استرجاع الأهازيج الأولى

استرجاع الأهازيج الأولى

15 مارس 2015
"إيد واحدة" لـ خالد ضوّا / سوريا
+ الخط -

تمثَّل الإنتاج الفني السوري، تاريخيّاً، في العديد من الأشكال الغنائية التي توزّعت على مختلف المناطق السورية واتّخذ كل لون طابع المنطقة التي جاء منها. فكانت "الدلعونا" تلك الأهزوجة الجبلية، ومثلها كانت "الروزانا" و"السكابا"، فيما اتّخذت "يا طيرة طيري يا حمامة"، التي كانت تُغنّى في غوطة دمشق، شكلاً مدينيّاً. مع مرور الوقت، شكّلت تلك الأهازيج فولكلوراً حياً في ذاكرة الموسيقى السورية، وكانت مرآة لواقع الشعب وذائقته.

لم تشكّل تلك الأغنيات مدرسة فنية واضحة المعالم، إلى أن تم ذلك على يد الشيخ أبو خليل القباني في أوائل القرن التاسع عشر، الذي صاغ الموشّحات والأهازيج والأوبرات التمثيلية. وبعد القباني، وضع الشيخ علي الدرويش سماعيات وموشحات بارزة، كما برز في ميدان التلحين والإنشاد الشيخ عمر البطش.

لاحقاً، تطوّرت الأغنية السورية أيضاً على صعيد القوالب الآلية، إذ بدأ الفنانون بإنشاء الفرق الموسيقية التي تعتمد شكل الأوركسترا العربية، مثل فرقتي "أمين الخياط" و"إبراهيم جودت".

رغم هذا التطوّر الذي طرأ على الموسيقى في سورية، إلّا أنه من النادر أن نجد أغنية سوريّةً سجّلت انتشاراً في الأوساط الفنية العربية. يمكن إرجاع ذلك إلى مسلسل الانقلابات العسكرية المتتالية التي شهدتها المنطقة إبّان استقلالها، فلم يكن بإمكان البلاد استيعاب تلك الحالة الفنية التي انحسرت وتهمّشت تدريجيّاً.

وهكذا، حتى تسلّم البعث زمام الأمور، فعرّضت وسائل الإعلام الرسمية أغلب المنتجات الفنية إلى الأدلجة، لينتقل الفن من دوره الثقافي والحضاري، إلى أن يكون وسيلةً لخدمة النظام. وحتى تلك الأغاني الشعبية التي ظهرت مع وجود "البعث"، كان القسم الأكبر منها خالياً من أي قيمة ثقافية أو اجتماعية.

في عام 2011، تحرّر التراث من هيمنة السلطة، فاسترجع السوريون أهازيجهم الأولى، وراحوا يتغنّون بها في مظاهراتهم، لتصبح الأغاني وسيلة للهتاف في وجه الظلم والاستبداد.

استعاد السوريون الأهازيج المقموعة وأعادوا إنتاجها بشكل جماعي وارتجالي، مثل أهزوجة "يلّا إرحل". واستعاد الشارع السوري أيضاً أغنية "سكابا" التي أنشدت في وداع الشهداء. وتغنى المغتربون والنازحون مجدداً بـ"يا مال الشام" ودندنوا في شتاتهم "لو المطال طال وطوّل.. لا بتغيّر ولا بتحوّل".

لكن يبدو أن مصير هذه الأهازيج بات مماثلاً لمصير الشعب السوري. فكما قُدّر له أن تبقى قضيته معلقة بين أخذ ورد من دون أن يعبأ أحد لمصيره، قُدّر أيضاً لأغنياته التي تؤرخ لحراكه الشعبيّ أن تبقى على فطرتها الأصلية؛ أهازيج وأعمالاً بسيطة، لم يلتفت أحد للاهتمام بقيمتها الفنية أو لحقوق ملكيتها، لتبقى غير مسجلة بشكل احترافي كما حصل مع أغنية الثورة المصرية على سبيل المثال، رغم أنها تمتلك الأدوات الفنية من موسيقى وكلمات.


* موسيقية من سورية

المساهمون