احتمالات النجاح والفشل للمرشحين في الانتخابات الرئاسية الأميركية

احتمالات النجاح والفشل للمرشحين في الانتخابات الرئاسية الأميركية

03 نوفمبر 2016

مناظرة بين كلينتون وترامب في لاس فيغاس (19اكتوبر/2016/فرانس برس)

+ الخط -
على الرغم من أنه لا تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الأميركية أكثر من ستة أيام، فإنّ الخريطة الانتخابية تزداد تعقيدًا، ما يجعل من الصعب الحسم في هوية الرئيس الأميركي المقبل. فحتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بدت المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، في طريقها إلى تحقيق فوز ساحق على منافسها الجمهوري، دونالد ترامب، جراء الانطباع العام بين النخب بعدم أهليته، وفضائحه المتواصلة التي كان أهمها فضيحة التسجيلات المسربة، مطلع تشرين الأول/ أكتوبر، والتي تضمنت تصريحات بذيئة تظهر احتقارًا للمرأة. حينها عدّ كثير من المراقبين والمحللين تلك التسجيلات "مفاجأة أكتوبر" التي ستقضي على حظوظ ترامب نهائيًّا، خصوصًا أنها ترافقت مع تسريبات عن كيفية نجاحه في التهرب الضريبي لسنوات عديدة وبمبالغ كبيرة. وفعلًا، فقد أعلن عدد من كبار أعضاء الحزب الجمهوري، بمن فيهم رئيس مجلس النواب، بول رايان، تخليهم عن دونالد ترامب، وبأنّ أولويتهم ستكون الحفاظ على أغلبيتهم في مجلسي النواب والشيوخ.
غير أنّ "مفاجأة أكتوبر" لم تستثن كلينتون أيضًا؛ فقد أعلن مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي)، جيمس كومي، فجأة، يوم الجمعة (28 تشرين الأول/ أكتوبر)، في رسالة إلى الكونغرس، أنه قد تم العثور على مزيد من الرسائل الإلكترونية المرتبطة بكلينتون خلال رئاستها لوزارة الخارجية، على كمبيوتر خاص لمساعدة لها تدعى همة عابدين خلال التحقيق في قضية تخص زوجها، أنتوني وينر، الذي انفصلت عنه. وقد أدى إعلان كومي، قبل أقل من 11 يومًا على الانتخابات، إلى عاصفة من الانتقادات الديمقراطية اتهمته بتسييس "أف بي آي"، خصوصًا أنّه جمهوري الهوى والانتماء السياسي. غير أنّ الأخطر أنّ إعلان كومي أثّر بصفة ملحوظة في حظوظ كلينتون التي بدا كأنّها حسمت مسألة السباق الرئاسي لولا ذلك الإعلان، وبدرجة أقل، لولا تسريب ويكيليكس البريد الإلكتروني لعدد من مساعديها.

أقل المرشحين شعبية
تظهر استطلاعات الرأي أنّ هيلاري كلينتون ودونالد ترامب هما أقل المرشحين الرئاسيين
الأميركيين شعبية في الثلاثين سنة الأخيرة. فبحسب استطلاع أجرته قناة "إي بي سي نيوز" وصحيفة واشنطن بوست، أواخر آب/ أغسطس الماضي، بلغت نسبة البالغين الذين كانوا ينظرون إلى كلينتون بسلبية 56%، في حين بلغت 63% في حالة ترامب. أمّا بين المسجلين للتصويت فكانت 59% لكلينتون و60% لترامب. وقد أرجع استطلاع الرأي النظرة السلبية إلى المرشحين، حينها، إلى حجم فضائحهما السياسية. وفضلًا عن انتماء كلينتون إلى عائلة سياسية أزعجت الجمهور، فإنّها متهمة باستخدام خادم إنترنت وبريد إلكتروني خاصين عندما كانت وزيرة للخارجية (2009-2013)، فضلًا عن تعمد إخفاء معلومات عن هجوم بنغازي عام 2012، وهو الهجوم الذي أودى بحياة السفير الأميركي في ليبيا وثلاثة من مساعديه. كما أنّ شكوكًا أثيرت حول العلاقة النفعية المزعومة التي ربطت بين وزارة الخارجية بقيادتها و"مؤسسة كلينتون الخيرية" التي يرأسها زوجها، الرئيس السابق بيل كلينتون. أمّا ترامب، فإنّ النظرة السلبية الواسعة إليه، حينها، مرتبطة بعدم أهليته سياسيًا، وتصريحاته العنصرية ضد الأميركيين من أصول لاتينية والسود والمسلمين، فضلًا عن إهاناته المتكررة للنساء، واستهزائه بذوي الإعاقات الجسدية، وغير ذلك من التصريحات المسيئة والبذيئة بحق فئات وشرائح أخرى من المجتمع الأميركي.
وفي استطلاع أجرته المؤسستان المذكورتان قبل أيام فقط، أي بعد إعلان كومي وفضائح ترامب، ظلّ المرشحان أقل المرشحين الرئاسيين شعبية في الثلاثين سنة الأخيرة؛ إذ بلغت نسبة من ينظرون إلى كلينتون بسلبية بين المصوتين المحتملين 60%، مقابل 58% لترامب.

اتجاهات استطلاعات الرأي
على الرغم من أنّ متاعب كلينتون تحتل عناوين الأخبار مغطية بذلك على فضائح ترامب الذي هوت حظوظه في الأسابيع الماضية، فإنّها لم تقض على فرصها في الفوز على منافسها. فوفق استطلاع للرأي أجرته "إي بي سي نيوز" وصحيفة واشنطن بوست في 30 تشرين الأول/ أكتوبر، فإنّ كلينتون مازالت متقدمة على ترامب بنقطة واحدة (46%-45%)، وهو هامش أقل بنقطة واحدة من استطلاع للرأي أجرته المؤسستان قبل يوم واحد من الاستطلاع الأخير. ويقدّم تقدير "سي إن إن" لمتوسط خمسة استطلاعات وطنية للرأي أخبارًا أفضل لمعسكر كلينتون، إذ إنّه يظهر تقدّمها بوضوح بنسبة 47% مقابل 42% لمصلحة ترامب.
بل إنّ الأخبار السارة لحملة كلينتون لا تتوقف عند ذلك الحد، فبحسب استطلاع "إي بي سي نيوز" - واشنطن بوست الذي سبقت الإشارة إليه، فإنّ إعلان مدير "أف بي آي" عن فتح باب التحقيق من جديد في قضية بريد كلينتون الإلكتروني لم يؤثّر تأثيرًا كارثيًّا في رأي الناخبين؛ فنتائج الاستطلاع تشير إلى أنّ من 6 إلى 10 ناخبين يرون أنّ هذه القضية لن تؤثّر في تصويتهم، مقابل من 3 إلى 10 رأوا أنّها قد تجعلهم أقل ميلًا إلى التصويت لمصلحتها. ووفق نتائج الاستطلاع فإنّ نحو ثلثي من يقولون إنّ قضية البريد الإلكتروني قد تجعلهم أقل ميلًا إلى التصويت لكلينتون هم من الجمهوريين أو المستقلين الذين يميلون إلى الجمهوريين (68%)، في حين تبلغ نسبة المترددين بين من يميلون إلى الديمقراطيين 17% و9% بين المستقلين الذين لا يميلون إلى أي من الحزبين.

الولايات الترجيحية
بحسب معطيات الخريطة الانتخابية الرئاسية لعام 2016، فإنّ حظوظ هيلاري كلينتون أوفر
في الظفر بأصوات 270 مندوبًا. فإذا أجريت الانتخابات اليوم، فإنّ الولايات الديمقراطية أو التي تميل إلى الديمقراطيين، يمكن أن تضمن لكلينتون تصويت 272 مندوبًا، وهو أكثر مما تحتاج إليه للفوز. أمّا الولايات المصنّفة جمهورية أو تميل إلى الجمهوريين، فإنّها لا تمكن ترامب إلّا من تصويت 179 مندوبًا. المشكلة الرئيسة هنا أنّ حملة ترامب خسرت عددًا من الولايات الجمهورية الصلبة تاريخيًّا؛ إذ أصبحت ولايات تنافسية، ومنها أريزونا، ومين، ونبراسكا، ويوتا. وحتى لو تم الافتراض أنّ ترامب ربح الولايات الجمهورية تاريخيًّا، وأضاف إليها الولايات الترجيحية لهذا العام، وهي فلوريدا، ونيفادا، وأوهايو، ونورث كارولينا، فإنّه سيحصل على 266 مندوبًا فحسب، وهو ما يعني أنه يحتاج إلى أن يتفوق على كلينتون في إحدى الولايات الديمقراطية أو التي تميل إليها من أجل كسب السباق الرئاسي. ولكن هذا أمر مستبعد، وإن كان غير مستحيل.
وتظهر استطلاعات الرأي أنّ ترامب لا يزال متأخّرًا عن كلينتون في العديد من الولايات الترجيحية، فضلًا عن الولايات الديمقراطية أو التي تميل إليها. ففي نورث كارولينا يشير استطلاع للرأي مشترك بين "إن بي سي" وصحيفة وول ستريت جورنال وجامعة ماريست إلى تقدّم كلينتون بـ 47% مقابل 41% لترامب. أمّا في فلوريدا فيشير الاستطلاع ذاته إلى تقارب كبير بين كلينتون وترامب (45%-44%)، في حين يشير استطلاع آخر للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز إلى تقدّم ترامب في هذه الولاية (46%-42%).

كلينتون وترامب: نقاط القوة والضعف
تبيّن المعطيات الجديدة، قبل أقل من أسبوع على إجراء الانتخابات الرئاسية، نقاط القوة والضعف بالنسبة إلى كل مرشح. وتمثّل نقاط قوة طرف نقاط ضعف بالنسبة إلى الآخر.

أولًا: نقاط القوة
كلينتون
إضافة إلى ما سبق من تقدّم كلينتون على المستوى الوطني في استطلاعات الرأي، وكذلك في الولايات الترجيحية، فإنّها تتمتع بنقاط قوة أخرى، هي التالية:
• تبلغ نسبة تأييد الديمقراطيين لها 88%.
• تبلغ نسبة من يرون من الناخبين المفترضين أنها أكثر أهلية لتولي الرئاسة 54%، مقابل 36% لترامب.
• تتوافر حملتها على بنية تحتية فاعلة في أغلب الولايات، ما يجعلها في وضع أفضل لضمان إخراج مؤيديها للتصويت يوم الانتخابات. كما أنّ حملتها متقدّمة جدًّا على حملة ترامب في جمع التبرعات.
• تميل المؤسسات الأميركية المركزية بصفة عامة إليها.

ترامب
• في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات، ارتفعت نسبة دعم ترامب بين الجمهوريين إلى 87%.

• منذ إعلان كومي عن إعادة فتح التحقيق في بريد كلينتون الإلكتروني، كسب ترامب دعم مزيد من المستقلين، ليتقدّم على كلينتون في أوساطهم بتسع عشرة نقطة، بعد أن كانت متقدّمة عليه، حتى الأسبوع الماضي، بثماني نقاط.
• نسبة الحماس بين مؤيديه أعلى من نسبة الحماس بين مؤيدي كلينتون، إذ تشير الاستطلاعات قبل أسبوع من الانتخابات إلى أنّ نسبة الحماس بين مؤيديه 53%، مقابل 45% بين مؤيدي كلينتون. (مع التحفظ على كيفية قياس نسبة الحماس).

ثانيًا: نقاط الضعف
كلينتون
• تراجع تأييدها بين المستقلين، بعد إعلان كومي الأسبوع الماضي.
• تراجع الحماس بين مؤيديها، وهو ما يمكن أن يؤثّر في ذهابهم إلى صناديق الاقتراع.

ترامب
• ضعف نسبة من يرى بين الناخبين المفترضين أنّ ترامب مؤهل لتولي مهمة الرئاسة.
• لا تملك حملته الانتخابية بنية تحتية فاعلة، وهو يعتمد على البنية التحتية للحزب الجمهوري، غير أنّ الحزب الجمهوري ليس مجمعًا على دعم ترشيحه. أضف إلى هذا أنّ حملة ترامب متأخرة جدًّا عن حملة كلينتون في جمع التبرعات.

خلاصة
تبدو حظوظ هيلاري كلينتون في الرئاسة أكبر من حظوظ ترامب، غير أنّ هذا ليس محسومًا، فالمفاجآت التي ظهرت في هذه الانتخابات الرئاسية، منذ المرحلة التمهيدية، لمَّا تصل إلى نهايتها. وتشير الأرقام المتوافرة إلى أنّ أكثر من 23 مليون أميركي من أصل 146 مليونًا من المسجلين في الانتخابات قد صوتوا مبكرًا. ويبدو أنّ الديمقراطيين، إلى الآن، هم المستفيدون من هذا التصويت المبكر في أغلب الولايات الترجيحية. وعلى أي حال، وبغض النظر عن هوية الفائز في الانتخابات المقبلة، فإنّه سيواجه رأيًا عامًّا منقسمًا وشديد الاستقطاب. ففي حال فازت كلينتون، ربما تواجه تحقيقات جنائية مرتبطة ببريدها الإلكتروني، فضلًا عن مواجهة الرأي العام المنقسم وقضية السفارة في بنغازي ومؤسسة زوجها، وهو ما قد يرهق دورتها الرئاسية الأولى، وقد يحاول الجمهوريون في الكونغرس عزلها إن استطاعوا أن يحققوا أغلبية في مجلسيه. ولكنّ الأهم هو الفرق بين سياسات كلينتون وترامب، وهو فرق حقيقي، وإن كان ليس موضوع هذه الورقة التي ركّزت في احتمالات النجاح والفشل.