Skip to main content
احتفالات مائية في جنوب شرق آسيا للمرح وغسل الذنوب
العربي الجديد ــ بانكوك
تحتفل خمس دول من جنوب شرق آسيا هي تايلاند، وفيتنام، ولاوس، وميانمار، وكمبوديا، برأس السنة التقليدية، بحسب التقويم البوذي الذي يقارب منتصف إبريل/نيسان.

وتقيم هذه الدول ما بين 13 الجاري حتى غدٍ الثلاثاء وداعية مرحة للعام الماضي، من خلال مهرجانات مائية، أبرزها مهرجان سونجكران التايلاندي الذي يوصف بأنه أكبر "معركة" مائية في العالم.

على مدار أربعة أيام (قد تختار دولة ثلاثة أيام) تتوالى الطقوس الاحتفالية، بمغادرة عام قد يكون جافاً أو بارداً، أو موسماً للحصاد. بيد أنه في المجمل طقس سنوي ديني قديم، امتزج مع الزمن بعناصر تراثية.

وتشترك الدول الخمس في تفاصيل الاحتفال، إذ إن ديانة الغالبية السكانية فيها هي البوذية. وعليه فرجال الدين هو من يتولون الجانب الروحي لهذه الأيام، حيث يصلي الرهبان في المعابد من أجل السلام وغسل تماثيل بوذا بالماء المعطر. وتتزين مذابح المعابد والبيوت ويرتدي الأولاد ملابسهم الجديدة، وتطعم المواشي بشكل جيد طوال هذه الأيام.

وبالإضافة إلى العبادة البوذية، هناك معتقدات شعبية، كما هي الحال لدى الخمير في فيتنام، إذ يؤمن الناس بمجيء ملاك سماوي إلى الأرض لمساعدتهم، والعودة إلى السماء في نهاية العام، ليحل محله ملاك آخر في العام المقبل.

مهرجان الماء في مدينة يانغون- ميانمار (فرانس برس)

أمام المذبح يحرق البخور وتقدم كل عائلة خمس زهرات وخمس شمعات وخمس حبات من الأرز وما إلى ذلك، لوداع ملاك واستقبال آخر.

الماء في كل الأحوال هو أساس الاحتفال، سواء في الجانب الروحي العبادي، أو المهرجاني الذي تندلع فيه معارك المياه بين حشود الناس في الشوارع، حتى إنه لكثرة ما تسكب المياه يسمى "مهرجان المياه".

وتشترك فيتنام وكمبوديا في اسم العيد السنوي "Chlom Chnam Thmey"، بينما يسمونه في تايلاند "سونغكران" وفي ميانمار "ثينجيان"، وفي لاوس "Boun Pi Mai".

تمتلئ الساحات والشوارع بالسكان المحليين والسياح الذين يعيشون تجربة مائية مختلفة. وعلى الجميع ألا تبقى ملابسه جافة، ما عدا رجال الدين الذين لا يفضل المزاح معهم، وكبار السن، وتماثيل بوذا التي تغسل برفق، لطلب المغفرة والبركة والعمر المديد.

مرح مائي وغسل للذنوب في ميانمار (فرانس برس)

أما معارك الماء فلا توفر أحداً، فهناك المدججون ببنادق الماء البلاستيكية، أو خراطيم الماء، وهناك من يحمل الدلاء، باحثاً عن صيد يسكبه فوقه، ولا أحد يغضب إذا ما فوجئ برشقة ماء على حين غرة.

البلاد عن بكرة أبيها متفقة على هذه المعركة، والبعض من الناس يتقنع بأقنعة لشخصيات ساحرة أو شريرة، فلا يعرف المبللون بالمياه هوية الفاعلين.

وعليه، فإن الذين يفضلون المحافظة على "هيبتهم" وملابسهم جافة مكويّة، لديهم خيار وحيد ألا وهو المرابطة في بيوتهم أو فنادقهم، لأن رشاشات المياه، والدلاء المملوءة، لا توفر أحداً، ولا تفرق بين عربي وأعجمي.

ومع الأجواء المرحة لا يخلو الأمر من رمزية روحية، إذ يلجأ الكثيرون لوضع المساحيق أو أنواع من العجين على وجوههم، وإذ يتعرضون للرشق بالماء تسيل المساحيق الملونة وتذوب لطخات العجين على ملابسهم، بما يعتبر تخلصاً من الذنوب، وغسلاً لأي ذكريات سيئة خلفها العام الماضي، وأملا في حظ أوفر للعام الجديد.

تترافق مع طقوس الماء حفلات الغناء في الشوارع والرقص بالثياب المزركشة، وضرب الطبول، وإطلاق الطائرات الورقية. وفي بعض الأماكن السياحية كما هي الحال في تايلاند، لا يكتفى بالأيام الرسمية، بل تتواصل مهرجانات الماء والفنون الاستعراضية ستة أيام، تحديداً في الأماكن السياحية التي تشهد إقبالاً وافراً.

معلوم أن طقوس المياه، ليست حصراً على ثقافة بعينها. فأينما توجهت تعثر على حضور مقدس للماء، بما يربطه بالاغتسال من الخطيئة، أو التوحد مع أصل الإنسان وخلقه الذي ارتبط بالماء.

ومن أشهر الاحتفالات الجماعية التي تواكب احتفالات هذه الدول، ما يشهده الاستحمام السنوي لملايين البشر في مياه نهر الغانج الهندي. هناك تتكرر الفكرة ذاتها في مهرجان "الوعاء المقدس" الذي تغفر فيه الخطايا، وينشد السمو الروحي.

وفي منطقتنا يعتبر عيد الغطاس في نهر الأردن من الأعياد الهامة لدى المسيحيين، حيث يؤمه عدد كبير من الزوار للتعمد في مياه النهر بعد أن يباركها رجال الدين.