احتمالات الحياة والموت والتعذيب في مصر

احتمالات الحياة والموت والتعذيب في مصر

30 اغسطس 2020
فقد طفله منذ زمن (هونغ وو/ Getty)
+ الخط -
لا تيأس عائشة كمال، والدة الطبيب والسياسي المصري المختفي قسرياً مصطفى النجار، من التدوين يومياً على وسم #مصطفى_النجار_فين عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي. اليوم تحديداً، وبالتزامن مع اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، يكون قد مرّ على اختفاء النجار 700 يوم كامل، منذ آخر اتصال بينه وبين وزوجته، يوم 28 سبتمبر/أيلول 2018، عندما أخبرها بوجوده في أسوان ثم انقطع التواصل معه بعدها.
إلا أنه وفي يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول 2018 تلقت زوجته مكالمة هاتفية، من شخص مجهول، على هاتف المنزل يفيد بأنه قد تم إلقاء القبض عليه وموجود في معسكر قوات الأمن بالشلال، في أسوان. ووفق شهاداتهم، تخوّفت زوجته وأصدقاؤه من أن يكون حرس الحدود قد قتله أثناء محاولته مغادرة البلاد لتجنُّب السجن.
منذ 700 يوم، لم تتلق أسرة النجار أي معلومة من السلطات المصرية عن اختفائه، رغم البلاغات التي حرّرتها الأسرة للنائب العام والسلطات المعنية، ومطالب بتتبع رقم هاتفه، واستغاثة إلى رئيس الجمهورية لمعرفة مصيره.
يعدّ الاختفاء القسري في مصر، واحدة من أبشع الجرائم التي يرتكبها النظام السياسي الحالي بحق معارضيه، ولا يُستثنى من ذلك المعارضون ذوو الشهرة والتأثير على الرأي العام، أو المواطنون العاديون، ممن لم يسمع عنهم أحد من قبل. فالنجار، طبيب أسنان وناشط سياسي ومدوّن وبرلماني سابق، وأحد مؤسسي حزب العدل. أسس بعد الثورة حزب العدل مع عدد من شباب الثورة وهو أول حزب شبابي مصري ضم عدداً كبيراً من شباب الثورة. وكان منسقاً لشبكة "صحفيون ومدونون عرب من أجل حقوق الإنسان"، وهي شبكة حقوقية عربية مقرها في بيروت. وكذلك أحد مؤسسي "الجمعية الوطنية للتغيير" وواحد من رموزها الشابة قبل الثورة، كما تولى منصب منسق "الحملة الشعبية لدعم البرادعي ومطالب التغيير" قبل الثورة.
لكن كلّ هذا التاريخ السياسي الحافل لم يشفع للنجار لدى السلطات، ورغم الضغط المحلي والدولي للكشف عن مصيره، توارى في ظلمات المجهول بين احتمالات الحياة والموت مع آلاف المواطنين غيره من ضحايا الاختفاء القسري منذ صيف 2013، حسب توثيق منظمات حقوقية مصرية.
وكانت حملة "أوقفوا الاختفاء القسري"، قد أصدرت تقريرها السنوي الرابع تزامناً مع اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري في 30 أغسطس/آب 2019، والذي وثّق استقبال الحملة لـ336 شخصاً تعرضوا للاختفاء القسري في 22 محافظة مصرية خلال العام المنصرم، ليصبح إجمالي ما وثقته الحملة هو 1856 حالة تعرضت للاختفاء القسري منذ عكفت الحملة على توثيق حالات الاختفاء ابتداء من أغسطس/آب 2015.
وأظهر التقرير أنه خلال هذه الفترة تم استخدام الاختفاء القسري كأداة قمع سياسي بحق المعارضين السلميين للسلطة بمن فيهم المدافعون عن حقوق الإنسان والصحافيون والمحامون والنشطاء السياسيون وكذلك ضد المتهمين بقضايا تتعلق بالأمن الوطني على حد سواء. كما رصد التقرير ظهور نمط من استهداف السيدات والأطفال من محافظات مختلفة، وإخفائهم قسرياً حتى وصل عدد النساء اللواتي تعرضن للاختفاء القسري إلى 28 امرأة و8 أطفال، عادةً ما يكون استهدافهم كوسيلة للضغط على المطلوبين أمنياً أو الملاحقين قضائياً من خلال استهداف عائلاتهم.
من جهته، أكد "مركز الشهاب لحقوق الإنسان" (منظمة مجتمع مدني مصرية) في بيان، لمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، اختفاء ما يقرب من 6 آلاف مواطن خلال السنوات الست الماضية.
ليست احتمالات الحياة والموت وحدها التي تراود أسر المختفين قسرياً في مصر، فهناك احتمال أكثر بشاعة وهو تعرضهم للتعذيب لنزع الاعترافات بالقوة بجرائم تصل عقوبتها إلى الإعدام. فعلى سبيل المثال لا الحصر، في القضية 174/2015 عسكرية، وبعد القبض على 19 شخصاً بين 28 مايو/ أيار و7 يونيو/ حزيران 2015 اختفى المتهمون لـ 46 يوماً، تبيّن بعدها أنهم كانوا بمقر للمخابرات العسكرية. ثم ظهروا في تسجيل دعائي للجيش يعترفون فيه بتخطيطهم لشن هجمات على مواقع عسكرية وأفراد من الجيش والشرطة، وحكمت المحكمة على 8 منهم بالإعدام، بينما صدر الحكم بالحبس بين 15 سنة والمؤبد على باقي المتهمين. وقد ذكر أحد المحكوم عليهم بالمؤبد (عمرو محمد علي) لـ"منظمة العفو الدولية" أنه خلال فترة اختفائه تعرّض للتعذيب بالصعق الكهربائي والجلد، وأنه أجبر على تصوير اعترافه.
ولا يزال التعذيب في مصر سياسة منهجية تستخدمها قوات الأمن لنزع الاعترافات أو للترهيب والإرشاد، أو لتصفية حسابات سياسية. ومن أجل هذا، سارت مصر في اتجاه تقنين الاختفاء القسري بإصدارها قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، وسمحت المادة 40 من هذا القانون لقوات الأمن بالقبض على الأشخاص وحبسهم لمدة تزيد عن 7 أيام قبل التحقيق، كما أتاحت المادة 41 منه أن يكون الحبس بمعزل عن العالم الخارجي، إذ نصت على أنه من حق المقبوض عليه الاتصال بمحاميه أو ذويه دون أن يخلّ هذا الاتصال بمصلحة الاستدلال والتحقيق، مما يعطي ذريعة لقوات الأمن في عزل المقبوض عليه عن العالم الخارجي تماماً.
لكن هذا العام، شهد بارقة أمل وحيدة، قد تفرق في مصير هؤلاء المختفين قسرياً، بحصول "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" (منظمة مجتمع مدني مصرية) على حكم قضائي بإلزام وزارة الداخلية المصرية، بالبحث والكشف عن مصير المختفين قسرياً، وعدم الاكتفاء بنفي وجودهم في مقار الاحتجاز والسجون.
ونص الحكم على أنه "ينبغي على المسؤولين بوزارة الداخلية الامتثال لحكم القضاء الإداري، وأن تقوم بدورها المحدد دستورياً وقانونياً وتأديته على الوجه اﻷكمل، ومن أهم تلك الواجبات العلم بمكان وجود أي مواطن وإقامته ما دام حياً، وأن تقوم بما تملكه من أجهزة بالبحث والتحري عن مكان أي مواطن يختفي، وأن تحدد مكانه أو تبين مصيره ولا يجوز لها الاكتفاء بذكر أن المواطن غير موجود بالسجون وإلا اختلّ اﻷمن والنظام في المجتمع وسادت الفوضى والاضطرابات وأضحى التزام وزارة الداخلية وواجبها في المحافظة على أرواح المواطنين تسجيلاً في سطور ومداداً على ورق، ليس إلا،  دون أدنى فائدة ترجى منه".

 

المساهمون