اعتداءات بلجيكا... نبوءات الكارثة بعد إنذار الـ"ها قد بدأنا"

اعتداءات بلجيكا... نبوءات الكارثة بعد إنذار الـ"ها قد بدأنا"

23 مارس 2016
الرعب سيد الموقف في بلجيكا وأوروبا (ديرك وايم/فرانس برس)
+ الخط -
لا يشبه استهداف بروكسل ضرْب أي مدينة أوروبية أخرى. فبروكسل "عاصمة أوروبا"، كونها مقر الاتحاد الأوروبي الذي اهتزت مكاتبه في تفجيرات مترو مالبيك، بعد دقائق من تفجيري المطار، أحدهما انتحاري، صباح أمس الثلاثاء، في يوم انضمّ إلى أشقائه من الأيام السود في القارة العجوز منذ كارثة نوفمبر/ تشرين الثاني الباريسي. كأن كل تفصيل دُرس بعناية من قبل المهاجمين: المكان، الطريقة، والزمان طبعاً. ضرب مطار بروكسل الرئيسي لا يحتاج لشرح لناحية أن الطرف المهاجم أراد القول إنه قادر على الوصول إلى أخطر مكان في أي بلد في العالم: مطاره. وحين لم يكن ضرب المطار كافياً لإيصال الرسالة الدموية، تم التفجير في أخطر محطة مترو، مالبيك، المؤدية إلى حي شومان حيث مؤسسات الاتحاد الأوروبي ومفوضيته.

اقرأ أيضاً: من هما المتهمان بهجمات بروكسل؟

توقيت الهجوم، بعد ثلاثة أيام من اعتقال صلاح عبد السلام ورفيقيه، يتحدث عن نفسه. أما الطريقة، ففيها ما يكفي من محاكاة لهجمات باريس، لجهة الضرب في أكثر من مكان حساس بشكل متتالٍ لا تفصل بين الهجمات سوى دقائق. صحيح أن الضربة الموجعة باستهداف المطار بانتحاري وبقنبلة مروعة في حقيبة، لا توصف، لكن الفزع انخفضت وتيرته حين تبين أن التفجيرين الانتحاريين ضربا مدخل المطار، أي في مكان وضع حقائب السفر، قبل اجتياز الحواجز الأمنية والتفتيش الدقيق. حصيلة القتلى في يوم الرعب ناهزت الأربعين قتيلاً والمائتي جريح، العدد الأكبر منهم سقطوا في محطة المترو. الجنون الاستثنائي أمنياً ترجم سريعاً بوقف حركة المترو والقطارات في كل العاصمة البلجيكية وبإقفال الحدود وبقرار حظر النشر على معلومات الهجمات وإنزال الجيش إلى الشوارع وبحملة تفتيش واعتقالات لمشتبه بهم ومحاصرة المحطات النووية والجامعات وتشديد الأمن حول القصر الملكي البلجيكي والاستنفار حول كل المقرات الاقتصادية السياحية السياسية الحساسة في المملكة الصغيرة. كلها إجراءات حولت بلجيكا، وأوروبا عموماً، إلى ما يشبه وضعها غداة هجمات باريس. 

اقرأ أيضاً: بلجيكا تعتقل صلاح عبد السلام.. العلبة السوداء لاعتداءات باريس

قبل يوم من هجوم بروكسل، الثلاثاء 22 مارس/ آذار، ذهب عدد من المختصين الأمنيين والسياسيين في الاتحاد الأوروبي إلى الخلاصة نفسها التي توصلت إليها الشرطة الفرنسية عشية هجمات الثالث عشر من نوفمبر/ىتشرين الثاني الماضي، ومفادها: "ها قد بدأنا"، بمعنى أن هجمات باريس، كما بروكسل، ليست إلا بداية الكارثة. كلام تردد في بلجيكا تحديداً في نهاية الأسبوع الماضي، على خلفية اعتقال صاحب إنذار الـ"ها قد بدأنا"، أي صلاح عبد السلام، مهندس هجمات باريس الذي اعتقل في بروكسل يوم الجمعة. كلام كاد رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل يقوله حين أشار حرفياً إلى أن حكومته "كانت تخشى حصول ما حدث". وينبع سبب التشاؤم البلجيكي من الخشية التي تولدت عند كثيرين إزاء "إيقاظ الخلايا النائمة" التي ترجمت باعتقال عبد السلام ورفيقيه، بينما لا يرى آخرون رابطاً بين الأمرين، ودليلهم أن عمليات "كبيرة" مثل تفجيرات المطار ومترو مالبيك لا يمكن أن تكون عبارة عن انتقام عفوي أو سريع على اعتقال عبد السلام، بل مخطط لها بعناية منذ فترة طويلة.


لكن يبدو بالفعل أن التحذير قبل أقل من 24 ساعة من ضرب "عاصمة أوروبا" ينبع عن معلومات أكثر من تخمينات، وهنا تكمن المشكلة لأن "البعض يأخذون ما يطرح كتخمينات بالرغم من أن الساسة يدركون تعقيدات ما يجري وبالرغم من ذلك أصابتنا شظايا التفجير قرب مكاتبنا في قلب مباني الاتحاد"، على حد تعبير موظفين أوروبيين رفيعي المستوى تحدثوا لـ"العربي الجديد".

اقرأ أيضاً: الشرطة البلجيكية تنشر صور المشتبه بهم بتفجير مطار بروكسل

اعترفت السلطات الأمنية البلجيكية بأن اعتقال عبد السلام لن يكون نهاية المطاف، ومثلها فعلت أجهزة أمنية وسياسيون وبرلمانيون أوروبيون، وهي جميعها ذهبت منذ أشهر إلى حالة من التأهب والإجراءات "لم تكن جميعها مرئية لمواطنين أوروبيين انطلاقاً من ضرورة ألا تبدو أوروبا، وخصوصا دول معنية بملف الإرهاب، وكأنها تعيش ابتزاز التحول إلى دول بوليسية". كلام يحيل تلقائياً إلى الصراع البالغ ذروته في "عاصمة أوروبا" بين كتل تشريعية بعضها يريد منح كل الصلاحيات الأمنية التي تطالب بها الأجهزة الأمنية للتعاون المشترك، بينما آخرون يرون في ذلك رخصة لخرق الحقوق الأساسية لمواطني الاتحاد، والذين يعتبرون حرياتهم الشخصية بمثابة المقدس.


في بروكسل وعاصمة أوروبية أخرى، تتحدث مصادر "العربي الجديد" عما يمكن أن يطاوله حظر النشر الذي فرضته السلطات البلجيكية، أمس، بما أن بثّه أو نشره يمكن أن يعتبر "مرعباً"، ذلك أن عبد السلام ليس الناجي الوحيد من هجمات باريس وليس هو العقل المدبر فقط، بل إن هناك مجموعتين تنشطان وبقوة في دول أخرى غير بلجيكا وفرنسا.

اقرأ أيضاً: نتنياهو يستغل الاعتداءات الأوروبية للتحريض على الفلسطينيين

استهداف عاصمة أوروبا، أي بروكسل، سيوفر بلا شك فرصة ذهبية لمزيد من تعقيد حياة اللاجئين، في ما بات يطلق عليه أوروبياً "خدمة متبادلة غريبة تجري بين داعش واليمين المتطرف في أوروبا ومن يدفع الثمن في النهاية نحن جميعاً كمواطنين من شتى الخلفيات". كلام يتجاوز المخاوف الحقوقية الإنسانية ليتردد اليوم في أوروبا على ألسنة أمنيين باتوا على قناعة بأنه ثمة مخاطر كثيرة في تداعيات "اللجوء الذي توقف بشكله الذي شهدناه يعبر البلقان"، وبات منطق الاتهام الجماعي منتشراً في الاتحاد بأن "هؤلاء بينهم إرهابيون، إذا ما أخذنا خط سير عبد السلام ومجموعته بين اللاجئين". وفي هذا المجال، يظهر اليمين القومي المتطرف في عزّ أيامه، مع تشكيل مجموعات "دفاع ذاتي" تحت بصر الأمن الرسمي من هيلسنكي شمالاً حتى ألمانيا وهولندا، والخشية من توسعها لتشمل فرنسا وبلجيكا في إشارة مبطنة لما يتوقعه بعضهم من "حرب أهلية أوروبية". الإشارة الأخيرة تتردد كثيراً منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على لسان مجموعة من الجيل الثاني من المهاجرين وبعض أطراف اليمين المتطرف الذي يشمل نازيين جدداً.

اقرأ أيضاً: أردوغان: تفجيرات بروكسل دنيئة ولا تختلف عن هجمات تركيا

وبروكسل بالنسبة للعقل الأوروبي الرسمي، ليست مجرد عاصمة بلد، والشظايا التي يتحدث عنها برلماني أوروبي يقصد بها "مخاوف جدية من انهيارات أوروبية حقيقية بنتيجة اختلافات حول كيفية التعاطي مع هذه المعضلة الكبيرة". يخشى هؤلاء من أن تستغل هجمات بروكسل ليكتسح التطرف القومي البلدان الوطنية وتتعزز تكتلات اليمين في البرلمان الأوروبي لمزيد من تمرير قوانين متطرفة.

معضلة "الجهاديون" أو ما يسمون "محاربو سورية"، وبعض المصادر الأوروبية الرسمية تقدر عددهم بـ8 آلاف، تأخّر "الاتحاد والدول الوطنية في حلها جذرياً بخطوات أخرى غير التهديد بسحب الجنسيات، فالهروب من استحقاقات التاريخ الكولونيالي لدولة أوروبية، وترك الشعب السوري يذبح من دون حراك على يد نظام بشار الأسد و"داعش"، أنتج مشاعر عداء بنيت على ما سبقها من مشكلة الهوية والاعتراف بهؤلاء وشعورهم بالنبذ دائماً"، على حد تعبير برلماني أوروبي.


غياب التعقل في ردود الفعل الشعبية والرسمية، وهو ما برز في التعاطي الإعلامي لدرجة دفع بالسلطات إلى فرض حظر النشر، سيغذي وفق مختصين "الإسلاموفوبيا" وزيادة الشحن ضد مواطنين أوروبيين مسلمين بما يشبه اتهاماً جماعياً يفرض قوانين تشبه "الطوارئ" بحق مئات الآلاف. أمر يخشى بعضهم أن يولد توترات يصطاد فيها التطرف في جهتيه المهاجرة والأوروبية.

اقرأ أيضاً: "داعش" يعلن مسؤوليته عن هجمات بروكسل

المساهمون