استغلال أطفال اليمن...استدراج لارتكاب جرائم السرقة وتهريب المخدرات

استغلال أطفال اليمن... استدراج لارتكاب جرائم السرقة وتهريب المخدرات

08 مارس 2020
عصابات تستدرج المتسوّلين والمشردين اليمنيين (العربي الجديد)
+ الخط -
يقضي الطفل اليمني صلاح مطهر والذي يبلغ عمره 13 عاماً، فترة إعادة التأهيل بدار التوجيه الاجتماعي في صنعاء، بعد إيداعه فيها، بأمر من نيابة الأحداث في 28 من سبتمبر/ أيلول 2019، بتهمة سرقة 60 جراماً من الذهب، وذخائر أسلحة.

واستدرج مطهر من قبل عصابة، في منطقة مذبح شمالي العاصمة، بعدما أغرته بالمال لتنفيذ عملية سرقة لصالحها وفق روايته لـ"العربي الجديد"، قائلاً بندم: "لم آخذ شيئاً، سلّمناها لأشخاص آخرين، كانوا يضربوننا إن لم نستجب لهم".

حالة مطهر تعد جزءاً من ظاهرة متنامية وفق تأكيد محمد حطرم، المستشار القانوني في وزارة العدل في صنعاء (خاضعة للحوثيين) والذي قال لـ"العربي الجديد": "الأطفال المتهمون والمدانون بمخالفة القانون قاموا بذلك بعد تحريض وحث وتحفيز من أشخاص بالغين".

وبلغ عدد الجرائم التي ارتكبها أطفال بإيعاز من بالغين في محافظات "أمانة العاصمة، ذمار، صنعاء، إب، الحديدة، حجة، ريمة، صعدة، وعمران" 1930 جريمة، من بين 4573 جريمة تتعلق بالأطفال، منها 2273 جرائم جسيمة في عام 2018.

ويبدو من خلال المقارنة بين بيانات العام السابق تزايد عدد جرائم الأطفال والتي كان عددها 3884 جريمة في 2017، من بينها 1700 جريمة ارتكبها الأطفال بإيعاز من بالغين، كما أن عدد الجرائم الجسيمة بلغ 1769 جريمة وفق إحصائيات وزارة الداخلية في صنعاء، وتنوعت هذه الجرائم بين "السرقة، الشروع في السرقة، ممارسة الجنس، التعرض للانحراف، الاعتداء، خيانة الأمانة، التشرد والتسول"، وفق ما أوضحه لـ"العربي الجديد" مسؤول المتابعة والإحصاء بشرطة الأحداث عبد الرحمن نصر.



استهداف المشردين

رصد معدّ التحقيق عصابات تنشط في استدراج الأطفال المشردين، والذين يعملون بالتسول في عدد من شوارع صنعاء، لاستغلالهم في السرقة، ومنهم محمد حريش (يكنى بالحوت)، نبيل عواض، محمد القرماني، نادر الشرعبي، ووليد حفظ الله، الذين تم القبض عليهم من قبل جهاز المباحث بأمانة العاصمة في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي، لارتكابهم 71 عملية سرقة للمنازل والمحال التجارية والسيارات والأحواش الخاصة، في منطقتي شملان والحصبة شمال العاصمة، خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني 2018 وحتى سبتمبر/ أيلول 2019، وفق ما أكده العقيد علي البوساني نائب رئيس قسم جرائم السرقة بإدارة المباحث الجنائية في صنعاء لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أن العصابة استخدمت 13 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 13 عاماً و17 عاماً، لتنفيذ جرائم سرقة، ومنهم مطهر، ووائل فراص، وماهر عبدالله الذين التقاهم معدّ التحقيق في دار التوجيه الاجتماعي، بعد إحالتهم إلى نيابة الأحداث بالعاصمة وإحالة العصابة إلى النيابة الجزائية بصنعاء، بحسب تأكيد العقيد البوساني لـ"العربي الجديد".



وتستغل عصابات أخرى على الحدود اليمنية السعودية الأطفال في ممارسات خطرة، مثل بيع وترويج المخدرات، بحسب مدير مركز حماية الطفل والأسرة التابع لوزارة الداخلية، العقيد عبد الله المتوكل، والذي ترأس فريقاً ميدانياً لزيارة السجن المركزي بمحافظة صعدة شمال اليمن، في مايو/ أيار 2019 حيث يقبع 35 محتجزاً تتراوح أعمارهم بين 16 عاماً و17 عاماً، تم القبض على معظمهم أثناء تورطهم في تهريب مخدر الحشيش لحساب شبكات تهريب تنشط على الشريط الحدودي، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن الأجهزة الأمنية تمكنت خلال العام الماضي من إلقاء القبض على 50 شخصاً منخرطين في شبكات التهريب عبر الحدود.



ومن بين الحالات اللافتة متهم ارتكب 92 جريمة استغلال لأطفال في صنعاء، تتراوح أعمارهم ما بين 13 عاماً و18 عاماً خلال الفترة ما بين عام 2014 وعام 2017، بحسب ما كشفه لـ"العربي الجديد" عضو النيابة الجزائية، القائم بأعمال وكيل النيابة، القاضي خالد عمر، مؤكداً من واقع تحقيقاته تفاقم ظاهرة استدراج أو اختطاف أطفال مشردين، ومتسولين لإجبارهم على ارتكاب الجرائم لصالح الكبار.


تكرار احتجاز الأطفال

المؤسف كما يقول العقيد المتوكل، هو الإفراج عن الذين تتم إحالتهم إلى النيابة المتخصصة في صنعاء بجرائم استغلال صغار السن (الأحداث) في كثير من الحالات. فيما تصل نسبة الأحداث الذين تم احتجازهم سابقاً قبل وصولهم إلى مؤسسات الاحتجاز 79.7%، وهو ما يعني تكرار احتجاز الحدث في أكثر من مؤسسة، وفقاً لتقرير الدراسة الميدانية لحالة الأطفال في نزاع مع القانون في مؤسسات الاحتجاز الصادرة عن اللجنة الفنية لتعزيز نظام عدالة الأطفال التابعة لوزارة العدل في سبتمبر/ أيلول 2018، وتعتبر الدراسة أن تكرار الاحتجاز مؤشر على وجود خلل في البناء التنظيمي والتنسيقي لعملية الاحتجاز.

ويعيد عضو النيابة الجزائية المتخصصة فؤاد حسان، سبب الإفراج عن متهمين في مثل هذه القضايا إلى عدم اكتمال أوجه القضية أو أن أوجه الاتهام ليست مثبتة في قانون العقوبات كما يقول لـ"العربي الجديد". بيد أن المستشار حطرم، يشير إلى أن الإشكالية الحقيقية تكمن في إنفاذ النصوص القانونية التي تتطلب تحركاً جاداً وفاعلاً لتطبيقها وإنفاذها.



وتنص المادة 46 من قانون رعاية الأحداث رقم 24 لسنة 1992 على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام الاشتراك المقررة في قانون العقوبات يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد عن 20 ألف ريال يمني (35 دولاراً أميركياً) كل من عرض حدثاً للانحراف بأن أعده لذلك وساعده أو حرضه على سلوكها أو سهلها له بأي وجه ولو لم تتحقق حالة التعرض للانحراف فعلاً. وتتضاعف العقوبة إذا استعمل الجاني مع الحدث وسائل إكراه أو تهديد أو كان من أصوله أو من المتولّين تربيته أو ملاحظته أو مسلماً إليه بمقتضى أحكام هذا القانون. وفي جميع الأحوال إذا وقعت الجريمة على أكثر من حدث، ولو في أوقات مختلفة، كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد على خمس سنوات".


حرمان من العون القانوني

حرم 51.6% من الأطفال المحتجزين من العون القانوني، حسب دراسة اللجنة الفنية لمشروع عدالة الأطفال. ويفتقر الأطفال المحتجزين في مؤسسات الرعاية والتأهيل الاجتماعي، والسجون الاحتياطية والمركزية، إلى وجود المحامين المختصين والمدربين على إجراءات المرافعات في قضايا الأطفال الأحداث والجانحين، وخاصة طلبات استعجال البت في هذه القضايا، وفق ما يؤكد حطرم، مشيراً إلى أن حل هذه المشكلة قد يقلل من تداعيات انتظار الأطفال طويلاً في أماكن الاحتجاز، علماً أن خطوات بدأت في هذا الاتجاه بدعم منظمات المجتمع المدني ومنظمة اليونيسف، وبالتنسيق مع وزارة العدل، في 2012، لكنها توقفت منذ عام 2016 حتى الآن، لأسباب تتعلق بالمحامين أنفسهم، ثم إحجام الجهات المشتركة في هذه المهمة عن المتابعة، فضلاً عن أسباب الحرب وتداعياتها، كما يقول حطرم.



وتصل نسبة الأطفال المحتجزين رهن تنفيذ الأحكام القضائية إلى 16.60%، بينما بلغت نسبة من يخضعون للمحاكمة من إجمالي حالات دراسة مشروع عدالة الأطفال 49.80%، وأكدت الدراسة أن الاحتجاز ما زال يمثل السمة الغالبة في التعامل مع الأحداث، إذ يقضون في أماكن الاحتجاز فترات، قد تصل إلى عامين في انتظار الإجراءات.



بيد أن رئيسة محكمة الأحداث بصنعاء، القاضية رغدة عبد الرحمن، تنفي بطء المحكمة في البت في القضايا، مؤكدة لـ"العربي الجديد" أنها قضت في 42 قضية ما بين جسيمة وغير جسيمة (سرقة، شروع في سرقة، قتل وشروع في القتل، ممارسة الجنس، تسول، خيانة أمانة، ترويج ممنوعات، اعتداء) خلال الفترة من 31 أغسطس/ آب إلى 15 ديسمبر/ كانون الأول 2019، بالإضافة إلى 18 قضية مرحلة من يوليو/ تموز 2018 وحتى أغسطس/ آب 2019، وهي الفترة التي تم فيها الحكم في 69 قضية من إجمالي 87 قضية كانت منظورة أمام دائرتها.

لكن إفادة القاضية رغدة تتنافى مع ما يقوله المستشار القانوني بوزارة العدل محمد حطرم، والذي أكد معاناة الأحداث والجانحين في السجون الاحتياطية المركزية، بسبب تباطؤ إجراءات إحالتهم وتقديمهم إلى القضاء، مؤكداً بقاء بعضهم محتجزاً لأكثر من عام دون النظر في وضعهم وقضاياهم.

مساجين بعد انتهاء فترة الاحتجاز

وثقت دراسة مشروع عدالة الأطفال نسبة 13.5% من الأطفال المستهدفين بالبحث الذين انتهت الفترات المقررة لاحتجازهم، ولكن تعذر خروجهم لأسباب مادية وأسرية واجتماعية، ومنها عدم التمكن من دفع الدية أو الأرش، وعدم التمكن من دفع التعويض، أو أن الأسرة غير مؤتمنة لإعادة الطفل إليها، أو الأسرة ترفض استقبال الطفل، أو أن عنوان الأسرة غير معروف أو أن الأسرة غير معروفة.


ومن بين أكثر المشاكل التي تواجه دور التأهيل القضائي، عدم وجود طرف مؤتمن على الحدث في حال تم الإفراج عنه، خاصة أن أهالي الأطفال يرفضون استلامهم، بدافع الخوف من العار والوصم الاجتماعي، كما تقول الخبيرة الاجتماعية ومعاونة قاضٍ في محكمة الأحداث المتخصصة بصنعاء، ذكرى البنا لـ"العربي الجديد"، وتتفق رئيسة اللجنة الفنية لمشروع تعزيز عدالة الأطفال بوزارة العدل آمال الرياشي مع الرأي السابق، مؤكدة أن إمكانية تحقيق العدالة للأطفال ليست بالأمر السهل بالنظر إلى الصعوبات التي لا تزال ماثلة، وأهمها عدم استكمال البنية العدلية المتعلقة بالأحداث، ونقص الكادر المدرب على قضاء الأحداث والجانحين، في ظل الحاجة إلى قانون شامل يعنى بالطفل وحقوقه.

دلالات