اقتصاد الحرب يطيل الأزمة الليبية

اقتصاد الحرب يطيل الأزمة الليبية

04 أكتوبر 2017
+ الخط -
بينما تجتمع الأطراف السياسية الليبية للاتفاق على المسار السياسي في بلادها، تستعر حرب في مدينة صبراتة الأثرية، لكنها ليست على مسارح هيركلس أو بوليوس؛ بل بين مجموعة كتائب تابعة لحكومة الوفاق، فهل هو بداية احتراب جديد في الغرب الليبي؟ أم أنه امتداد لاقتصاد الحرب الذي لايزال أحد محرّكات المشهد، وجزءا من مسار طويل المدى نسميه اقتصاد الحرب.
يمكن أن تفهم مقولة تشارلز تيلي "الحروب تصنع الدول، والدول تصنع الحروب" أن الاقتصاد يصنع الحروب، وللحروب اقتصادها. هذه الفكرة ظاهرة في أدبيات الحروب الأهلية، فكما بيّن صموئيل هنتنغتون أن غياب مؤسسات الدولة هو الذي يصنع العنف والحرب، فإن ليبيا نموذج ظاهر لهذا النمط، فما أن سقط نظام معمر القذافي الذي تضخمت في عهده وظائف الدولة على حساب قوة مؤسساتها، حتى ظهرت مؤشرات اقتصاد الحرب، منها مثلاً استفادة بعض الكتائب من الدعم المقدم للثوار، أو من خلال البحث عن الأموال السيادية للدولة الليبية في الخارج عبر مؤسسة الاستثمار، أو من خلال الفساد الإداري الذي صحب علاج جرحى الثورة في الخارج.
تعزّز هذا النمط عقب الحرب التي أعلنها الجنرال خليفة حفتر في الشرق الليبي، وصارت الأموال التي تصل من الخارج، تحديداً من دولة الإمارات، الوقود الذي يشعل فتيل الحرب، والبنية التحتية لأغلب الصراعات القائمة. وقد تمظهرت الفرص التي يوفرها الدعم الخارجي للمليشيات المتصارعة في الصراع الأخير في صبراتة، حيث أمدت الحكومة الإيطالية بعض الكتائب بمبالغ مالية للمساعدة في الحد من الهجرة، الأمر الذي فتح اقتصادا موازيا بعيداً عن مؤسسات الدولة، وهذا هو سبب الحرب الآن في صبراتة. وقد يكون هناك بعد سياسي لتعزيز فرص التفاوض من مختلف الأطراف، لكن هذا التفسير قد لا ينتبه إلى ذلك المسار الطويل لهذه الشبكات الممتدة في ليبيا، والتي يصعب إيقافها إلا في حالة إجماع حقيقية على الحل في ليبيا.
بستند هذا الاقتصاد إلى استخدام الفراغ الذي تركته الحرب، في غسيل الأموال وتدويرها، وإيجاد سردية تجبر الأطراف الخارجية على الاستمرار في دعم جنرالات الحرب، صبراتة مثال ظاهر، فإن تزايد الهجرة غير النظامية أجبر الحكومة الإيطالية على التعامل المباشر مع المليشيات، بعد اليأس من فاعلية مؤسسات الدولة، وهذا ظاهر في اجتماعات الاتحاد الأوروبي التي ينتقد فيها التعامل الأحادي مع الأزمة الليبية، في ما يخص الهجرة. ويتعلق وجه آخر من هذا الاقتصاد بسعر الدولار، والفرق الهائل بين السعرين الرسمي والموازي، ما يوفر فرصة للمضاربة عبر الاعتمادات التي يمنحها المصرف لبعض التجار لجلب المواد الأساسية للمستهلك. وفي غياب أي بناء مؤسسي قادر على المراقبة، تدور الأموال في الخارج الليبي، ثم تعود في شكل رساميل بالدولار، تباع في السوق السوداء بأعلى الأثمان، ويعاد تدويرها من خلال المصرف المركزي، وهكذا دواليك.
الاستثمارات الليبية في الخارج نموذج آخر على ذلك الاقتصاد، فقد استحوذت على شركات ليبية كثيرة في أفريقيا بعض الدول الأفريقية، وبعضها لا يزال قائماً، وهي رهين استمرار نزيف الإنفاق عليها من الخزينة الليبية، من دون أي إجراءات حوكمة تجعل الأموال التي يتداولها الصندوق جزءاً من الاقتصاد الليبي، وليس التدفق المالي الخارجي الذي حوله شبهات كثيرة، ويمكن إضافة شبكات إجرامية كثيرة للخطف، ، ولتهريب الأفراد والسلاح ومجموعات التهريب التي تمتد في الجنوب الليبي، والشبكات المتطرفة، أمثلة على هذا الاقتصاد الذي هو أشبه بخلايا سرطانية، تمنع ليبيا من التعافي والنهوض.
اقتصاد الحرب جزء من المعادلة، وظل البعد المؤسسي في العمل السياسي غائباً عن الطاولة، وهو السبب الذي يجعل الصراع غامضاً متلكئاً، يتعالى عن التفسير في كثيرٍ من جوانبه.. فقط فتش عن المال أيها المراقب.