استراتيجية إسرائيل في 2014: اختراق شباب الثورات العربيّة

07 فبراير 2014
+ الخط -


انشغل عدد من المراقبين والصحافيين العرب في استعراض التحديات والأخطار التي سردها التقرير الاستراتيجي السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب. لكن التوصيات الرئيسية للتقرير، والتي حُددت تحت عنوان "الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل 2014"، ظلت بعيدة عن القارئ العربي، على الرغم من خطورتها، خصوصاً ما يتعلق في مسألة اختراق جيل الثورات العربية، وتثبيت الانقلاب العسكري في مصر.
ويستهل التقرير السنوي للمعهد المذكور، والذي صدر في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، بالتزامن مع انعقاد المؤتمر السابع السنوي للمعهد، بوضع تشخيص للحالة الاستراتيجية في إسرائيل على مدار العام 2013، باعتبار أن ذلك العام كان "مشرقاً" من حيث تراجع الأخطار الأمنية، وسط انشغال دول عربية بثوراتها، ما ترجم واقعاً بتحلي إسرائيل بهدوء مطلق تقريبا على حدودها الشمالية والجنوبية، ومروراً بثبات اتفاقيات السلام المبرمة مع كل من مصر والأردن رغم الهزات التي عاشها الوطن العربي.

ولا ينسى التقرير الإشارة أيضا إلى استمرار الدعم الأميركي الأمني غير المشروط لإسرائيل، واحتفاظ دولة الاحتلال بتفوقها العسكري النوعي، وتثبيت قوتها الردعية، وانشغال الجيش السوري وحزب الله بالثورة السورية، وتعزز مكانة "السلطة الفلسطينية" في رام الله، مع تسجيل تراجع في مكانة حركة "حماس" في القطاع على إثر انقلاب 3 يوليو/تموز في مصر.

وضمن الميزان الإيجابي لصالح إسرائيل، الذي يحدّده التقرير، نجد أيضاً "الاتفاق المرحلي بين الغرب وإيران، والانقلاب العسكري في مصر وعودة الجيش"، الذي يصفه التقرير بأنه "العامل الأكثر إيجابية لصالح إسرائيل".

ويلحظ التقرير تبلور نوع من تقاطع مصالح واسعة بين إسرائيل والدول العربية المحسوبة على العالم "السني المعتدل"، خصوصاً في الخليج العربي. تقاطع مصالح يضعها التقرير في خانة "الاستجابة لتطورات الأوضاع في إيران وسوريا ومصر، وعدم تحقق سيناريوهات الخوف من التهديدات التي تمثلها منظمات الجهاد العالمي في مناطق تفتقر إلى السيادة المركزية مثل هضبة الجولان، وشبه جزيرة سيناء، وأخيراً التوصل إلى اتفاق أولي لإنهاء أزمة العلاقات التركية الإسرائيلية".

تحديات أمام إسرائيل في 2014

ينتقل التقرير للإشارة إلى المواضيع ونقاط الخطر التي قد تهدد إسرائيل أو تشكل تحدياً لأمنها على مدار العام الجاري 2014، فيسرد تحفظات وتخوفات في جبهات عدة، أولاها الملف الإيراني. ويضع في المرتبة الثانية على سلم التحديات الاستراتيجية، الموضوع الفلسطيني وفشل الجهود الأميركية للتسوية، ما قد يؤدي عندها إلى عزل إسرائيل دولياً، وفرض المقاطعة عليها، واحتمالات اندلاع دوامة من العنف الشعبي في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، وقد يرافق ذلك كله خطر فقدان السلطة الفلسطينية في رام الله لقدرتها على العمل في مجالي الأمن وفرض النظام العام، والحكم والاقتصاد، وهذا بدوره سيؤدي إلى انعدام وجود "سلطة سياسية"، وبالتالي إبقاء إسرائيل من دون ما يسميه التقرير "شريك للعملية السياسية".

وخلافاً للاعتقاد السائد، يعتبر التقرير في هذا السياق أن ميزان القوى الفلسطيني-الإسرائيلي، قد تطور في السنوات الأخيرة في غير صالح تل أبيب، إذ تمكن الفلسطينيون من "بلورة استراتيجية بديلة عمادها تجنيد التأييد الدولي لإقامة دولة فلسطينية، ولو من دون اتفاق مع إسرائيل، بينما لم تبلور إسرائيل خطة بديلة لتسوية متفق عليها، تمكنها من تنفيذ فكرة الانفصال السياسي والجغرافي عن الفلسطينيين".

وتحتل وجهات السياسة الأميركية واستراتيجياتها المستقبلية، المرتبة الثالثة في سلم التحديات والمخاطر التي قد تواجه الدولة العبرية في حال ضاعفت الولايات المتحدة من اهتمامها في الساحة الأسيوية، وتراجع في مقابل ذلك تأثيرها واهتمامها في منطقة الشرق الأوسط، كما تجلى ذلك في ارتداعها عن استعمال القوة لحل النزاعات في المنطقة، وتفضيل القنوات الدبلوماسية (كما في حالة ملف الأسلحة الكيماوية السورية).

أهداف استراتيجية

ولعل أهم ما في التقرير، ليس تشخيص وسرد الواقع الاستراتيجي لإسرائيل خلال العام الماضي "وتلخيصه في عبارة الميزان الإيجابي"، ولا في تحديد طبيعة التحديات والأخطار التي تواجهها في العام 2014، وإنما في الحلول التي يقترحها الفصل الخاص بهذه التحديات في التقرير (من صفحة  105 حتى 112) . وقد كتب هذا الفصل، نائب رئيس المعهد، الضابط المتقاعد من جيش الاحتلال، أودي ديكل، الذي سبق له أن ترأس دائرة المفاوضات مع الفلسطينيين في حكومة إيهود أولمرت خلال مؤتمر أنابوليس. وشاركه في كتابته أيضاً، شلومو بروم، وهو أيضاً ضابط متقاعد، وكان رئيساً لوحدة التخطيط الاستراتيجي في الجيش، وشارك في المفاوضات مع كل من سوريا والأردن والفلسطينيين، إلى جانب الباحث يورام شفايتسر.

ومن ضمن الحلول المقترحة، العمل على إضعاف "المحور الراديكالي" في الشرق الأوسط، من خلال تغيير النظام السوري، إلا أن هذا الخيار ليس سهلاً بفعل تباين المواقف بين واشنطن وموسكو، ويضع إسرائيل أمام خيارين؛ إما تغيير النظام السوري وتحول البلد إلى "دولة فاشلة" تشكل "قاعدة لنشاط الجماعات الجهادية"، وفق الوثيقة الإسرائيلية، أو بقاء نظام الرئيس بشار الأسد مع مواصلة توجيه ضربات جوية ضد الأسلحة الاستراتيجية ومنع نقلها لحزب الله.

كذلك يقترح التقرير رفع كفاءة نظام تأمين الحدود وزيادة التنسيق مع الجيشين المصري والأردني، واستمرار العمل على كبح حماس، حتى تضطر الحركة إلى الاختيار بين فقدان السلطة في القطاع وبين تغيير توجهاتها لصالح تحقيق هدنة طويلة الأمد توافق خلالها على التعاون وعلى تحقيق المصالحة مع السلطة في رام الله.

ويشدّد التقرير على ضرورة "تنسيق سياسات التعاون مع جيل الثورات العربية"، وهذه أخطر التوصيات الواردة في التقرير، فهي بذلك تتعدى العلاقات مع الحكومات والأنظمة الحالية، وتتطلع إلى المستقبل بتدجين جيل الثورات العربية ودفعه باتجاه التعاون والتنسيق مع إسرائيل. وفي هذا الباب يقول تقرير المعهد: "عند فحص إمكانيات تحسين العلاقات مع دول عربية، يتعين أن نتذكر أن البنى الاجتماعية في الشرق الأوسط تتغير، وهي تنقلب رأساً على عقب إلى حد ما، فالشباب المحسوبون على الطبقة الوسطى، هم الذين يحدثون التغيير". ويضيف النَّص: "يسهل على القوى الاجتماعية الجديدة، أن تكسر الأعراف والأطر التقليدية، وهي تواجه صعوبات في بلورة وبناء ائتلافات، وإعادة بناء الدول والأجهزة بشكل يوفر حلولاً فعالة تلبي احتياجات الجمهور الواسع". ويتابع أنه "لضمان تحقيق استقرار أمني في المنطقة، يجب تجنيد المجتمع المدني في الدول المختلفة، عبر جهد لإطلاق حوار حول القضايا المتعلقة بتكريس سلطة فعالة، ونمو اقتصادي واستقرار أمني". ويستدرك التقرير بملاحظة أنه "من شأن الشبكات الاجتماعية أن تساعد في التعرف على الروح السائدة في صفوف الجمهور في الدول العربية، وفهم هذه الروح. وقد يساهم التوجه المباشر للشباب عبر هذه الشبكات من خلال شخصيات بارزة ومؤثرة في الرأي العام، ما قد يسهم في بناء علاقة وثقة لها تداعيات إيجابية طويلة الأمد".

المساهمون