبدء إنتاج حقل ليفياثان الإسرائيلي والاتفاق على مدّ خط جديد بين تلك الدول إلى أوروبا، التي تسيطر روسيا على سوق الغاز فيها، وتريد واشنطن بالتنسيق مع دول المنتدى إحداث خرقٍ في جدارها".

ورأت المصادر أن الإشارات الصادرة أخيراً من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تعكس حرصها على إقامة المؤتمر بأقصى سرعة، ليس فقط لإنقاذ الوضع المتوتر في المنطقة، بل لإيمانها بأن اندلاع حربٍ مباشرة بين تركيا ومصر في ليبيا، ستكتب نهاية المحاولات الأوروبية للعب دور محوري في منطقة شرق المتوسط. وتعتبر ميركل، أنه إذا ما اندلعت مثل هذه الحرب، ستكون هناك قوى أخرى لها تأثير مباشر على تصعيد أو وقف النزاع، كالولايات المتحدة وروسيا، وكذلك الإمارات، فضلاً عن رغبة ميركل في ترك بصمة في عام رئاسة بلادها للاتحاد الأوروبي.

وفي السياق ذاته، قال مصدر حكومي مصري إن دعم السيسي الثابت والمستمر لحفتر "لم يتقرر بعد أن يأخذ صوراً أخرى"، مشيراً إلى أن الرئيس المصري "لا يميل إلى الإقدام على مغامرات غير محسوبة في الوقت الحالي، خصوصاً أن الحراك العسكري سيتطلب إنفاقاً مالياً ضخماً لا يرغب في أن يؤثر على الأوضاع الاقتصادية في الداخل".

وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري أجرى، مساء أول من أمس الجمعة، اتصالات مع نظرائه والمسؤولين الدوليين حول الوضع في ليبيا، في إطار "التواصل المكثف حول الأزمة"، مثل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ومستشار الأمن القومي الألماني يان هاكر، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، والتي تم التأكيد خلالها على رفض التصعيد في ليبيا من قبل تركيا، وضرورة تفعيل كل الآليات الممكنة للحيلولة دون حدوث أي تدخُل في ليبيا بما يخالف القانون الدولي. وشدد بيان صادر عن الخارجية المصرية، على أهمية العمل للحفاظ على فرص التوصل إلى حل سياسي، من خلال "عملية برلين" التي تم التأكيد على دعم مصر الكامل لها خلال تلك الاتصالات.

وكانت مصر قد دانت الخميس الماضي "بأشد العبارات" قرار البرلمان التركي الموافقة على إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، ثم أعلنت الرئاسة المصرية أن السيسي اجتمع بمجلس الأمن القومي، وغاب عن البيان إعلان اتخاذ قرارات في الشأن الليبي، مع إشارة مقتضبة إلى أنه "تم تحديد مجموعة من الإجراءات على مختلف الأصعدة للتصدي لأي تهديد للأمن القومي المصري".

يذكر أن الهجوم الحالي من حفتر على طرابلس مدعوم من مصر بأشكال عدة، أبرزها الأسلحة الخفيفة والمدفعية والمدرعات الجديدة من طراز "تيريير" التي أنتجتها الهيئة العربية للتصنيع المصرية العام الماضي، ويعتبر هذا أول استخدام عسكري رسمي لها في المواجهات. كما سهلت مصر دخول طائرات صغيرة من دون طيار واردة من دول شرق آسيوية، إلى جانب كميات كبيرة من الأغذية المحفوظة والأقمشة والأغطية تدفقت الشهر الماضي على مناطق حفتر من معبر السلوم ومعابر عسكرية أخرى، إلى جانب العنصر الاستخباري، وملف التدريب ورفع القدرات الذي تباشره مصر بشكل منفرد تقريباً.

ونشرت القوات البحرية المصرية عدداً من قطعها في المنطقة المقابلة لمعبر السلوم، منذ الأسبوع الثاني من الشهر الماضي، ومن بينها بعض القطع المجهزة بمعدات تشويش واستطلاع، لرصد المساعدات التركية لحكومة الوفاق، كما أعلنت حالة الطوارئ في قاعدة محمد نجيب العسكرية شمال غربي البلاد.