استقلال اسكتلندا.. الجدل يحتدم حول مصير المملكة المتحدة

استقلال اسكتلندا.. الجدل يحتدم حول مصير المملكة المتحدة

13 اغسطس 2014

استقلال اسكتلندا قد يهدد وحدة "بريطانيا العظمى" (Getty)

+ الخط -

يشتد الجدل في أطراف المملكة المتحدة، وتسخن حملات الترغيب والترهيب، مع اقتراب موعد الاستفتاء المزمع عقده في 18 سبتمبر/أيلول المقبل، بشأن انفصال اسكتلندا عن الاتحاد البريطاني، أو بقائها ضمن المملكة المتحدة، التي تضم، إلى جانب اسكتلندا، كلاً من إنجلترا، وويلز، وإيرلندا الشمالية.

يقول أنصار الانفصال إن اسكتلندا المستقلة سوف تكون دولة قوية وغنية، لكنها غير مجبرة على التخلي عن الجنيه الإسترليني، ويمكن أن تستمر في تداوله عملة رسمية للبلاد. في المقابل، يقول أنصار الاتحاد البريطاني إنه لا يمكن لاسكتلندا منفصلة أن تختار ما تشاء من الميزات، التي يمنحها الاتحاد، وتتخلى عما تشاء من الالتزامات.

لماذا تخشى لندن استقلال اسكتلندا؟


تخشى الحكومة المركزية في لندن من إمكانية انتصار أنصار الانفصال. لذلك، شرعت مبكراً في حملاتٍ لحشد التأييد لصالح الحفاظ على اسكتلندا، ضمن الاتحاد البريطاني. وترى الحكومة المركزية البريطانية أن حمّى الانفصال قد تنتقل، في حال نجح الاسكتلنديون الانفصاليون في تحقيق أهدافهم، إلى إقليمي ويلز وإيرلندا الشمالية، خصوصاً وأن للأخيرة تاريخاً طويلاً ودامياً من النضال من أجل الاستقلال عن سلطة لندن. فالروح الانفصالية بين هذه المقاطعات تتأثر الواحدة بالأخرى. وكانت الحركات القومية الاسكتلندية المطالبة بالاستقلال، والتي تشكلت في لندن في عشرينيات القرن الماضي، قد تأثرت بأفكار حركة شين فين الإيرلندية.

وقد عبّر عن هذه المخاوف سياسيون ومسؤولون في الحكومة البريطانية، بين حين وآخر، لافتين إلى أن بريطانيا تتجه نحو التفكك والانهيار في السنوات المقبلة، في حال قرر الاسكتلنديون الاستقلال، مدعين أن استقلال اسكتلندا لن يؤثر على إيرلندا الشمالية فحسب، وإنما، أيضاً، على مقاطعة ويلز، التي بدأ بعض سياسييها يناقشون مسألة الاستقلال بشكل علني.

ويلاحظ أن الروح الانفصالية لدى الويلزيين ليست عالية، مقارنة بالتي لدى الاسكتلنديين والإيرلنديين الشماليين، إلا أن ويلزيين عبروا عن مخاوفهم من هيمنة النواب الإنجليز على البرلمان البريطاني، في حال انفصال اسكتلندا، وطالبوا بالمساواة في التمثيل في البرلمان بين عدد النواب عن المقاطعات البريطانية الثلاث: إنجلترا وإيرلندا وويلز.

نقاط حملات لندن وحكومة اسكتلندا:

 
1-اسكتلندا المستقلة سوف تكون دولة قوية وغنية، لكنها غير مجبرة على التخلي عن الجنيه الإسترليني، ويمكن أن تستمر في تداوله عملة رسمية للبلاد.

2-عوائد حقول النفط البريطانية، التي تقع معظمها في شمال اسكتلندا وشرقها، لن تفيد الإقليم كثيراً، إذا بقيَ الأخير تابعاً لبريطانيا. ويقول أنصار الاستقلال من الاسكتلنديين إن نفط اسكتلندا سيحقق للإقليم مدخولاً يومياً يصل إلى 32 مليون جنيه استرليني، أي ما يساوي 12 مليار جنيه سنوياً. 

3-تعد اسكتلندا رائدة عالمياً في مجال إنتاج الطاقة من الرياح، وهذه الطاقة ستوفر لها عائدات وفرص تنمية أكثر مما يوفره النفط والغاز.

4-يدّعي الحزب القومي الاإسكتلندي، الذي يتزعم هذه الحملة، أن الاستقلال بوجود الاتحاد الأوروبي يوفر البيئة الدولية، التي تستطيع فيها الدول الصغيرة أن تنمو.

5-يقول مؤيدو الاستقلال إن الاتحاد الأوروبي يكلف كل بريطاني نحو 234 جنيهاً في العام، فيما يكلف البقاء ضمن المملكة المتحدة كل اسكتلندي 2300 جنيه سنوياً.

6-البقاء في الاتحاد البريطاني يكلف اسكتلندا 34.5 مليون جنيه يومياً، بحسب هؤلاء.

7-كما يقول هؤلاء إنه، في حال استقلالها عن الاتحاد البريطاني، تتخلص اسكتلندا من نصيبها من مجموع ديون المملكة المتحدة، والبالغة 62.5 مليار جنيه إسترليني. وتبلغ ديون المملكة المتحدة 175 مليار جنيه استرليني.

منصة ناقلات غاز بحرية في شمال إسكتلندا (أغسطس/2014/Getty)

في المقابل، تركز حملات الحكومة البريطانية على ما يوفره الاتحاد البريطاني من عوامل القوة السياسية والاقتصادية للأقاليم الأعضاء، وبالمقابل على المخاطر، التي تتهدد مستقبل اسكتلندا، في حال اختار سكانها الانفصال وإعلان دولتهم المستقلة. 




ويروج أنصار الاتحاد البريطاني في حملتهم على النقاط التالية:

1-لو حصلت اسكتلندا على عائدات نفط بحر الشمال بالكامل، لن تتمكن من سداد العجز في ميزانيتها في 18 سنة مقبلة.

2-لن تسمح لندن لاسكتلندا مستقلة بتداول الجنيه الإسترليني عملة رسمية، وإذا انضمت اسكتلندا إلى العملة الأوروبية الموحدة، باختيارها أو مجبرة، فذلك يعني خسارة فادحة للاسكتلنديين من الناحية الاقتصادية.

3-سيتكلف الاقتصاد الاسكتلندي أعباء مالية كثيرة لاضطرار مرور معظم الصادرات والواردات الاسكتلندية عبر الأراضي البريطانية في اتجاه أوروبا. ولن يكون في وسع اسكتلندا تفادي المرور في الأراضي البريطانية، لأن مطاراتها وموانئها غير مؤهلة للقيام بكامل النشاط الاقتصادي المتوقع.


المناظرة الأولى واستطلاعات الرأي


أجريت المناظرة التلفزيونية الأولى، التي طال انتظارها، الأسبوع الماضي، في مدينة غلاسكو في اسكتلندا، بين رئيس الوزراء الاسكتلندي، أليكس سالموند، ويمثل معسكر المطالبين باستقلال اسكتلندا عن الاتحاد البريطاني، ووزير الخزانة البريطاني السابق ورئيس حملة "الوحدة أفضل"، التي تدعو الى بقاء اسكتلندا في الاتحاد، ألستير دارلنغ، بعد أسابيع من تحضيرات وتكهنات حول المُناظر الذي سيخرج منتصراً.

وشهد النقاش بين الرجلين تراشق اتهامات متبادلة، حاول فيها المناظران الدفاع عن قضيتهما، لكسب مزيد من المؤيدين. واتهم دارلنغ رئيس الوزراء الاسكتلندي بأنه لا يستند، في طروحاته، على قواعد متينة في الدفاع عن أهمية الاستقلال بالنسبة إلى اسكتلندا، وإنما كان "يمنّي نفسه بأن اسكتلندا ستنجح، في حال انفصالها عن الاتحاد البريطاني، ولديه حدس بأن الاستقلال سينجح".

وعمد دارلنغ إلى تكرار السؤال لخصمه بشأن خططه بخصوص العملة التي سيستخدمها الاسكتلنديون لإحراجه، بعد أن رفضت الأحزاب البريطانية، بشكل قاطع، استخدام الاسكتلنديين الجنيه الاسترليني، في حال صوتوا للاستقلال. ولم يكن مقنعاً جوابُ سالموند أنه "سنستخدم الجنيه، فهو ينتمي إلى اسكتلندا بقدر ما ينتمي إلى إنجلترا".

فقد تناول الرجلان قضايا أخرى، بالإضافة إلى العملة، منها الاقتصاد والأسلحة النووية. وبدا تصريح سالموند لتبرير دعوته إلى الاستقلال عاطفياً، أكثر من كونه عقلانياً، إذ قال إن "لا أحد يدير اسكتلندا أفضل ممن يقطنون فيها، وهذه أول فرصة تتاح لنا، ويجب ألا نخسرها".

ويرى مراقبون أن دارلنغ نجح في هذه المناظرة في استقطاب اسكتلنديين مترددين في الاختيار، والذين يقدر عددهم نحو 6% ممن يحق لهم الاشتراك في الاستفتاء.

وجاءت استطلاعاتٌ للرأي أجرتها منظمة "آي سي إم" البريطانية على 500 من الاسكتلنديين، مخالفة للتوقعات، إذ كشفت عن أن المناظرة رفعت حملة "الوحدة أفضل"، التي يتزعمها دارلنغ إلى 56%. وكانت استطلاعات الرأي قد أظهرت أن أكثر من 54 % من الاسكتلنديين يفضلون البقاء في كنف بريطانيا، بينما يعارض الفكرة 40%.

وأظهرت المناظرة أن القائمين على حملة دعم الاستقلال يواجهون صعوبات في إقناع هؤلاء المترددين، في وقت أعلن فيه خصومهم فوزهم، على الرغم من أن ساحة دارلنغ لم تكن خالية من الأشواك، فقد أحرجه خصمه، عندما حمل حزب العمال، الذي ينتمي إليه دارلنغ، مسؤولية الاخفاقات الاقتصادية، خصوصاً إعلان المصارف إفلاسها، في أثناء فترة إدارتهم حكومتهم الأخيرة.

وسيبقى الجدل والنقاش بشأن استقلال اسكتلندا عن الاتحاد البريطاني محتدماً، وسيشتد مع اقتراب موعد الاستفتاء، الذي سيحدد مستقبل بريطانيا العظمى. ومن المتوقع أن تبذل الحكومة البريطانية، بمحافظيها وليبرالييها، بالإضافة إلى حزب العمال المعارض، كل ما في وسعهما للحيلولة دون فوز الحزب الوطني الاسكتلندي، في حملاته الداعية إلى استقلال اسكتلندا، وسيلجآن إلى كل أصناف الترغيب والترهيب، لحث الاسكتلنديين على التصويت لبقاء اسكتلندا ضمن الاتحاد البريطاني.

دلالات