اقتصاد مصر بعد الكارثة الروسية

اقتصاد مصر بعد الكارثة الروسية

23 نوفمبر 2015
ركام تحطم الطائرة الروسية في سيناء (Getty)
+ الخط -
رغم التسليم بأن عوائد السياحة لا تحل الأزمات الاقتصادية، لكن ذلك لا ينفي أن خسارة تلك العوائد تزيد الأزمة الاقتصادية القائمة، وبخاصة أن مصر تتبع منذ سنوات سياسات اقتصادية تركن إلى قطاعات تتصف بالتذبذب مثل عوائد قناة السويس والسياحة أو عوائد وأنشطة أخرى غير إنتاجية. وتمثل تلك الأنشطة في قطاعاتها المختلفة نسبة مهمة في نمو الاقتصاد المصري.
ومن هذا المنطلق يمكن النظر إلى النتائج الاقتصادية لحادثة سقوط الطائرة الروسية بشرم الشيخ، فالأخيرة تعتبر المنطقة السياحية الأبرز في مصر، وتلك الحادثة دفعت عدداً من الدول إلى توجيه تحذيرات إلى مواطنيها من خطورة السفر إلى مصر.

عائدات السياحة

ما يزيد من أثر هذه التحذيرات أنها خرجت من دول يعد مواطنوها الأكثر زيارة لمصر ويمثلون النسبة الكبرى من الوفود السياحية، يأتي على رأس القائمة روسيا التي فقدت 224 من مواطنيها في الحادثة. وبعيداً عن مسببات الحادثة، فإن القرار الروسي يعني تراجع أعداد السياح الروس الوافدين، أي فقدان مصر ثلث عدد السياح تقريباً.

حيث قدر عددهم في العام الماضي ب 3.16 ملايين سائح روسي سنوياً، طبقا لإحصائيات وزارة السياحة المصرية.
لم يكن القرار الروسي هو الوحيد، فقد شملت قائمة التحذيرات عشر دول أوروبية تمثل كتلة موازية للكتلة الروسية سياحياً، على رأسها بريطانيا التي تساهم بنسبة كبيرة من السوق السياحية المصرية، وشمل القرار أيضاً دولاً مثل ألمانيا، إيرلندا، وأوكرانيا وإيطاليا وفرنسا.
المؤشرات السابقة تعني أن هناك تأثيراً سلبياً ضخماً على الموسم السياحي الحالي وقد يمتد هذا التأثير للموسم المقبل، ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى خسارة نسبة كبيرة من العوائد السياحية وما تمثله من مصدر للنقد الأجنبي. مما يزيد الأزمة، أن هذا النقص يأتي في ظل تراجع في الاحتياطي النقدي وفي ظل أزمة تعانيها الدولة في توفير النقد الأجنبي من أجل تأمين الموارد لاستيراد المواد والسلع الأساسية التي لا تتوافر في السوق المحلية.
ويمكن إدراك معدل النقص الذي سيزيد إذا علمنا أن السياحة توفر نحو 15.5% من النقد الأجنبي، إضافة إلى مساهمتها في الناتج القومي الإجمالي، وما يتركه ذلك من تأثير في تنشيط وتحريك السوق وتأمين فرص التشغيل للعاملين بقطاع السياحة. كما أن تراجع النشاط السياحي سيؤدي حتماً إلى تأثر النشاط الاستثماري في قطاع السياحة وسيقلل من فرص استمرارية بعض المشاريع السياحية.

اقرأ أيضاً:رغم التقشف مصر تغرق في الديون

هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها القطاع إلى التراجع، فقد سبق وتأثرت السياحة سلباً بعد العام 2011، ونتج عن تراجع هذا القطاع في تلك الفترة تضرر نسبة كبيرة من العاملين به (تشير بعض التقديرات إلى أنهم يتجاوزون الـ 3 ملايين عامل) وكانت الفئة الأكثر تضرراً أولئك العاملين في وظائف بعقود مؤقتة أو ما يصنفون ضمن العمالة الموسمية واليومية.
تراجع عدد السياح الوافدين لمصر من أكثر من 7. 14 مليوناً عام 2010 إلى 9.8 ملايين في 2011، ومن المتوقع أن يكون التراجع الثاني والأبرز بعد الثورة مسببه الأساسي حادثة الطائرة الروسية، وسوف يستمر التراجع إذا وجدت ظروف تشير إلى عدم الاستقرار في الأوضاع السياسية.
المشكلة أن هذه الحادثة الكارثية تأتي في ظل أزمه اقتصادية تمر بها مصر، وكل ما سبق من مؤشرات يضع الدولة المصرية في تحد جديد، حيث ستواجه أزمة في إيجاد بدائل للدخل الذي توفره السياحة، كما سيؤدي النقص في النقد الأجنبي إلى تعثر استيراد بعض السلع مما يضر بالتأكيد حركة السوق. ركود قطاع السياحة من جديد سيؤدي إلى استبعاد الآلاف خارج سوق العمل مما يوسع دائرة البطالة.
ربما تضطر مصر في هذه الظروف إلى تقليص الاستيراد أو التسريع بفرض رسوم جمركية جديدة على بعض السلع، وربما ستفرض هذه الأزمة التفكير في قرارات جديدة تعوض النقص الذي سيتركه تراجع العائد من النشاط السياحي. وربما تدفع هذه الأزمة الجديدة إلى مزيد من إجراءات التقشف او إهمال الصرف على بعض الخدمات والاستغناء عن استيراد بعض السلع.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جامعة القاهرة)

اقرأ أيضاً:اقتصاد مصاب بـ "فيروس سي"

المساهمون