احتمالات الانتفاضة الثالثة: إرباك القيادة الفلسطينية وغليان "فتح"

احتمالات الانتفاضة الثالثة: إرباك القيادة الفلسطينية وغليان "فتح"

14 يوليو 2014
تؤدي الأجهزة الأمنية الفلسطينية دور خط الدفاع عن الاحتلال(getty)
+ الخط -


تعيش القيادة الفلسطينية مرحلة غير مسبوقة من الحيرة والإرباك، التي ترافقها هذه الأيام حالة من الاحتقان الشديد ضدها في الشارع الفلسطيني، التي ضاعفها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأوصل حالة الغضب الكبير إلى صفوف قيادة عليا في القيادة وحركة "فتح" تحديداً.

وتخشى قيادات في السلطة وحركة "فتح" أن تتفاقم حالة الغليان التي يعيشها الشارع الفلسطيني، التي عززتها العملية العسكرية الإسرائيلية التي بدأت في الخليل بذريعة خطف المستوطنين في منتصف الشهر الفائت. وترى أوساط في "فتح"، أبرزها القيادي، عباس زكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "إسرائيل نجحت في كسر السلطة سياسيّاً، لذلك انتقلت الآن الى كسر المقاومة في قطاع غزة".


لكن أوساطاً أخرى تعتبر أن هناك حالة فراغ قيادي يعيشها الشارع الفلسطيني، وأن ما بقيّ من السلطة الفلسطينية، هو التزاماتها التنسيق الأمني فقط، وأكبر دليل على ذلك تصريحات الرئيس، محمود عباس، والجهود الأمنية الفلسطينية المستمرة لمنع الفلسطينيين من الوصول إلى مناطق الاحتكاك مع الاحتلال والمستوطنين، كما يجري كل ليلة في رام الله، ونابلس وبيت لحم وجنين وطولكرم والخليل، في محاولة دؤوبة، لنزع فتيل أية انتفاضة ثالثة محتملة.

كرة الثلج، التي بدأت من الخليل بعملية خطف المستوطنين الثلاثة مع رواية إسرائيلة حصرية حتى الآن، تدحرجت في جميع أرجاء الضفة الغربية على شكل عدوان، واستشهاد 11 مواطناً مع اعتقالات ومداهمة نحو 3000 آلاف منزل، دُمر منها جزئيّاً نحو 500 بيت، حتى الآن، ثم أحرق الفتى المقدسي، محمد أبو خضير حياً، لينتقل العدوان إلى قطاع غزة.

ويرى أعضاء من قادة "فتح" أن أحد أهم النتائج التي سببها العدوان الإسرائيلي، الذي بدأ منتصف الشهر الماضي، هو زعزعة الأمن السياسي للسلطة الفلسطينية، وإضعافها، إذ باتت تعاني حرجاً شعبياً، وهبطت أسهمها حتى لدى المؤمنين بخط الرئيس، محمود عباس، السلمي المناهض لأية انتفاضة أو مقاومة مسلحة، سواء في "فتح" أو في الشارع الفلسطيني عموماً، لذلك ليس من المستغرب أن غالبية المسيرات التي خرجت أخيراً في الأراضي الفلسطينية، هتف فيها الشبان، وتحديداً ناشطون "فتح"، للرئيس الراحل ياسر عرفات، وعاهدوه على السير في دربه، قبل أن تقمعهم أجهزة الأمن الفلسطينية.


أزمة فتح

قليلٌ من أعضاء "فتح" وكوادرها يرغبون في الحديث الى وسائل الإعلام عن حالة الاحتقان الكبيرة التي بدأت ترشح أخبارها عبر الإعلام عن الحركة، وعدم الحديث يعود الى أمرين: الأول يوضحه أحد أعضاء مركزية "فتح" لـ"العربي الجديد" "الرئيس في مأزق كبير، هو من وضع نفسه فيه ووضع الحركة أيضاً، ولا داعي لأي حديث، فليخرج بنفسه ويتحدث للناس عما آلت إليه الأمور". أما الأمر الثاني، الذي يرفض بناءً عليه، أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري الحديث عن حالة التوتر والاحتقان الحالية بين بعضهم بعضاً والرئيس عباس، فتعود ببساطة الى خوفهم منه، أو حفاظاً على امتيازاتهم.

ويقول أحد أعضاء اللجنة المركزية لـ"العربي الجديد" إنه على استعداد للاستقالة، "لكن استقالة فردية لن تحقق أية نتيجة"، ويكشف أنه عرض على رفاقه في "المركزية" تقديم استقالات جماعية، "لكن أحداً لا يجرؤ على ذلك".
ويرى خبراء ومحللون سياسيون أن أزمة القيادة الفلسطينية، هي اختصار صريح للأزمة الكبيرة التي تعيشها حركة "فتح".

وتتلخص الانتقادات الحادة التي وجهها بعض أعضاء "المركزية" لعباس، في الاجتماعات السابقة، ووصلت حد الصراخ، ولا سيما في الثاني من الشهر الجاري، وعليه:
أولاً: على خلفية تصريحات عباس حول التنسيق الأمني "المقدس"، وتحديداً تصريحاته في جدة والتي لاقت استياءً شعبياً عارماً، الى درجة أن أحد أعضاء "المركزية" توجّه الى أبو مازن بالقول: لقد جعلتنا نبدو كمجموعة من الخونة.

أما الاعتبار الثاني للأزمة الداخلية الكبيرة، فيعود الى فصل الرئيس بعض المحسوبين على محمد دحلان من الحركة، ما استدعى رفض أعضاء الحركة، في مقدمهم، جبريل الرجوب، وتوفيق الطيراوي، هذا الإجراء الذي يأتي في خضم عدوان إسرائيلي يعيشه الشعب الفلسطيني، مؤكدين له أن "هذا الأمر ليس أولوية"، ما حدا بالرئيس تجميد القرارات وليس إلغاءها.

والأمر الثالث الذي كان الأكثر إلحاحاً في الاجتماعات السابقة، تمثل في رفض الرئيس القيام بخطوة جدية تجاه العدوان الإسرائيلي بتوقيعه على "ميثاق روما" ومحكمة الجنايات الدولية، بهدف ملاحقة كل قادة الاحتلال في المحاكم الدولية كمجرمي حرب، ومنعهم من السفر والتنقل.

ويقول مصدر مقرب من القيادة الفلسطينية: إن الذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية هو "آخر ورقة تمتلكها القيادة، والرئيس غير معني بحرقها في هذا الوقت، تحسباً لأي جديد".

ويعلق عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، عباس زكي، على ذلك بالاشارة إلى أنه "يجب ألا نستخف بالقيادة التي لديها حسابات وتوجه خطاباتها للعالم، ففي قلوبنا أسود محشورة، إنما اختيار ساعة الصفر يبدو أن فيها تردد".
ورغم حالة السخط، أو "تيار الغضب" في الحركة، كما وصفها أحد أعضاء "المجلس الثوري" لـ"العربي الجديد"، إلا أن أحداً لا يجرؤ على مخالفة عباس الذي يمسك بزمام كل الأمور في السلطة ومنظمة التحرير وحركة "فتح"، ويدعو من يشاء الى اجتماعات القيادة، ويقصي من يشاء، ولعل عدم دعوة "الجبهة الشعبية" الى اجتماع القيادة، الذي ضم الفصائل الفلسطينية أخيراً، أحد الأدلة على ذلك.

ويشير زكي إلى أن "القيادة محكومة برؤية واحدة مفادها: ليش ندمر حالنا كما دُمرنا عام 2000، وكأنه محكوم علينا أن نكون من العبيد". ويستدرك زكي بـ"نحن لا نطرح الكفاح المسلح، لكن المقاومة الشعبية مطلوبة".

لكن القاعدة الفتحاوية تظهر سخطها على ما آلت إليه الحركة من هبوط حاد لأسهمها في الشارع الفلسطيني، مقابل صعود لـ"حماس"، بعد العدوان على غزة.

ويعترف الناشط في حركة "فتح"، رامي الطوباسي، من مخيم جنين، لـ"العربي الجديد"، أن عباس فقد شعبية كبيرة حتى داخل الحركة، "وعليه أن يعيد حساباته والوقوف الى الشعب، وأن ينظر إلى ما حدث مع الشهيد الرئيس، ياسر عرفات، حينما أخطأ، وأدرك خطأه في الضرر بمصلحة الشعب، وعاد إلى الشعب الذي التف حوله". ويلفت إلى أنه في حال استمرت السلطة وأجهزتها الأمنية في ممارساتها الحالية، فإن "الكثيرين سيثورون ضدها، كما حصل في بعض الدول العربية، بمن فيهم ناشطو حركة فتح الذين سيسيرون مع آمال وطموحات شعبهم".


والعبارة الأخيرة هي بالتحديد ما يردّده أكثر من قيادي في مركزية فتح، من خشية اندلاع ثورة ضد "فتح" وقيادتها المتمثلة في السلطة، قبل أن تكون ضد الاحتلال، "لأن أداءها أقل بكثير من مستوى الحدث، إن لم يكن مناقضاً له في كثير من الأحيان، عبر قمع المتظاهرين عند نقاط التماس". ويقر زكي بأن "المطلوب من حركة فتح أكثر، لأن هذه المعركة قد تكون فاصلة في حياة القضية الفلسطينية، وإذا كسرت المقاومة في غزة، فإن كل نضالات والشهداء في السنوات السابقة ستصبح في مهب الريح".

ليس لدى عباس ما يقوله

ليس سراً أن كل ما تقوم به القيادة الفلسطينية، هو التواصل وإرسال الرسائل الى العالم، ومطالبات لا تنتهي للأمم المتحدة، ولعل قرار القيادة الفلسطينية، يوم الجمعة، بإطلاق حملة للتبرع بالدم نصرة لضحايا العدوان في "القطاع الصامد"، الذي استقبل بسخرية وانتقاد شديدين من ناشطي صفحات التواصل الاجتماعي، أكبر دليل على ذلك، إذ بات واضحاً أن القيادة لا تمتلك قرارات أكبر من التبرع بالدم.

ولم يكن غريباً إعلان الحكومة الفلسطينية تسيير قوافل أدوية الى قطاع غزة عبر مؤتمرات صحافية وأمام الكاميرات، وهو أمر بات روتينيا منذ سنوات، وكأن السلطة الفلسطينية ترسل الأدوية الى دولة محتاجة وليس الى جزء من الوطن.

ويتداول بعض المحللين السياسيين الفلسطينيين نكتة مفادها، أن الرئيس عباس بات ينافسهم على التحليل السياسي، لأن خطاباته منذ بدأ العدوان على قطاع غزة، لا تعتبر أكثر من تحليل سياسي، أو عرض نشاطات الرئاسة الدبلوماسية، وتواصلها على المستوى العربي والدولي لرفع العدوان عن الشعب الفلسطيني، من دون أن يكون هناك قرار سياسي فلسطيني حاسم يرقى الى مستوى الحدث.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي، أحمد عزم، أن الدبلوماسية الفلسطينية "متمهلة جداً، وليست على مستوى تسارع الحدث". وحول ما يمكن أن تقوم به القيادة الفلسطينية، يجيب عزم "لا يوجد شيء معين يمكن القيام به، هذه حالة غير مسبوقة، حالياً مَن يصنع الحدث لا علاقة له بمنظمة التحرير، (أي حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي)".

الفيديو الخطير

حالة الغليان التي يعيشها الشارع الفلسطيني، والتي تصاعدت حدتها منذ نحو شهر، لا تحتاج إلى كثير من الأدلة، لكنها عكست نفسها أكثر من مرة، والأعنف حصل في 22 يونيو/حزيران الماضي، عندما هاجم شبان غاضبون مركز شرطة رام الله بعد أن قاموا طيلة ساعات، بصد اقتحام قوات الاحتلال المدينة، فحطموا عدداً من مركبات الشرطة، وألقوا عليها الحجارة، قبل أن تطلق عليهم الشرطة الرصاص الحي، وتقتحم مجمع فلسطين الطبي لتعتقل المصابين منهم.

الفيديو الغاضب للشبان كان الأكثر انتشاراً، حتى أن الصحافة العبرية نشرته على مواقعها الإلكترونية بعنوان "الفيديو الخطير" إذ لم يكن متوقعاً أن تجري هذه الأحداث في رام الله، العاصمة السياسية للسلطة، وعلى بعد أمتار من مقر الرئاسة.

بعد هذه الحادثة، توالت التصريحات الصحافية من قيادات وكوادر فتح عن أن الاحتلال يسعى لإضعاف السلطة، ولا سيما أن شهود العيان أكدوا أن قوات الاحتلال عادت إلى المكان بعد انسحابها بنصف ساعة، لتطلق النار على المتظاهرين وتبعدهم عن مركز الشرطة.

حالة الغضب الشعبي، هي التي دفعت عضو اللجنة التنفيذية، كبير المفاوضين، صائب عريقات، ورجل الاعمال منيب المصري، الى الاعتذار عن المشاركة في مؤتمر "هآرتس للسلام"، قبل أيام، "احتراماً لمشاعر شعبهم" على حد قولهما. لكن كلمة الرئيس المسجلة بثت في المؤتمر.

ومن قبلهم عضو مركزية فتح، جبريل الرجوب، حين عقب على عملية خطف المستوطنين: لغة الخطف هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الاحتلال. ولعل ما سبق يندرج تحت عدم حرق الجسور الشعبية كافة بين الشارع والسلطة.

ورغم ذلك، فإن الوضع على الأرض لم يتغير، ولا تزال الأجهزة الامنية تصر على منع المتظاهرين من الوصول إلى نقاط التماس كل يوم، في مختلف أنحاء الضفة الغربية، ما يؤكد ما قاله مصدر أمني فلسطيني لـ"العربي الجديد"، "لن نسمح باندلاع انتفاضة ثالثة، ولن نسمح بأن يصبح تشييع الشهداء أمراً يوميّاً في الضفة الغربية".

وما سبق يفسر انخفاض عدد الشهداء في الضفة الغربية مقارنة بسخونة المواجهات، إذ يستخدم الاحتلال الرصاص المعدني وقنابل الصوت والغاز، بينما يستخدم الرصاص الحي بشكل محدود جداً، لأنه يعرف أن الدم هو المحرك الأساسي لأية انتفاضة، إضافة الى عدم وجود تشديد على الحواجز العسكرية الإسرائيلية.