اعتياد القتل.. كفّن إنسانيتنا!

اعتياد القتل.. كفّن إنسانيتنا!

20 اغسطس 2015
ذكرى مجزرة الغوطة الشرقية (فرانس برس)
+ الخط -
ما بين مجزرة وأخرى، ومذبحة هنا وهناك، ما بين محرقة في دولة وأخرى في شقيقتها، يستمر الصمت المبتذل، والممارسات السياسية الخجولة! وما بين ما يحدث في سورية ومصر، وما يحدث في ال
عراق واليمن وفلسطين، يكون اعتياد القتل والمذبحة، في أول الأمر كان تراجعاً للبعد الإنساني داخلنا كبشريين، ثم أصبح انتفاء للإنسانية كلها من دمائنا وأرواحنا، فالقتل أمرٌ عاديّ والدم نراه ماء!

تحلّ علينا ذكرى مجزرة الغوطة الشرقية التي وقعت في 21 أغسطس/ آب 2013 والتي راح ضحاياها 1466 شهيداً، أغلبهم من الأطفال بحسب احصائيات المعارضة السورية، مع وقوع مجزرة جديدة قرب السابقة في دوما -الغوطة بريف دمشق في 16 أغسطس/ آب 2015 وسط تخاذل دولي ثقيل، وصمت مخز لم يستطع أن يتوارى! وانشغال شعبي بما تبقى من ثورات الربيع العربي.

ما بال الإنسان فينا أصبح يعتاد اللون الأحمر القاني، وقطع اللحم المبعثر في الميادين والأسواق وفي الساحات، وبقايا الجسد المحترق، ونواح الثكالى وشواهد القبور المُتخمة، لم تعد هذه الصور ترعبنا.. لماذا؟! أمسى النوم يأتينا بكل أريحية، وألسنتنا تنطق بكل شيء وعند هذه الصور يصيبها الخرس، لا احتراماً لهيبة الموت، بل لأننا كفّنّا إنسانيتنا مع الضحايا منذ زمن، ووأدنا مشاعرنا على بعد مقبرةٍ منهم!

كنّا في ماضٍ غير بعيد، تروعنا مشاهد الذبح وسلخانات جزارة الحيوان، تصدمنا الجروح القطعية وشجاج الرؤوس، ويُقبضنا مرور الجنازات وحضورها، تُفزعنا صور التعذيب في سجون الاحتلال أو الأنظمة، لكننا تحوّلنا إلى عدم الإنسانية دون أن ندري ودون أن يرّف لنا جفن!

وسط الإبادات المتتالية يقف الاعتياد عليها مظهراً يتشح باللامبالاة وعدم الاكتراث، ودخول تفاصيل المجزرة أركان حياتنا أمر بات من الصعب فصله عن روتيننا اليومي، فكان كالماء والهواء.. هل تستطيع الاستغناء عنهم؟

يظلّ النظام الأسديّ الذي يجزر شعبه ويبيده طوال الأربع سنوات دون امتعاض من دول عالم حقوق الإنسان ودون حصار له وتقديمه للمحاكمة الجنائية الدولية، هو صاحب السبق في اعتياده واعتيادنا على المقتلات اليومية دون رادع إنساني!

ومن جانب ثانٍ هناك الدول الغربية التي تؤيده وتعاونه وتمنع عنه العقوبات الدولية بحججٍ واهية كمحاربة الإرهاب الذي هم صنعوه!

ويبقى المجتمع الدولي يحمل المسؤولية الكبرى على هذا التحُّول لصمته المخيب للآمال تارة، وتُرهات تصريحاته الشاجبة والمطالبة بلغوّ ضبط النفس تارة ثانية، ومواءماته ومصالحه السياسية تارة أخرى! أما الأنظمة العربية فلا تُعوّل عليها فلا أمل منها يُرتجى، فهي والعدم سواء.

إن اعتيادنا التقتيل والموت ومشاهدة بشاعتهما قد دمرّا نفوسنا جميعاً، وحوّلا إنسانيتنا إلى خرقةٍ متهرئة، ومع مرور الوقت لن يتبقى لنا سوى صفتنا كبشر ولن يكون لكينونتنا وجود. 
ويبقى السؤال الذي يشي بالفضح: متى أصبحنا نلوك آلامنا ومجازرنا دون أن يرّف لنا جفن؟! دون حراك في المشاعر والأوصال؟ دون دموع مآقينا وارتجاف أجسادنا؟!


راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون