استعادة خليل حاوي

استعادة خليل حاوي

15 أكتوبر 2015
الشاعر اللبناني خليل حاوي (مواقع التواصل)
+ الخط -
شكلت نصوص الشاعر اللبناني خليل حاوي (1919/ 1982) مجتمعة، تجربة شعرية متفردة لغة وأسلوباً وإيقاعاً، في سماء شعريتنا العربية الحديثة، وقد تأتت هذه الفرادة من جملة عوامل سياسية واجتماعية وذاتية، اجتمعت لتمنحنا صوتاً شعرياً منذوراً للذات الإنسانية في امتدادها الكوني، إذ اضطر في سن مبكرة إلى احتراف مهنة البناء ورصف الطرق، غير أن شغفه بالقراءة لم يثنه عن مواصله رحلة التكوين الأكاديمي، إذ استكمل دراسته بتفوق باهر بالجامعة الأميركية في بيروت، ليغادرها مستفيداً من منحة دراسية صوب جامعة كامبردج البريطانية التي حصل منها على شهادة الدكتوراه، ليتوقد في حواسه حنين العودة إلى موطن الأصل، لبنان، ويلج الجامعة ذاتها بصفة أستاذ جامعي، مجسداً بذلك مثالاً للطموح وإرادة تحقيق الذات بعيداً عن إحباط الحياة وإكراهاتها.

هذه العوامل مجتمعة جعلت خليل حاوي/ الإنسان أكثر تماساً مع كدح الإنسان ومعاناته الوجودية، وهموم الناس الكادحين والمغلوبين على أمرهم، فجاءت قصيدته عاكسة هذا التماس عبر حرصه الشديد على توجيه بوصلته الشعرية بعيداً عن ارتياد الموضوعات الوصفية والمعاني والصور المستهلكة في المتحقق الشعري العربي قديمه وحديثه، وعمل جاهداً على إغناء تجربته الشعرية انطلاقاً من روافد وثقافات متعددة شعرية وفلسفية ونقدية أسوة بشعراء الحداثة العربية كعبد الوهاب البياتي، وبدر شاكر السياب وفدوى طوقان وغيرهم، ومن ملامح خصوصية خليل الشعرية تمثله الشعري لمجموعة من الرموز والشخصيات المستقاة من التراث الإنساني (البيادر/ السندباد/ لوركا، لعازر، ديك الجن)، والمتباينة دلالياً، في دواوينه الشعرية التي أصدرها توالياً (نهر الرماد 1957، الناي والريح 1961، بيادر الجوع 1965، ديوان خليل حاوي 1972، الرعد الجريح 1979، من جحيم الكوميديا 1979).

في مجاميعه الشعرية سالفة الإشارة، تتبدّى اللغة الشعرية منحازة إلى ينابيع الذات الشاعرة الملتصقة بالإنسان وقضاياه الإنسانية، لذلك فهي تتلحف رداء البساطة الشعرية، وتتجرّد من اللغة المعجمية الممتدة في قواميس اللغة وأمهات الكتب، وهو ما جعل الكثير يقرّ بفرادة تجربته الشعرية، مع التقليل من أهمية شعره، بوصفها تجربة شعرية تقف عند حدود استدعاء نظرية الالتزام السياسي البعثي، وتمثلها شعرياً، وعلى هذا الأساس ظلت اللغة الشعرية لدى خليل حاوي مراهنة على البحث عن خلاص الإنسان من عذاباته الوجودية: (عاينت في مدينةٍ/ تحترف التمويه والطهارة/ كيف استحالت سمرة الشمس/ وزهو العمر والنضارة/ لغصة، تشنجٍ، وضيق/ عبر وجوه سلخت من/ سورها العتيق)، مما جعلها منسجمة مع اختياراته الشعرية على مستوى البناء النصي، حيث الانصياع التام لعروض الخليل بن أحمد الفراهيدي وضوابطه.

لقد آمن خليل حاوي بقضية الإنسان، وسعى جاهداً إلى أن تكون تجربته مسايرة لهذه القضية، انطلاقاً من حرصه على جعل القصيدة قائمة على وحدة عضوية مستقلة، ومتفادية إكراهات الاستطراد والسرد، عبر استدعاء عناصر بانية لسيرورة المعنى والدلالة في القصيدة ذاتها، أهمها الرؤيا لكنها رؤيا بقيت عند تمثل النكوص الذي تعرفه الحياة والإنسان معاً، ولا تتجاوزه في النهاية، مما يعكس مآل التجربة الشعرية عند خليل حاوي، إذ بقيت منكفئة على ذاتها، مستعيدة ضوابط البلاغة القديمة، ووفية للقضية/ قضية الإنسان الكادح والمستعبد في الوطن العربي، ولم تنصت لنداءات الشعر القادمة من الماضي والمتجهة صوب المستقبل، غير أن التجربة الشعرية تبقى رهينة عوامل ذاتية وموضوعية تتحكم في سيرورات بنائها، وكلما تجردت الذات الشاعرة ما أمكن عن تلك العوامل بنت لنفسها وطناً شعرياً بديلاً قوامه المغامرة الشعرية، والتي بقيت، في تجربة خليل حاوي، محدودة لا تتجاوز تكسير النمط الأولي للبيت، واستدعاء الرموز وتبسيط اللغة الشعرية، ومع ذلك تبقى تجربة هذا الشاعر العربي اللبناني، تجربة شعرية متفردة في سماء شعريتنا العربية.

(المغرب)

دلالات

المساهمون