اسقاط المقاتلة الروسية يهدد عقوداً بـ 44 مليار دولار

اسقاط المقاتلة الروسية يهدد عقوداً بـ 44 مليار دولار

25 نوفمبر 2015
استبعاد تأثر عقود الغاز الجارية بهذا التوتر (Getty)
+ الخط -
فيما قال رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف يوم الأربعاء إن إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية قد يؤدي إلى إلغاء بعض المشروعات المشتركة المهمة بين البلدين وإن الشركات التركية قد تخسر حصتها في السوق الروسية، استبعد خبراء غربيون أن تكون إمدادات الغاز الروسية إلى تركيا ضمن المشاريع التجارية التي ستتأثر بالتوتر السياسي والعسكري بين البلدين.
وتوقعت صحيفة "برافدا" الروسية الصادرة أمس أن تلغي الحكومة الروسية مشاريع كبرى من المشاريع التجارية التي تم التعاقد عليها مع تركيا خلال العامين المقبلين. وتقدر قيمة العقود التجارية الموقعة بين البلدين حتى نهاية العام الماضي 2014، بحوالى 44 مليار دولار، كما تعد تركيا من أهم زبائن الغاز الروسي، خارج أوروبا.
ونسبت صحيفة" كوميرسنت" الروسية التي تُعنى بشؤون التجارة إلى مصادر في الرئاسة الروسية قولها، أن موسكو سترد بقوة وستتخذ إجراءات تجارية قاسية ضد تركيا.
ومن بين الإجراءات التي ذكرتها الصحيفة التجارية، إيقاف التعاون العسكري كلياً مع أنقرة، كما ستلغي المشاريع التجارية المشتركة بين الجانبين. كما قالت مصادر رئاسة الروسية في تصريحاتها للصحيفة الروسية كذلك أن شركة غازبروم الروسية ستعيد النظر في جدوى مشروع أنابيب الغاز الطبيعي المقترح إلى تركيا. وهو أنبوب غاز "تركيش ستريم"، الذي وقعت شركة غاز بروم مذكرة تفاهم مع شركة بوتاش التركية لمد أنابيب تحت "البحر الأسود" لنقل 63 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى تركيا ومن ثم تصديره إلى أوروبا. وهو من المشاريع المهمة للجانبين، حيث كانت تركيا وعبر هذا الأنبوب وأنابيب أخرى لنقل الغاز الطبيعي من دول آسيا الوسطى والبلقان، تأمل في التحول إلى مركز عالمي لتجميع الغاز الطبيعي وتصديره إلى أوروبا.
كما أن خط أنابيب "تركيش ستريم"، كذلك من الخطوط المهمة بالنسبة لروسيا، التي تبحث عن زبائن للغاز الطبيعي وتحويل جزء كبيرمن صادراتها إلى أوروبا عبر خطوط أنابيب تمر خارج الأراضي الأوكرانية ولا تمر بأراضي دول الاتحاد الأوروبي، حتى لا تخضع إلى قوانين الاتحاد الأوروبي التي تفرض عليها إجراءات لا ترغب فيها عبر قانون منع الاحتكار. وتصر المفوضية الأوروبية على عدم احتكار غازبروم لخطوط أنابيب الغاز في أوروبا، كما ترفض غازبروم استخدام خطوطها لنقل غاز من مصادر غاز أخرى.

ولكن رغم هذه التهديدات، فإن موسكو تتخوف من أن تتخذ تركيا إجراءات عقابية في حال الرد التجاري الروسي العنيف. من بين هذه الإجراءات العقابية التي تتخوف منها موسكو، وقف صادرات النفط الروسي عبر خليج البُسفور وخليج الدردنيل. وتستخدم روسيا حالياً هذه الخلجان لنقل الوقود إلى طائراتها الحربية في قاعدة مطار حميميم بالقرب من مدينة اللاذقية بسورية. ولكن حسب مصادر غربية، فإن تركيا قد لا تتخذ مثل هذه الإجراءات العقابية ضد روسيا، إلا في حال نشوب حرب بين البلدين.
ومن بين الإجراءات العقابية الأخرى التي تحدثت عنها مصادر الرئاسة الروسية، إعادة النظر في الاتفاق النووي الموقع بين موسكو وأنقرة لإنشاء مفاعلات نووية، وهو عقد كبير بالنسبة للشركات الروسية، حيث تبلغ قيمته 22 مليار دولار. وفي حال وقف هذا التعاقد ستتضرر بشدة الشركات الروسية، فيما ستجد تركيا بديلاً بسهولة للعقد الروسي. وحتى الآن خسرت روسيا في الدراسات الأولية لهذا المشروع.
ولكن في مقابل هذه التصريحات المتشددة، يعتقد خبراء غربيون أن ليس لدى البلدين مصلحة في زيادة التوتر السياسي أو العسكري أو حتى عرقلة المصالح التجارية المهمة بين البلدين، خاصة وفي هذا الظرف الاقتصادي والمالي الصعب الذي تمر به الدولتان.
وتعاني روسيا حالياً من انخفاض إيرادات النفط والغاز الطبيعي، وتدهور قيمة الروبل، كما تعاني من الحظر الغربي الذي أثر على أسواقها وحصولها على القروض المالية من المصارف الغربية.
كما تواجه روسيا صعوبات مالية جمة كانت ستقودها إلى الإفلاس، لولا الدعم الذي وجدته من الصين وصفقات الغاز التي وقعتها مع بكين والعملات الصعبة التي تجدها من تدفق السياح الصينيين. وبالتالي، فإن روسيا بحاجة ماسة إلى السوق التركية التي تعد ثاني أهم الشركاء التجاريين. وكانت شركة روسنفت قد حصلت أمس على 15 مليار دولار من الصين كمقدم لمبيعات نفط مستقبلية.

اقرأ أيضا: روسيا وإيران تستعرضان قوتهما الاقتصادية

وعلى الصعيد التركي يستبعد خبراء الغاز الغربيون أن توقف تركيا إمدادات الغاز الروسية في الوقت الراهن. في هذا الصدد يقول الخبير البريطاني جون روبرتس "في الغالب أن تركيا لن توقف ترتيبات الغاز الذي تتعاقد عليه حالياً وتستورده من روسيا، ولكنها ربما تبحث عن بدائل للغاز الروسي في المستقبل، إذا استمر التوتر السياسي والعسكري بين البلدين". وأضاف روبرتس في تصريحات لوكالة بلومبيرغ "ربما تدرس تركيا بدائل للغاز الروسي في المستقبل، مثل استيراد الغاز المسال من أميركا أو إيران".
لكن خبراء آخرين يعتقدون أن تركيا يمكنها في المستقبل استيراد الغاز القطري المسال، حيث يمكن بسهولة توجيه بعض الشحنات التي تبيعها قطر حالياً في السوق الفورية الأوروبية إلى تركيا. كما أن تركيا يمكنها التعاون مع شركات الطاقة الأميركية الكبرى، خاصة شركة إكسون موبيل، لتطوير الغاز التركمنستاني الذي تستغله شركة غازبروم حالياً وتشتريه بثمن بخس من الحكومة التركمنستانية. وهناك خلاف شرس بين تركمنستان وروسيا حول أسعار الغاز الطبيعي.

يذكر أن تركمنستان رغم صغر حجمها، تملك خامس أكبر احتياطي للغاز الطبيعي بعد روسيا وإيران وقطر والولايات المتحدة.
وتصدر روسيا كميات من الغاز الطبيعي تقدر قيمتها بحوالى 62 مليار دولار، وتعد تركيا ثاني أكبر مستورد للغاز الطبيعي الروسي بعد دول الاتحاد الأوروبي، حيث تستورد سنوياً حوالى 27.3 مليار مترمكعب، فيما تستورد أوروبا حوالى 69.2 مليار متر مكعب وتستورد ألمانيا وحدها 38.7 مليار متر مكعب من الغاز الروسي.
ويرى محللون غربيون في صناعة الغاز أن روسيا لن تضحي بالسوق التركية المهم في وقت يزداد فيه المعروض من الغاز الطبيعي العالمي، وتصبح السوق العالمية للغاز سوق مشترين أكثر منها سوق بائعين، حيث تزداد عالمياً كميات الغاز المعروض للبيع ويقل عدد الزبائن.
وكان نائب وزير الطاقة الروسي أناتولي يانوفسكي قد قال في تصريحات أمس الأربعاء أن إمدادات الغاز الطبيعي إلى تركيا سوف تستمر حسب التعاقد الجاري مع شركة غازبروم.
على صعيد الأسواق المالية، يلاحظ أن تأثير التوتر الروسي التركي انعكس حتى الآن على الشركات المرتبطة بالتجارة بين البلدين، ففي روسيا فقد سهم بنك "سيبربانك بي جي إس سي" حوالى 4.0% من تعاملاته يوم الثلاثاء.
وبنك سيبربانك أكبر البنوك الروسية، وهو من البنوك التي تدير معظم العمليات التجارية الروسية مع تركيا. كم انخفض سعر سهم غاز بروم في نهاية تعاملات الثلاثاء وفقد 17% من قيمته بسبب احتمالات فقدان صفقة "تركيش غاز".
وعلى صعيد السندات الحكومية الروسية، بدأ المستثمرون أمس عمليات بيع مكثفة لسندات الخزانة الروسية أجل 5 سنوات، حيث ارتفعت الفائدة عليها 19 نقطة مئوية، لترتفع إلى 10.07%، وهي أعلى نسبة ارتفاع منذ أغسطس/آب.
وفي السوق التركية، تراجع مؤشر الأسهم التركية الذي يقيس أداء الـشركات الـ100 الكبرى في بورصة إسطنبول في ختام تعاملات الأربعاء إلى أدنى مستوياته منذ 6 أسابيع، وكان المؤشر قد فقد 4.4%، من قيمته يوم الثلاثاء، كما ارتفعت كذلك الفائدة على سندات الخزانة التركية بنسبة 12 نقطة مئوية إلى 10.58 %. كما هبطت الليرة التركية بنسبة 0.8% مقابل الدولارفي تعاملات يوم الثلاثاء، وواصلت الليرة التركية أمس هبوطها وسط مخاوف من تداعيات التوتر الروسي التركي على التجارة النشطة بين البلدين.

اقرأ أيضا: تركيا وروسيا..إسقاط طائرة عسكرية يهدّد مشاريع الطاقة والسياحة

المساهمون