اقتصاد الشرفات والدجاج

اقتصاد الشرفات والدجاج

19 مايو 2020
تتعدى نسبة الفقر في سورية 90% (Geety)
+ الخط -

لطالما لم تنفع حلول حكومة بشار الأسد جميعها بتحسين الواقع المعيشي وحماية الليرة السورية من التهاوي، لماذا لا يتم الاستمرار بنهج الممانعة، ويتمرد النظام المقاوم على النقد، فيعتمد نظام المقايضة بالاقتصاد السوري الداخلي، وهو من جربه قبل سنوات، وأثبت نجاعة ونجاحاً بالخارج، حينما قايض روسيا الاتحادية الخضر والفواكه مقابل الديون وثمن الأسلحة.

بيد أن السؤال المفتاحي، ماذا بقي لدى السوريين، بعد تسع سنوات من الحرب والتفقير، من إنتاج وممتلكات، ليقايضوه باحتياجاتهم اليومية؟!

جاءت الإجابة عن هذا السؤال صريحة من مجلس الوزراء بحكومة الأسد أمس، فبدل أن يبحث السادة الوزراء عن سبل توقف تدهور العملة، بعد أن تعدى الدولار 2000 ليرة، أو التفكير في ردم الفجوة الهائلة بين دخل لا يتجاوز 50 ألف ليرة وإنفاق يزيد عن 500 ألفاً، ارتأت الحكومة، وبرؤية استراتيجية، أن الحل بدعم برامج المرأة الريفية وتشجيع نشر الزراعات الأسرية، ولئلا يبقى الكلام شعاراتياً، رصدت الحكومة 1.5 مليار ليرة للمشروع، بصرف النظر عن كفايته ولمن سيوزع، فشرف الوثبة هي الخطوة الأولى بطريق أميال المقايضة.

وبهدف التأسيس للمسير نحو الهدف المنشود والاكتفاء الذاتي والإعداد لنائبات الزمان، بعد أن خسر الأسد خطوط الائتمان من طهران والديون من موسكو، ضربت حكومة الأسد استباقاً، وأعلنت عن توزيع منح لتربية الدجاج، ليقايض الشعب بيضه بما يحتاج، لكنها-الحكومة- وربما لتفاوت أسعار الدجاج، لم تحدد حجم المعونة وكيف ستوزع، هل دجاجة بياضة لكل أسرة أم دجاجة وديكا لتكتمل العملية الإنتاجية.

ومن يشكك بجدوى حلول نظام الأسد، فهو على الأرجح لم يطلع على مسيرته بالصمود والتصدي، خلال فترة الحرب على الثورة على الأقل، إذ، ومنذ أربع سنوات، دعت القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم إلى ورشة، حضرها من صنف الوزراء فقط أربعة، إلى جانب معاونين وزراء ورئيس اتحاد الفلاحين ونقيبي المهندسين الزراعيين والأطباء البيطريين وجميع مدراء الزراعة بالمحافظات.

وأما موضوع الورشة فكان "لنزرع الأسطح والشرفات ومداخل المنازل" ومنذ ذاك، والحكومة الأسدية تفكر بدعم زراعة الأسطح وتربية الدجاج.

ولكي يأخذ عنوان الورشة، وقتذاك، بعده الاستراتيجي العميق، ربطه الرفيق عضو قيادة الحزب، راعي الورشة، بمشروع إعادة الإعمار والتنمية المستدامة وزيادة الثروة الحيوانية.

ولكن، ربما لظروف موضوعية والانشغال بإفشال المؤامرة الكونية، لم ير هذا المشروع التنموي النور ولم تزرع الأسطح وتبيض الدجاجات، ليأتي اليوم الموعود، وتبت الحكومة بالأمر ليغدو المشروع واقعاً وربما قدوة لجميع حلف المقاومة والممانعة.

خلاصة القول: قلما سقطت أنظمة مستبدة بسبب تردي الاقتصاد، بل في غالب التجارب العالمية يستفيد الديكتاتوريون من تفقير الشعب بإسكاتهم وتكريس سطوته.

 بيد أن ذلك ليس قاعدة ثابتة، فأن يصل الأمر إلى تراجع عائدات الدولة إلى أقل من 10% من النفقات والتمويل الضروري، ويتراجع الناتج المحلي عشرة أضعاف والليرة أكثر من 40 ضعفاً، وتتعدى نسبة البطالة 85% والفقر 90%، ويصل الخلاف على مسروقات الشعب، ضمن الأسرة الحاكمة، إلى حدود الفضائح، فربما هذا يكسر مقولة لا تسقط الأنظمة من بوابة الاقتصاد، حتى لو وزعت تلك الدولة على كل أسرة عشر دجاجات وديكا حسن الصوت.

المساهمون