اغتيالات غامضة تلاحق المسؤولين الأفغان

اغتيالات غامضة تلاحق المسؤولين الأفغان

22 مايو 2015
الجماعات المسلحة لم تتبنَّ معظم تلك الاغتيالات (فرانس برس)
+ الخط -

تتزايد الاغتيالات التي تستهدف المسؤولين في الحكومة الأفغانية وأجهزتها الأمنية، والتي كان آخرها اغتيال مسؤول في مكتب النائب العام، في موازاة الهجمات الانتحارية التي تشهدها العاصمة الأفغانية كابول، والتي كان آخرها الهجوم الانتحاري على وزارة العدل، إضافة إلى عملية ربيع "طالبان" ضد القوات الأفغانية والقوات الدولية، والتي أدت إلى اندلاع قتال عنيف بين الطرفين في بعض الجبهات كإقليم هلمند وزابل وفراه، وحصدت أرواح المئات من الطرفين في غضون الأسابيع الماضية.

وتطرح الاغتيالات المتزايدة للمسؤولين الرفيعي المستوى أسئلة عديدة، ولا سيما أن الجماعات المسلحة لم تتبنّ معظم تلك الاغتيالات. كما أن السلطات الأمنية ترفض الكشف عن ملابساتها. وهو ما يثير المخاوف من أن تكون لعمليات الاغتيال، أثار وخيمة على الوضع الميداني، لأنها تصب في مصلحة "طالبان" والجماعات المسلحة، بغض النظر عن الأسباب الكامنة وراءها والجهة التي تنفذها.

وبينما كانت وسائل الإعلام الأفغانية مشغولة بالهجمات الانتحارية المتتالية لـ"طالبان" وتدفق المقاتلين الأجانب على أفغانستان للانضمام إلى صفوف "طالبان" والجماعات المسلحة بهدف المشاركة في عملية الربيع المسماة "عزم"، ارتفعت وتيرة الاغتيالات في صفوف كبار المسؤولين في الحكومة وأجهزة الأمن، وكان آخرها اغتيال مسؤول في مكتب النائب العام، ويدعى نجيب الله سلطان زوي، في كابول. وسبق هذا الحادث اغتيال المسؤول الرفيع في الخارجية الأفغانية عزيز غني في مدينة مزار عاصمة إقليم بلخ، شمالي البلاد.

واكتفت مصادر أمنية بالإشارة إلى تعرّض غني لكمين نصبه مسلحون مجهولون، بالقرب من مقر الحكومة الإقليمية في مدينة مزار. وأكد مسؤول أمن المدينة الجنرال عبد الرزاق، أن قوات الأمن باشرت التحقيقات في الحادث لمعرفة ملابساته والوصول إلى المتورطين فيه.

وما أثار اهتمام الأوساط السياسية والإعلامية، هو كون المسؤول أحد أقارب حاكم إقليم بلخ الجنرال عطا محمد نور، القيادي البارز في جبهة الشمال، وأحد مناصري الرئيس التنفيذي للحكومة الأفغانية عبد الله عبد الله، إضافة إلى عدم تبني أي جماعة مسلحة عملية قتل المسؤول، ما يشير إلى أن هناك جهة ثالثة تنفذ الاغتيالات لأغراض غير معروفة حتى الآن. ولا يخفى على أحد وجود خلافات عميقة على مدى الأعوام الماضية، بين الجنرال عطا محمد نور، وبين نائب الرئيس الأفغاني الجنرال عبد الرشيد دوستم. كما يشير بعض المقربين من دوائر صنع القرار إلى وجود واستمرار التنافس والخلافات بين دوستم، أحد أهم القياديين في معسكر الرئيس الأفغاني أشرف غني، وبين محمد نور أحد أهم أقطاب معسكر عبد الله عبد االله.

اقرأ أيضاً: خطف أبناء "هزارة" يهدد أفغانستان بحرب طائفية

ويأتي اغتيال  سلطانزاي وغني بعد فترة وجيزة من حادث مماثل آخر أثار ضجة كبيرة في الأوساط السياسية والقبلية، ودارت نقاشات طويلة بشأنه على مختلف الأصعدة السياسية والإعلامية والشعبية، وهو حادث قتل مسؤول أمن إقليم أورزجان مطيع الله خان، الذي يُعتبر أحد رموز قبائل المنطقة التي وقفت في وجه مسلحي "طالبان" من جهة، وفي وجه بعض أمراء الحرب من جهة أخرى. الحكومة التزمت الصمت المطبق بداية، ولكن بعد إثارة القضية إعلامياً وشعبياً، أعلنت شرطة كابول أن المسؤول قُتل في عملية انتحارية وقعت في كابول، ولكن مع نقل جثمان المسؤول إلى مسقط رأسه، مدينة ترينكوت، أعلنت أسرة الضحية وقبائل المنطقة أن الرجل تم اختطافه من أمام فندق في العاصمة، ثم قُتل في مكان مجهول، وألقيت جثته في أحد أزقة العاصمة.

وعلى الرغم من أن اغتيال المسؤول لاقى اهتماماً كبيراً في الأوساط الإعلامية والشعبية، فإن الحكومة الأفغانية لم تُبدِ رغبة في فتح تحقيق في القضية، ما دفع قبائل المنطقة إلى تنظيم مسيرات واحتجاجات شعبية شارك فيها الآلاف من قبائل نيمروز، منددين بموقف الحكومة إزاء ما وصفوه بالجريمة في حق القبائل.

واتهمت قيادات قبلية كبار المسؤولين في الأمن والاستخبارات، بالوقوف وراء اغتيال الزعيم القبلي والمسؤول الذي حافظ على أمن الإقليم على مدى الثلاثة عشر عاما الماضية، وبعد سقوط "طالبان" على حد وصفهم. وطالب المحتجون الحكومة باتخاذ خطوات فورية وعاجلة لاعتقال المتورطين ومحاكمتهم، مهددين بإغلاق أبواب مقار الحكومة المحلية إذا رفضت الحكومة الانصياع لمطالبهم.

وفي تعليق له على القضية، قال أحد علماء الدين وهو يقود إحدى المسيرات الاحتجاجية في مدينة ترينكوت عاصمة أورزجان، إن "اغتيال رجل حافظ على أمن الإقليم ضياع كبير، لأنه كان السد المنيع في وجه "طالبان" وجميع الجماعات المسلحة المناوئة للحكومة". وهدد العالم بالدعوة إلى تظاهرات شعبية في كافة أرجاء البلاد إذا لم تهتم الحكومة بالقضية.

بدوره اتهم زعيم قبلي يُدعى ملك محمد ولي، الحكومة بتهميش القضية، لأن خان قُتل بيد المسؤولين في حكومة كابول، على حد وصفه. وطلب الزعيم القبلي الذي قاد الاحتجاجات في إقليم أورزجان من الرئيس الأفغاني، أن يولي اهتماماً بالقضية قبل تدهور الأمور أكثر، موضحاً أن القبائل لن تترك الحكومة المحلية لمزاولة عملها إذا لم ترضخ لمطالبها.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الحكومة المحلية ظلت صامتة، وتكتفي بالوعود الروتينية، في حين أثار اغتيال المسؤولين في الأمن والحكومة الذعر والخوف في أوساط السياسيين جميعاً. وقد أعرب البرلمان الأفغاني خلال جلسته الخاصة يوم الاثنين، عن قلقه البالغ إزاء استمرار الاغتيالات في صفوف المسؤولين في الأمن والحكومة، وطالب الحكومة وأجهزتها الأمنية بتوفير الحماية اللازمة لهم. وقال نائب رئيس البرلمان حاجي ظاهر قدير، الذي كان يترأس الجلسة، إن "أعضاء البرلمان جميعاً وبلا استثناء مهددون بالقتل والموت، وهو ما تؤكده الداخلية الأفغانية، لذا ندعو أجهزة الأمن إلى الاهتمام بالقضية".

وبينما يعتبر بعض المراقبين أن اغتيال المسؤولين مؤامرة ضد حكومة الرئيس الأفغاني، يعتبرها آخرون اغتيالات سياسية وسببها الخلافات الداخلية. كما لا يستبعد البعض أن يكون قرار الرئيس الأفغاني إقالة أمراء الحرب والمقربين إليهم من مناصب عالية، أحد أهم أسباب اغتيال المسؤولين، إضافة إلى النزاعات القبلية المترسخة في أفغانستان التي عانت من الحروب الدامية لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً. وأدت الحروب الأهلية إلى نشوب نزاعات قبلية حصدت ولا تزال تحصد الأرواح.

وأياً كان السبب فإن اغتيال المسؤولين في الحكومة والأمن، خصوصاً أولئك الذين ينتمون إلى القبائل ولهم نفوذ واسع في الأوساط القبلية، يُعتبر ضربة قوية في وجه الحكومة، ونجاحاً لـ"طالبان". ولا محالة ستكون للظاهرة آثار كبيرة على أرض المعركة. وهو ما ظهر في إقليم أورزجان بعد مقتل مطيع الله خان، إذ أشارت المصادر القبلية إلى أن مسلحي "طالبان" يبسطون نفوذهم بشكل سريع.

المساهمون