اتفاق نتنياهو بن زايد

اتفاق نتنياهو بن زايد

16 اغسطس 2020
+ الخط -

يبدو أن هدف خطوة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في إذاعة خبر اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل تحقيق بعض المكاسب له، وهو الذي تعاني حملته الانتخابية من انتكاسات واضحة. يستجدي ترامب الذي أكلت ممارساته السياسية شيئا من رصيده، وأتت تبعات فيروس كورونا على ما تبقى، مزيدا من الأصوات، بتعيين نفسه عرّابا لاتفاق من هذا النوع، من الناحية العملية ساري المفعول منذ زمن بعيد.

رغب حكّام الإمارات أن يعطوا هذه الخطوة رصيداً أخلاقيا جاء على شكل إعلان أن الاتفاق الأخير يشترط إيقاف (أو في الحقيقة تجميد) ضم المستوطنات في الضفة الغربية إلى إسرائيل، في تبريرٍ يمكن للإمارات أن تسوقه، وتوفر مادةً سياسيةً لمحلليها ومعلقيها يستهلكونها، إلى جانب رواية تسهيل زيارة العرب الأقصى، في أثناء الرد على أسئلة الصحافيين.. لم تخفِ الإمارات، في السنوات الأخيرة، العلاقات التي كانت منسوجة بينها وبين إسرائيل، ولعلها كانت تنتظر فرصةً مثل هذه لتذيع الخبر، وتقدّم به هدية معنوية للرئيس الأميركي، قد تحسّن من وضعه الانتخابي الصعب. أما بنيامين نتنياهو الذي يصارع عدة جهات، قانونية وسياسية، فسيحاول، من خلال هذا الاتفاق، أن يتجنب تحويل ملفه إلى محكمة الفساد، على أمل تحقيق نصر سياسي عريض، يؤجل محاكمته إلى إشعار آخر، وقد أطلق في مؤتمره على يوم الاتفاق وصف "ليلة تاريخية"، ليعطي الحدث زخما مضاعفا، ثم ارتسم العلم الإماراتي إلى جانب العلم الإسرائيلي فوق بلديتي يافا وتل أبيب.

لا يبدو مثل هذا الإعلان مفيدا لأي طرف، والتوقيت الذي ظنته الأطراف الثلاثة مثاليا يبدو أسوأ توقيت، ففي أميركا هناك حديث واحد لا يكاد يبارح أجهزة الإعلام، وهو كورونا الذي وَجدَ في الولايات المتحدة وطنا يسهل الانتشار فيه، وفشلت كل الإجراءات التي قامت بها السلطات لوقفه. ولن يكون إعلانٌ من هذا النوع ملفتا حتى لأنصار ترامب، وسط ظرف اقتصادي مربك يهدّد سكان الولايات بخسارة مزيد من الوظائف. وهذا ما حدا استطلاعات الرأي أن تميل بقوة لصالح نظيره الديمقراطي، جو بايدن. ويمكن أن يحتلّ إعلان هذا الاتفاق مكانا متواضعا في الصفحة الأولى، حيث لن يهتم به أحد مقابل إعلاناتٍ أكثر أهمية للأميركيين تخص انتشار كورونا.

في حين أن نتنياهو قد فتح أمامه جبهة جديدة، وهي جبهة المستوطنين الذين تأجل مشروع ضمهم إلى إسرائيل. وهناك تيار يميني يمكن أن يقول إن رفع العلم الإسرائيلي في "يهودا والسامرة" أهم من رفعه في أبوظبي، وهذا تيار قوي لا يُسقط رئيس الوزراء، ولكنه يمكن أن يلطخ نتنياهو تمهيدا لجلبه إلى المحكمة. أما الإمارات فتكاد مكاسبها من هذه الصفقة تقارب الصفر، نظرا للآراء الشعبية المعارضة لإسرائيل، وقد تحتاج وقتاً حتى يسكن روع الشارع.

دولة الإمارات العربية المتحدة المعروفة حاليا كانت تاريخيا تعد جزءاً من الإقليم الذي عرف باسم إقليم عُمان، وهو يشمل اليوم سلطنة عُمان والإمارات. من هنا فإن تاريخ الدولة المعاصرة يدخل في إطار التاريخ العماني والعربي الشامل، لكن تراثا معاديا للأطماع البريطانية في الخليج ومعارك ضدهم شنّتها عائلة القواسم التي حكمت ما تعرفان اليوم برأس الخيمة والشارقة، ثم امتدت لتشمل أجزاءً من شرق الخليج، أعطت لدولة الإمارات أهمية خلال التأسيس. ومثيرٌ للاستغراب والتأمل هذا الإصرار الذي يبديه اليوم ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، للوصول إلى حالة التبعية التامة للولايات المتحدة وحلفائها، وعقد اتفاقاتٍ لا أهمية لها مع كيانٍ ليس محاذيا لأراضيها، ولا تندمج معه بأي نوع من الروابط.

معنوياً يخسر الفلسطينيون اليوم، فقد كانت السياسات العربية فيما مضى تسعى جاهدة إلى استرضائهم بالتصريحات والمواقف، ولكن ذلك الزمان قد ولى، وصار كل حاكم عربي يسعى الآن إلى أن يسترضي نفسه فقط.