Skip to main content
ابنتي التي تحب القراءة
دينا عريبي
القراءة مع الأطفال ممتعة للكبار والصغار(Getty)
أمي سوف أذهب للقراءة "Please don't disturb unless extremely urgent" أي أن الإزعاج ممنوع إلا للضرورة القصوى، هكذا قالت ابنتي أمينة ذات الاثني عشر عاما حين همت بدخول غرفتها لتمضية وقت ممتع مع كتابها المفضل

من أجمل الجُمل التي تُطرب أذن المربين حين يخبرهم أبناؤهم أنهم على حدود شاطئ القراءة وسوف يُبحِران بعيداً عن مرارة هذا العالم ولا يريدون إزعاجاً، حين ينكبون على الكتاب أعلم أنهم سوف يطيرون لأعلى نقطة في السحاب، وسوف يقابلون أناساً من مختلف البلدان، ربما يستشعرون معاناتهم، يفرحون لفرحهم يصبحون لهم الأهل والخلان، وفي الأثناء تتسع مداركهم وتنمو مناطق الذكاء وتثرى حصيلتهم اللغوية ويرتوي الوجدان، فلا عجب إذاً أن أوصانا بها الإله ونعتنا بـ "أمة اقرأ.." والسؤال الملح كيف أحبت ابنتي القراءة إلى هذا الحد الذي جعلها تنزوي بعيدا وتكتفي بها عن باقي مغريات التكنولوجيا التي تعج بها حياة المراهقات من أمثالها.

كانت القصة في البداية مُحزنة للغاية حين أنهت ابنتي مرحلة الروضة في مدرسة كانت تتبع نظاماً يسمى الـ Semi international أو نصف الدولي، بحيث يحاول هذا النظام الدمج بين التعليم الأجنبي والتعليم الحكومي وتتوقع أن يتخرج أبناؤك وهم يجيدون اللغات الأجنبية، ولكن فعليا وجدت ابنتي تكابد بشدة في محاولة نطق الحروف بالإنكليزية.. لم أشعر بالخطر لأنها لا تستطيع أن تتحدث لغة ثانية أجنبية فحسب، ولكنني انزعجت لأنها خرجت من تلك المدرسة تمقت القراءة.

كثيرا ما يرضخ الآباء لفكرة كراهية أبنائهم للقراءة ويسعدون بانشغالهم بالتلفاز أو بالحاسوب في صمت، أحياناً لا ندرك خطورة مكوثهم لساعات طويلة دون تفاعل أو عصف أدمغتهم حتى يصابوا بالبلادة والتُخمة من جراء أسلوب الحياة الرتيب، لذلك أعددت العُدة وقررت عمل خُطة لتشجيعها على القراءة، قلت لها ذات صباح إننا سوف نذهب في رحلة ترفيهية، تأهبت وانتشت الصغيرة لمجرد الفكرة، وأخذتها إلى إحدى فروع مكتبة شهيرة شاسعة بها أقسام مخصصة بحسب الفئة العُمرية.

أمسكت بيديها الصغيرة وجُبنا سويا وسط الممرات والأرفف ذات الألوان الزاهية.. لفتت انتباهها ألوان الكتب ورسوماتها وكنت أقرأ لها العناوين بطريقة شيقة.. فقد منّ الله عليّ بإجادة لغة الجسد لتوصيل المعلومات، كانت في قمة السعادة فهي تقضي وقتا يجمعها بأمها تشعر فيه بالاهتمام وأنها ملكة القرار، طلبت منها أن تقوم باختيار قصة تعجبها ترددت كثيرا حتى وقعت عيناها على قصة جذبت انتباهها من بين الأرفف تُدعى "Three Cats" أو القطط الثلاث، قصة طفولية بسيطة جدا، ولكن الحدث نفسه كان جللا بالنسبة لها، ثم توجهنا سويا للجلوس على أريكة في ممر المكتبة وأخذت أسرد لها القصة بنفس الأسلوب، لمعت عيناها من كثرة الضحك وأمضينا وقتا ممتعا، بضع دقائق ولكنهم حفروا في قلبها وتبدل حال القراءة من وقت مُمل رتيب إلى وقت صحبة وفرحة وتشويق حتى أصبحت القراءة بالنسبة لها "عفوا ممنوع الإزعاج Please don’t disturb"

وصيتي للآباء:
- لا تيأسوا من محاولة تحبيب أبنائكم في القراءة، تخيروا الأوقات واجعلوا من زيارة المكتبة رحلة ترفيهية.
- لكل فئة عمرية ما يناسبها من الكتب، فإذا كره أبناؤكم نوعاً معيناً من الكتب فعلينا بطرح نوع آخر مثل كتب المغامرات أو الخيال العلمي أو اكتشاف الطبيعة.
- القراءة بالقدوة، لو رأى الأبناء آباءهم يقرأون لتشبهوا بهم.
لا تستسلموا لفكرة كراهية أبنائكم للقراءة فهي الملاذ الآمن لعقولهم في هذا الزمان.. حاولوا ربط القراءة في أذهانهم بالمصاحبة والتشويق بدلا من الرتابة والتلقين.