استطلاعات الرأي الفرنسية تصنع المشاهير

استطلاعات الرأي الفرنسية تصنع المشاهير

08 يناير 2015
(Getty)
+ الخط -
بدأت وسائل إعلام فرنسية رصينة تحذر من سطوة استطلاعات الرأي التي تنتشر في فرنسا، ومن قدرتها على خلق وعي سياسي خاص وعلى خلق زعامات جديدة، بل وعلى تأثيرها على قطاعات واسعة من الفرنسيين ودفعهم إلى التصويت لحزب الجبهة الوطنية العنصري، وتبني أفكار متطرفة تهدد بإشعال الفرقة بين الفرنسيين (حين يرى مواطن فرنسي عادي استطلاعاً للرأي يتنبأ بتصدّر مارين لوبين للمشهد السياسي الفرنسي يُصوّت، بلا تردد لها، لأنه يرى أنها أصبحت امرأة سياسية "عادية"، ولأنه أيضاً يريد أن يثبت أنه يصوّت مثل عموم الفرنسيين).

وليس من المبالغة في شيء القول إن استطلاعات الرأي ليست صحيحة، وبالتالي فهي ليست علمية، كما يريد فاعلوها أن يقنعوا المواطنين، فقد رأينا كثيراً منها أخطأت، بشكل فظيع. كما أن استطلاعات الرأي تقول، غالباً، ما يراد منها، نظراً لطبيعة الأسئلة التي يطرحها أصحابها والشرائح والفئات الاجتماعية التي تشملها "لأن الثوب لا يصنع القسيس"، كما يقال.

وقد دأبت صحيفة "لوجورنال دي ديمانش" الأسبوعية منذ سنين طويلة على نشر استطلاع للرأي، في نهاية كل سنة، عن الشخصيات الفرنسية التي تحظى بالشعبية.

ويمكن من قراءة هذا الاستطلاع ومقارنته باستطلاعات أخرى قديمة أن نستنتج بسهولة أن الصحيفة وأصحاب الاستطلاع أرادوا فعلاً هذه النتائج. وقد عنونت الصحيفة نتائج استطلاع سنة 2014 بـ"مديح التكتم"، لأن المتصدّر منذ أربع سنوات لقائمة الفرنسيين الأكثر شعبية، هو الملحن جان ـ جاك غولدمان... وهو في الحقيقة ليس متستراً لأنه هو مَن يُشرف كل سنة، على تلحين أغانٍ جديدة يؤديها فنانون كثيرون وتذهب أرباحها لمؤسسة خيرية باسم الفكاهي الراحل كولوش. كما أنه من الغريب أن يمنح الفرنسيون الرتبة الثامنة للمغني رونو، الذي يعيش، منذ فترة طويلة، ظروفاً قاسية بسبب تخلي زوجته عنه ونضوب شاعريته، لولا أن القناة الثانية الفرنسية كرست له قبيل الأعياد برنامجاً كبيراً.

لا شيء بريء في هذه الاستطلاعات، بل إنها تترجم الدور الذي يُرادُ من هذه الشخصيات أن تلعبه، فإذا حادت عنه أو تلكأت، تعاقب بالطريقة المناسبة، والأمثلة ليست قليلة.

قبل عشر سنوات، تقريباً، كان القس "أبيه بيير" (نصير الفقراء وتوفي في 2007)، الشخصية الأكثر شعبية في فرنسا، وكان كل سنة على رأس هذه القائمة، بسبب عمله الدؤوب على نصرة الفقراء والضعفاء في حياتهم اليومية القاسية، وخاصة الشتاء الفرنسي الرهيب (ما يقرب من 10 فرنسيين من دون مأوى هلكوا بسبب البرد). كان ينصرف للعمل الخيري ولم يكن يتحدث في السياسة، ولكنه حين هبّ لمؤازرة صديقه الفيلسوف المسلم رجاء (روجيه) غارودي، وحقه في التعبير عن أفكاره، اتهم القسيس بمعاداة السامية، وظل يعاني من العزلة والحصار حتى مات.

يانيك نوّا، بدوره كان مدللاً لدى الفرنسيين. كيف لا، وهو الفائز الفرنسي الوحيد برولان غاروس للتنس، كما أنه ابن زواج "ناجح" بين امرأة فرنسية ورجل كاميروني، ولكنه حين تجرأ على "ممارسة السياسة" وانتقاد يمينية نيكولا ساركوزي ثم حين انتقد الحصار المفروض على الفكاهي ديودوني (هو مثله من أم فرنسية وأب كاميرني)، دفع الثمن، وسقطت مرتبته في الاستطلاع.

وظل لاعب كرة القدم زين الدين زيدان، لفترة طويلة، يتصدّر المراتب الثلاث الأولى، لأنه مثّل دور "العربي" في فرنسا، المندمج جداً، والذي لا يعرف السياسة أو يكرهها، لأن للسياسة أهلها. ورغم أنه بعيد عن فرنسا، منذ سنوات، لا يزال أصحاب الاستطلاع يتذكرونه، وهو في المركز العشرين.
أما الفكاهي جمال دبوز، الذي كان يتصدّر، هو أيضاً، قبل سنوات، المراتب الأولى، فقد جاء، هذه المرة، في الدرجة الثلاثين. ويبدو أن هذا الفكاهي، من أصول مغربية، يعرف من أين تؤكل الكتف. فبعد أن انتقد، في برنامج تلفزيوني، وبشكل انفعالي، إسرائيل أثناء مجازر قديمة لها على غزة، بلع لسانه، وزار حائط المبكى بقلنسوة يهودية، كأنما يعتذر من غلطته "الفلسطينية"، واحتفظ له بالدرجة الثلاثين...

كي يكون المرءُ شعبيّاً في فرنسا، يجب عليه معرفة ما يتوجب عليه فعله (كل شيء واضحٌ ومُعدٌّ، سلَفاً)، وبعده تأتي استطلاعات الرأي لتحسين الصورة.

دلالات

المساهمون