Skip to main content
افتراءات "اليوم السابع" على "العربي الجديد"
نزار قنديل
تنبيه بعض الصحافيين إلى قيم المهنية مضيعة للوقت(العربي الجديد)
في الزمن الذي يقدم إعلاميون محسوبون على المهنة بالإكراه، أنفسهم بأنهم "عملاء أمن"، وبأنهم سلّموا ضيوفاً في برامجهم، من الاستديو للأمن مباشرة، يصبح تنبيه هؤلاء إلى قيم المهنية، والشرف الإعلامي، مضيعة للوقت والجهد. لكن حين تنتشر الظاهرة وتتحول إلى إسفاف، يصبح من المهم تسجيلها كظاهرة ومواجهتها. فهذا دفاع عن المهنة وحق للقارئ علينا.

تتجلى الحالة الأكثر بؤساً في نشر تقارير جاهزة مهترئة، حررتها أجهزة لم تنتج عبر سنوات طوال إلا الفشل المهني والغفلة التي تختصرها النكتة المصرية الشهيرة عن محطة "المطار السري".

هكذا يمكنك أن تقرأ معي ما نشرته صحيفة مصرية من شائعات خائبة، وترهات معتادة، يدرك أي قارئ أنه لم يكن ينقصها سوى أن يكتب من أُمليَت عليه التقارير "كتب محرر الجهاز السيادي"، عن "العربي الجديد"، وأشياء أخرى. أراد الجهاز المعني أن يفبرك عن عزمي بشارة فجعلها تسريبات وصلته من "العربي الجديد"، أي أن الصحيفة الغراء ترى أنه من الطبيعي أن تحرّض على صحيفة عربية مشهود لها بمهنيتها وجديتها، لأنها كما يبدو تعرف أنها لا تسمح بتلطيخها بالانجرار إلى هذا المستوى. ونحن نكتفي بتسجيل الظاهرة كما أسلفنا.

وعلى ما يبدو فبينما الرجل منشغل بدراساته وإنشاء مؤسسات أكاديمية، ومهموم بترسيخ قيم الكرامة الإنسانية والحرية، عبر تاريخ طويل من الكتب، والدراسات، والنضال، والإسهامات الإعلامية المرئية والمنشورة بلسان عربي مبين، كانت أجهزة غارقة في ممارسة التعذيب ومراقبة مواطنيها لتحصي عليهم أنفاسهم. وبدلاً من مراقبة إسرائيل تتعاون معها ضد المناضلين.

أعلم أنه لن يجدي كثيراً مع البُلداء تذكيرهم بأن "غوغل" كان سيوفر لهم مئات أخرى من "أسرار" من نوع التي نشرت عن "نصائح" للثورة ضد الجيش وضد عمر سليمان عبر قناة "الجزيرة"، وغيرها ممّا يندرج في إطار مراجعة ثورة يناير والارتداد عن أهدافها بذرائع شتى.

"الأسرار الخطيرة" عن مخطط عزمي بشارة، مكتوبة ومنشورة في دراسات، ومقالات، سأتفضّل على البلداء بأن أضعها هنا، ليكتشف القارئ المحترم أن السبق "الكسيح"، عن اختراق مزعوم للبريد الإلكتروني، ليس سوى نقل ركيك، وكتابة مفككة، لما هو منشور بعد أيام من ثورة يناير المجيدة، رغماً عن كل بليد، وقبل أن يتنحى رأس النظام، وفيها التبصير المبكر للثوار، بمحاولات سرقة ثورتهم واستبدال عسكري مستبد مكشوف، بآخر أكثر طغياناً واستبداداً، وربما أقل ذكاء وخبرة بقيادة عمر سليمان.

لن تحتاج إلى جهد كبير، لتدرك الخطل، والعته، المركبين، وهم يتحدثون عن عزمي بشارة الإخواني "الإرهابي" ، وفقا لقانونهم الفضائحي، هذه المرة بصفته المدافع عن الشهداء الأقباط في مذبحة ماسبيرو، ففي مصر "أم العجائب"، والتهمة هذه المرة أنه يدعي أن الأقباط ظلموا، وأنه وقف معهم في مذبحة ماسبيرو. كل شيء يحدث، ابتداءً باكتشاف كرة أرضية، تحت أرض رابعة، وبيع الأهرام العاشر، وليس انتهاء بحروب "الجيل الرابع".

وإليك عيّنة من الاكتشافات البلهاء، فهو بتاريخ السادس من فبراير/ شباط 2011، في دراسة منشورة: "من المثير للاستغراب أن يظهر نائب رئيس الجمهورية المُعيّن كنتيجة من نتائج هذه الثورة ويشكر الشباب"؛ لأنه من دونهم لما حصل هذا الإصلاح، أي لأنه من دونهم لما عُيِّنَ نائباً للرئيس، هذا لو قصد أن يشكرهم على تعيينه نائباً للرئيس. ولكنه لم يقصد ذلك بل حاول أن يخدع الثورة وأن يلتف حولها. فمن يشكر لا يمكن أن يحاصر من يشكرهم في الوقت ذاته، وأن يطلق عليهم الزعران والمجرمين، وأن يعتقل الصحافيين لكي لا يُغطوا نشاطهم وأن يحرّض على وسائل الإعلام التي ترفع صوتهم، بل وأن يتهمهم بالعمالة لقوى أجنبية.

اقرأ أيضاً: من أنتم؟... نحن

هذه التصريحات التي أدلى بها عزمي بشارة علناً ونشرها في مقالات، تتحوّل على يد مخابراتية واهنة إلى: "وهو ما تكشفه إحدى المراسلات عن شخصيات بارزة ومؤثرة في مصر خلال ثورة يناير، كان اللواء عمر سليمان على رأسها.

وأرسل عزمي بشارة العديد من التقارير الإخبارية التي أعدتها الصحف الغربية حول شخصية اللواء عمر سليمان، تناولت السيرة الذاتية والعملية له، وجميعها تشن هجوماً شرساً عليه، باعتباره من رموز مبارك، وأنه مارس التعذيب والتنكيل بأبناء الشعب المصري.

أما أخطر تلك المراسلات التي أصر عضو الكنيست الإسرائيلي على نشرها في قناة الجزيرة، فتتضمن محاولة للإيقاع بين مؤسسات الدولة السيادية، ومؤسسة القوات المسلحة، عقب سقوط نظام مبارك، وعنون "بشارة" رسالته المؤرخة بـ16 فبراير 2011، والموجهة إلى رئيس مجلس إدارة "الجزيرة" بـ"أرجو إيصاله للجزيرة هام وخطير للغاية".

فبشارة يتواصل مع الجزيرة والمسؤولين القطريين بموجب عبقرية الكاتب عبر البريد الإلكتروني، وتتضمن الرسالة التي زعم بشارة أنها وصلته من أحد شبان ميدان التحرير القياديين مزاعم بأن أجهزة الدولة تحاول الالتفاف على الثورة، وما سماه ضرب الجيش "من ظهره"، عن طريق تمويل فئات بالمال والسلاح من الخارج لاختطاف الثورة وتشويهها، وطلب بشارة نشر ذلك في قناة الجزيرة بصورة عاجلة جداً على لسان مصادر مجهولة، بذريعة أن الأمر سيتم إيصاله للجيش المصري".

كان يكفي أن يرفق محرر الجهاز السيادي روابط لظهور الرجل على الجزيرة في الأيام الثمانية عشر، فقد قال كلاماً أهم بكثير ممّا "يسرّبون" عنه من "العربي الجديد" التي تأسست قبل عام واحد فقط.

وهو أيضاً، حسب هذه المسخرة، من أوحى لبواسل 6 أبريل، وأبناء كفاية، حين كانوا ثواراً، والإخوان المسلمين، والاشتراكيين الثوريين، وغيرهم من قوى الثورة المجيدة، بهتاف "يسقط حكم العسكر".

أعرف أنه عصيٌّ على البلداء معرفة الفارق بين رقم 6، ورقم 16، وأدرك أنه لا حيلة لهم في تنبيه من يملي عليهم التقرير لهذا الأمر؛ لكنه ليس عصيّاً على أي بليد أن يسأل تلميذاً بالصف الأول الابتدائي، ليعرف الفارق.

أخيراً سألت المذيعة فدا باسيل عزمي بشارة في مقابلة على تلفزيون العربي عن تعريفه للنظام الحاكم في مصر الآن، فقال بإيجاز شديد: نظام فاشي تحكمه طغمة عسكرية، وهكذا يجب أن يُعامل دولياً. وهذا هو رد الأجهزة المصرية فتعريفه هذا انتشر كالنار في الهشيم. والصراخ على حجم الألم.

العزاء فقط للمخبر العتيد، الذي ما زال مصراً على "عدة الشغل، الخرزانة، والبالطو الصوف، والمراقبة عبر صفحة الجريدة المثقوبة"، لأنه كان يهتف فرحاً، بأنه "المخبر السري"، أما مخبرو هذه الأيام فيطلّون بعصي إلكترونية ومواقع إنترنت، وأزياء باريسية، والناس يهتفون لهم: "ونعم المخبرين".
يسقط.. يسقط حكم العسكر.