استرجاع الموصل لا يعني نهاية داعش

استرجاع الموصل لا يعني نهاية داعش

01 نوفمبر 2016
+ الخط -
يتابع الجميع الإيقاع المتسارع لمعركة الموصل التي يعتبرها بعضهم أضخم عمليةٍ عسكريةٍ، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وإذا صدّقنا الخبراء العسكريين، فإن هذه القوات التي يتجاوز عدد المشاركين فيها المائة ألف مقاتل ستتمكّن، في النهاية، من القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وإخراجه من آخر معقل بقي تحت سيطرته منذ السيطرة على الموصل، قبل حوالي السنتين.
لا شك في أن تحقيق هذا الهدف مهم في حد ذاته، لأن هذه المعركة ستفقد التنظيم كثيراً من قواته، وبالخصوص ستحرمه من أرضٍ ينطلق منها، ويحتمي بها ويدفع بأنصاره للمغامرة والالتحاق به لحماية ما يعتقدون بكونه "عودة الخلافة"، وهو المشروع الذي يلهب حماس عشرات آلاف الشباب في العالم الذين اعتقدوا بأن في وسعهم إعادة عقارب الساعة إلى الخلف. لكن السؤال الذي يجب التوقف عنده يتعلق بالنتائج التي ستترتب عن هذه المعركة الكبرى، أي هل ستنتهي قصة "داعش" التي دوخت الجميع، بمجرد سقوط الموصل، واحتمال مقتل أبو بكر البغدادي، أم أن لهذا المسلسل فصولا أخرى، قد تكون أكثر غرابة وقسوة؟
إذا عدنا إلى الوراء قليلا، واستحضرنا معركة أفغانستان التي قادها الجيش الأميركي انتقاماً لعملية "11 سبتمبر". قيل يومها إن أطنان القنابل التي ألقيت فوق جبال تورا بورا ستكون كافية للقضاء نهائيا على "القاعدة" ورموزها. وكانت النتيجة أن أعاد التنظيم توزيع أنصاره، ليستمر في حربه الطويلة ضد الغرب. وحتى بعد اغتيال رمزه الأول بن لادن، لم يؤدّ ذلك إلى قتل "الأفعى".
سيدافع الدواعش بشراسةٍ عن حصنهم الأخير في العراق، ولا شك في أنهم أعدّوا العدة لهذه المعركة، كما أن لديهم خططهم لضمان استمرار وجودهم في المستقبل. صحيح أن مشروعهم، منذ البداية، فاقد شروط البقاء والنجاح، لأن الجميع لن يسمحوا بقيام دويلة صغيرة داخل العراق تعتمد التوسع العسكري لإطاحة جميع الأنظمة، وإزالة الدول الوطنية في المنطقة، وشن حرب واسعة ضد الدول الغربية، بجميع مكوناتها، من أجل السيطرة على العالم، تحت عنوان "الخلافة". إنه مشروع خيالي وغير قابل للتنفيذ.
مع ذلك، ستستمر المغامرة. فالدواعش لا ينظرون إلى معركة الموصل، كما يتعامل معها الآخرون. إنهم مسكونون بالماضي بجميع تفاصيله، ويستمدون منه العناصر المغذّية لمخيالهم، ولتوجهاتهم العقائدية والسياسية. إنهم يقارنون وضعهم الراهن بوضع الصحابة، عندما تمت محاصرتهم في المدينة مع الرسول (ص) من قريش وحلفائها. ويعتقد الدواعش أن الآية التي نزلت في سورة آل عمران تنطبق عليهم أيضاً وهي " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم، فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل". هذا التقمص للأدوار هو الذي سيضفي حيويةً أيديولوجية، ويشحن الأنصار القدامى والجدد الذين بهم، وعن طريقهم، ستتجدّد المواجهات، وستستمر هذه التراجيديا التي سيكون المستفيد الأول منها الماسكون بدفة رأسمال الغربي.
ما لم يفهمه كثيرون أن جنوح أجزاء من الإسلاميين نحو ما يسمى "الجهاد المعولم" ليس مجرد ظاهرة قتاليةٍ، يمكن القضاء عليها عبر الأدوات الأمنية. تكمن المعضلة، بالأساس، في العقل، أي في الفكر الذي يقدر على إعادة توجيه الأفراد والجماعات، ويعيد ترتيب المفاهيم والأولويات، ويمكنه التحكم في السلوك وفي الأحلام. وما دامت غرف العمليات العسكرية والمؤسسات الدينية والنخب السياسية تتلكأ في أن تعترف بفشلها، أو بعدم قدرتها على اختراق العقول، فإنها ستبقى تقيس المعركة بعدد المقاتلين وبحجم الأسلحة، أو بترديد خطاباتٍ دينية بالية، لا تحرك روحاً، ولا تجدّد فكراً، ولا تعيد أملا. وبالتالي، ستصب النتيجة لصالح هؤلاء المغامرين الذين لهم نظرة مختلفة للموت التي يستقبلونها بكل حماس، ظنا منهم بأنها ستجمعهم مباشرة بحور العين في الجنة التي تنتظر قدومهم. فشتان بين منظومتين مختلفتين، تتصارعان في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية فاقدة للمعنى.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس