اعترافات بني غانتس

اعترافات بني غانتس

25 أكتوبر 2014
+ الخط -

قبيل استقبال الغزيين عيد الأضحى، تحت وقع الانتصارات، كان قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي، بني غانتس، يدلي باعترافات عن الحرب في غزة، تحت وقع الهزيمة، وهي ليست كالاعترافات التي نعلمها، فهو لم يؤد قسم اليمين المعهودة بألا يقول إلا الحق أمام المحكمة الصحافية للصحافيين، إليكس فيشمان ويوسي يهوشع، من جريدة يديعوت أحرنوت.

في المقابلة، لعب الصحافيان دور القاضي، مستفزين غانتس في أكثر من مناسبة، لمعرفة "الحقيقة"، فنجحا في استثارة غضبه مرات، لكنه دأب على المثول أمامهما، كالقائد الممسك بزمام المقابلة، مجيبا عن أسئلة، وغاضاً الطرف عن أخرى، وفي ظل حماوة "الاستجواب"، اعترف، في تلك المحاكمة، بأنه يحترم ثبات المقاومة الفلسطينية، وأنه معجب بأدائها، خصوصاً أنها صمدت خمسين يوماً، في نظره، فالواحد والخمسون يوماً التي تحدثت عنها المقاومة، واستبقت فيها المقاومة استهداف إسرائيل بالصواريخ، كما يدعي غانتس، هي يوم زائد "بغير وجه حق"، فضاقت عين غانتس حسداً به.

بدأ غانتس بالاعتراف، مزهواً ومفاخراً، بمآثر جيشه في الحرب البرية على قطاع غزة، مستدلاً بمدائح أغدقت على جيشه من مختلف الضباط في العالم، ففي نظره، ما حققه جيشه لم يسبق له مثيل، ومضيفاً من الفخر بيتا، "لقد وضعنا لهم معايير لا يعرفون ما يفعلون بها". لكن، لا يلبث لهذا الزهو أن ينكسر، فيتمتم قائلاً "نحن متجهون، مع هذا الانتصار، إلى التحقيق فيما حدث، وهو يشمل سلاح الجو"، مذكرا الصحافيين بنقيض ما قاله سابقاً، بأن سلاح الجو الإسرائيلي هو الأفضل في العالم.
 
سلاح الجو الأفضل في العالم لم يرفع معنويات المجلس الوزاري المصغر، فلغة التشاؤم والتصريحات المرتبكة خلال الحرب بدت واضحة، لكن نظرة غانتس الاستعلائية ضمت المجلس الوزاري المصغر إلى بقية الدهماء في الشارع الإسرائيلي "أنا لا أفتح "فيس بوك" لأتخذ قراراتي، نحن لا نعمل بحاجات الشارع، بل بمسؤولية ومهنية"، لكنه استدرك الموقف، فللطاقم السياسي احترامه، مذكرا الصحافيين بقراره، منذ توليه مسؤولية الجيش، بأمره الضباط عند حضور جلسات المجلس الوزاري المصغر، أن يدلوا بآرائهم واقفين، احتراماً وأخلاقاً.

وبدل أن يرد المجلس الوزاري الجميل لغانتس، فقد خانه مرات، عندما استمع لتقديرات الوضع في حرب غزة من جنرالات في جيشه من دون علمه، فأردف قائلاً، وبحزم "أنا مدير هذا الجيش، ولقد ضبطت هذه الاتصالات"، لكنه ما لبث أن تقمص دور القاضي، وأصدر حكماً تخفيفياً، تحت عنوان حرية إبداء الرأي لقادة الجيش.

ثم دخلت المحاكمة في الملفات الشائكة والمعقدة، فالحرب استغرقت خمسين يوماً، وفقا لحسابات إسرائيلية، والصواريخ استهدفت مختلف المدن في فلسطين المحتلة، فأومأ بني غانتس أنه غير راض، وأوعز هذا الأمر إلى سوء التقدير، فما كان من فيشمان ويهوشع إلا أن ضغطا على موقف غانتس الضعيف، ليوجها له ضربة قوية، تخلخل دفاعاته، فأدخلاه في متاهة أنفاق المقاومة في غزة، فتهرب من الجواب المباشر، معتبراً أنه كان لدى الجيش علم بالأنفاق، ووضع خططا مسبقة لها، لكنه كان يتعامل معها يومياً، على غير المخطط له، مختتماً حديثه بالقول "هذا هو الجميل في الحرب".

وهل كل ما في الحرب جميل؟ فالمخاطر الأمنية المحدقة بإسرائيل كبيرة من جهات عديدة، والحرب في غزة استنفذت ذخائر كثيرة، فهل أحدثت غزة عجزاً في احتياط الذخيرة لدى الجيش، كانت معدة لجبهات أخرى؟ يجيب غانتس متوتراً، ويفاجئنا  بكمية الحقد الإسرائيلية، أن القرار كان في الحكومة، الإصرار على استهداف غزة مهما كان الثمن وبالوتيرة نفسها، لكن الجيش لم يحقق شيئا، فيستشيط غضباً، بعد هذا الاعتراض، ليسكت محاوريه بجواب غير واضح، وليزيد الغموض غموضا "لقد فعلنا ما أردنا فعله".

وعلى الرغم من أجواء فرض الاحترام التي حاول غانتس أن يضفيها على أجواء اللقاء، والرد على الأسئلة بجدية وحزم، إلا أن رتبة قائد جيش لم تشفع له وتمنع استهزاء فيشمان ويهوشع به، عندما ذكّراه بخطاب ألقاه في الحرب، داعيا فيه المستوطنين من غلاف غزة للرجوع إلى مساكنهم، وهي غير آمنة، حيث تعرضت للقصف، فكان جوابه مدعاة للضحك والسخرية، "الإسرائيليون لم يفهموا خطابي"، وكأنه يتكلم السنسكريتية، وفي سؤال هل أنت نادم؟ أجاب لا، لكنه يؤلمه تألم أناس آخرين، وبالتأكيد، هو لا يقصد تألم الغزيين.

فيشمان ويهوشع لم تنطل عليهما حيلة ادعاء الحزن على "الإسرائيليين المتألمين"، فهذا الشعور الزائف لا يعزي الإسرائيليين، والمقاومة الفلسطينية أطلقت مئات الصواريخ، وأثبتت أنها قادرة على الثبات والصمود، وعلى الرغم من أن "أفضل سلاح جو في العالم" استهدف تسعمائة هدف في غزة، فإن على غانتس أن يحتفظ بتلك المشاعر لنفسه، فيرضخ بني غانتس محبطاً، تحت وقع ضربة قاسمة، مصرحاً بما لا يمكن إنكاره "العدو الذي واجهناه عمل بطريقة مميزة، وأنشأ بنية تحتية، وأعد نفسه لمعركة طويلة، وبنى نفسه بناء صحيحاً، لكي يبقى في هذا النوع من القتال"، وختم كلامه قائلا "أعتقد أننا لا يمكن إلا أن نحترم ثباته".

هي اعترافاتٌ لا تتمتع بمصداقية كاملة، كذبتها المعارضة الإسرائيلية ومواقع التواصل الاجتماعي، وهي محاكمة غير نزيهة، فالاعترافات ناقصة، والأجوبة مشوشة، والقاضيان متواطئان، وغاب عنهما مع سبق الإصرار والترصد، السؤال عن أهداف الحرب، وفي مقدمتها القضاء على صواريخ المقاومة، كما وعد غانتس قبيل الحرب. الأهم من ذلك، ماذا عن الأسرى الإسرائيليين في قبضة المقاومة، والأعداد الحقيقية للقتلى والجرحى من الجيش الإسرائيلي، وعدد الدبابات المدمرة، وقوة الالتحام الأرضي مع المقاومة، والمدارس والمستشفيات والأبنية السكنية التي استهدفها الجيش "الأخلاقي" الإسرائيلي في غزة، والخوف من الملاحقة القانونية  لضباط الاحتلال كمجرمي حرب..
 وغيرها كثير.

غانتس، ستذكر محكمة التاريخ ما أخفيته عمداً، ولو بعد حين.

F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)