استفحال أزمة كهرباء غزة... وتكاليف المولدات ترفع أعباء التجار

استفحال أزمة كهرباء غزة... وتكاليف المولدات ترفع أعباء التجار

25 ديسمبر 2017
التجار يعانون بسبب انقطاع الكهرباء (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
يحمل الجزار الفلسطيني أبو محمد نجم، قطعة لحم كبيرة، برفقة ابنه، ليعلّقاها على واجهة محلهما التجاري، في سوق الشاطئ الشعبي غربي مدينة غزة، آملاً في أن يتمكن من بيعها قبل نهاية اليوم، خشية تعرّضها للتلف نتيجة الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، والذي ألحق به خسائر مادية كبيرة.
الفلسطيني نجم واحد من تجار قطاع غزة، الذين تأثروا نتيجة الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي، إذ ساهم ذلك الانقطاع في إلحاق الضرر بالمصانع والمنشآت التجارية، التي تعتمد على الكهرباء بشكل رئيسي لحفظ المنتجات، إلى جانب تأثيره على مختلف النواحي الحياتية، الصحية، التعليمية، الإنسانية، والاجتماعية، في القطاع المحاصر منذ أحد عشر عاماً من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

ولم ينجح الحل البديل أمام تجار قطاع غزة، والمتمثل في "المولدات الكهربائية"، في التغلب على الأزمة، وذلك نتيجة الأعطال الدائمة، والتكاليف الباهظة التي تعود عليهم من جراء تشغيل تلك المولدات لفترات طويلة، ما يزيد من صعوبة الحال، في ظل ظروف اقتصادية سيئة، أضعفت الحركة الشرائية، وزادت الأعباء والتحديات.
ويقول نجم لـ "العربي الجديد" إنه يكون قلقاً طيلة اليوم على مصير بضاعته، لدرجة أنه يخفض الأسعار بشكل كبير في نهاية اليوم على أمل بيع الكمية، مبيناً أن الحصار الإسرائيلي وعدم انتظام دفع الرواتب، إلى جانب الخصومات التي تطاول الموظفين، تؤثر سلباً على تصريف البضائع، وعلى الحركة التجارية عموماً.

ويضيف نجم: "نحن أمام أزمة متكاملة الأركان، إذ إن الأسواق نائمة، والأوضاع الاقتصادية سيئة، وفي المقابل نعاني من أزمة كهرباء خانقة، تضطرنا إلى تشغيل المولدات الكهربائية، التي تضاعف أعباءنا، وتساهم في قضم نسبة كبيرة من الدخل، الذي يعتبر غير مجد بالأساس". وأصبح جدول الكهرباء ثابتا منذ أشهر عند 4 ساعات وصل يوميا.
ومنذ نهاية مارس/آذار الماضي، تفرض السلطة الفلسطينية إجراءات تصفها الفصائل الفلسطينية بالعقابية تجاه سكان القطاع، تمثلت في تقليص الكهرباء الإسرائيلية الواصلة لها عبر التوقف عن دفع فاتورتها الشهرية، وخصم 30% من رواتب موظفي القطاع، وإحالة عدد كبير منهم للتقاعد. وشهدت الشهور الأخيرة إغلاق العديد من المنشآت أبوابها، لا سيما في ظل تراجع السيولة المالية الموجودة في السوق.

ويشير أبو سليم بكرون، بائع الأسماك في سوق الشاطئ، إلى أن الانقطاع المتواصل للكهرباء، دفعه إلى شراء كميات قليلة من الأسماك، كي لا تفسد، موضحاً: "قبل الأزمة كنا نشتري كميات كبيرة، وكانت تنفد، ونحن الآن أمام واقع معكوس، إذ إننا نوفر كميات قليلة، ومع ذلك تفيض معنا نسبة منها، نتيجة عزوف المواطن عن الشراء بسبب أوضاعه الاقتصادية المتردية".
ويوضح بكرون، الذي يعيل أسرة من ثمانية أفراد، لـ"العربي الجديد"، أنّ أزمة الكهرباء ألحقت بجميع التجار أضراراً فادحة، مضيفاً: "اضطررت، خلال الفترة السابقة، إلى وضع كمية من السمك في ثلاجة قمت بتشغيلها عبر مولد كهربائي، لكن زيادة الضغط على المولد أعطبته، وفسدت الكمية، ما دفعني إلى تخفيض نسبة شراء السمك، والحذر، إلا أنني ما زلت أعاني من المشكلة ذاتها".

ولم يختلف الحال كثيراً عند باعة الخضار والفواكه وباعة الأجبان والألبان، وأصحاب محال البقالة، إذ تتعرض نسبة كبيرة من البضائع للتلف نتيجة تلك الأزمة، حيث يقول صبحي أبو ريالة، صاحب "ميني ماركت"، إنه يتفقد بشكل متواصل البضائع لإزالة التالف منها.
ويوضح لـ "العربي الجديد" أن الألبان والأجبان واللحوم المصنعة تفسد بسرعة، كذلك الحلويات التي تحتاج إلى ثلاجة، مضيفاً: "لم تشفع لنا الأزمة الاقتصادية والسياسية والأوضاع الإنسانية السيئة في قطاع غزة، وجاءت أزمة الكهرباء الخانقة كي تزيد الطين بلة".

أزمة الكهرباء التي تعصف بالقطاع، والتي زادت حدتها خلال الشهور المنصرمة، حذّرت منها مؤسسات حقوقية وإنسانية ورسمية، نتيجة تأثيراتها السلبية التي طاولت مختلف نواحي الحياة اليومية للمواطنين، وتجاوزت ذلك لتعرّض حياة فئة منهم للخطر، إذ يعتمدون عليها في تشغيل أجهزة طبية تساعدهم على الاستمرار في التقاط أنفاسهم.
وقلبت تلك الأزمة حياة المواطنين رأساً على عقب، إذ تسهر المواطنة أم محمد بلبل حتى ساعات متأخرة من الليل كي تخبز العجين، وتقول لـ "العربي الجديد"، إن انقطاع التيار أرهقها، إذ تؤجل عدة مهام إلى أن تتوفر الكهرباء، موضحة أن البرد الشديد خلال ساعات المساء يزيد من صعوبة الموقف.

ويشاركها في الأزمة زوجها أبو محمد، الذي يرقب موعد توفر الكهرباء كي يقوم بتشغيل "الموتور" الخاص بالماء، موضحاً: "يتعارض وقت توفر الماء مع الكهرباء، لذلك أضطر إلى تحيّن الفرصة المناسبة، وتوفر الاثنتان معاً (..) الأمر صعب للغاية، لكننا مضطرون".
ويعاني سكان قطاع غزة من أزمة الكهرباء عقب قصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع منتصف عام 2006 عقب فوز حركة حماس في الانتخابات، وتدهورت بعد تقليص كميات الوقود الواردة إلى القطاع.

ويقول مسؤول العلاقات العامة والإعلام في شركة توزيع كهرباء غزة، محمد ثابت، إن العجز الكبير الذي تعانيه الشركة جاء نتيجة انخفاض درجات الحرارة وزيادة الأحمال، في ظل عدم توفر كميات مناسبة لتغطية الحاجة.
ويوضح ثابت لـ"العربي الجديد" أن الكمية المطلوبة تصل إلى 600 ميغاوات، بينما لا يتوفر منها سوى 70 ميغاوات من الجانب الإسرائيلي، و57 ميغاوات من محطة توليد الكهرباء في أحسن الأحوال.

ويبين أن الخطوط المصرية متعطلة منذ ثلاثة أسابيع، بخلاف وصل "خط فلسطين" والذي يوفر من 3 إلى 4 ميغاوات فقط، مضيفاً: "نواجه عجزا كبيرا جداً، في ظل ارتفاع الاحتياجات إلى مستويات قياسية".
وينبه مسؤول العلاقات العامة والإعلام إلى أن أبرز التحديات التي تواجه شركة الكهرباء في ظل الظروف الحالية هي كيفية إدارة هذه الكميات البسيطة، مقارنة باحتياجات المواطنين، موضحاً أن الشركة تعمل وفق جدول 4 ساعات وصل مقابل 12 ساعة فصل، ويصل الفصل في بعض الأحيان إلى 16 ساعة أو يزيد.

ويشير ثابت إلى أن تعطش المواطنين للكهرباء نتيجة فترات الفصل الكبيرة تدفعهم إلى تشغيل كل الأجهزة لحظة الوصل، ما يضاعف الكميات المستهلكة، ويعرّض مكونات إيصال الكهرباء للأخطار والتلف، داعياً الجهات المعنية إلى توفير كميات مناسبة من الكهرباء، "كي تستطيع الشركة ممارسة عملها ولو بالحد الأدنى".


المساهمون