ابتسامات للبيع

ابتسامات للبيع

25 يناير 2017
+ الخط -


على عجل، أخذت ابتسامة من صندوقها الصغير، ثبتتها سريعاً فوق شفتيها أمام المرآة، وتأكدت من حسن صورتها "المبتسمة" قبل خروجها من البيت.

اعتادت أن تضع في حقيبتها ضحكة أو اثنتين للاحتياط، لكنها كانت واثقة أن لقاء اليوم على أهميته لا يستوجب الضحك بتاتاً، وإن الابتسام هو السقف الأعلى لتوقعاتها.

كانت ابتساماتها في الماضي منها وفيها، وكذلك الضحكات، بل كانت تقهقه أيضا. وتذكر أحيانا عندما تسعفها الذاكرة لحظات كانت تذرف فيها الدمع من شدة الضحك. لكنها الآن فقدت القدرة على ذلك أسوة بسائر الخلق.

ورغم ما حلّ بها لا تملّ من الوقوف أمام المرآة محاولة الابتسام أو الضحك مراراً وتكراراً، لكنها عبثاً تحاول. عضلات وجهها لا تستجيب. عبوس وتقطيب حواجب وملامح نكد وضيق هو المشهد العام المسيطر على وجوه البشر. تنجح أحياناً في تعديل سحنتها وبسط ملامحها، لكنها لولا حركة رموشها تبدو مثل لعبة الجفصين.

من حسن حظها أنهم اخترعوا تلك الابتسامات الصناعية، رغم أن الحصول عليها ليس يسيراً. فتعبيرات الوجوه الفرِحة تُصرف بوصفة طبية، كما زاد الطلب عليها أخيراً بعد أن استفحلت التعاسة، وخيم القنوط والبؤس على البشرية.

الأسعار مرتفعة إجمالاً تحددها جودة الصنف ومتانته. فلكي يبتسم الإنسان أو يضحك عليه أن يدفع مبلغا "محترما". وبحسب قائمة الأسعار المنتشرة في الأكشاك على الطرقات والصيدليات، فالابتسامات أرخص من الضحكات، أما الإيماءات من نوع الغمزة ومعالم الدهشة، وغيرها أقل سعراً. ويمكن المفاصلة للحصول على سعر يناسب الميزانية حسب شطارة الشاري.

وينفد مخزون صندوقها أحياناً قبل نهاية الشهر وهذا قليل ما يحصل، فتجد نفسها أمام خيارين، إما أن تمتنع عن الخروج من المنزل حتى موعد قبض الراتب وشراء اللازم. وإما أن تشتري نوعية رديئة ورخيصة، تعينها على حفظ ماء وجهها عند لقاء الآخرين. وماء الوجه هنا لم يعد تعبيرا مجازيا كما كان، لأن الوجوه جفت ولم يعد فيها ماء.

وتزف التقارير أخباراً من حين إلى آخر، لا تزال في إطار الشائعات، بأن اختبارات وأبحاثاً طبية ونفسية تعمل على إيجاد علاجات جديدة تدخل الفرح إلى القلوب ومنها إلى الوجوه. ومنها أن مختبرات لها سمعتها في الأوساط العلمية باشرت تجاربها على البشر.

تخيلت للحظة وهي في الطريق إلى موعدها أنها تخضع لذلك الاختبار، وبأن قلبها شعر بالفرح لوهلة. ازداد نبضها لمجرد عبور هذا الاحتمال في مخيلتها. خفق عدة خفقات متتالية بقوة محسوسة هذه المرة، حتى شعرت بوجوده في جسمها. سنوات مضت دون أن تحس به، هو عضو لم يعد محسوسا، لأنها ببساطة تعيش بلا أحاسيس. هي ليست وحدها على هذا الحال، بل جميع الناس مثلها. مجرد آلات بشرية تتحرك وتعمل وتأكل وتنام لكن من دون مشاعر. بشر ما عادوا يسمعون ولا يرون ولا يتكلمون.

زال التردد الذي كان يصيبها في السابق، وأكثر من مرة وصلت إلى حيث هي ذاهبة الآن لكنها لم تملك يوماً شجاعة الدخول. لم تكن على مستوى التحدي وكان يسيطر عليها الخوف من المجهول.

هذه المرة وصلت إلى موعدها دون تأخير. دخلت القاعة الصغيرة الباردة. استقبلها المسؤول عن ملء الطلبات بملامحه الصارمة. أخذت منه الطلب دون تراجع.

صبرت كثيراً وأمِلت أكثر من دون جدوى. واختلاجة قلبها لا تعني أن حال البشر سيتغير. وقرأت العنوان قبل أن تبدأ بالكتابة: رحلة ذهاب إلى المريخ بدون عودة.

 

كتبت هذه التدوينة في 20 /1 /2017

 

 

 

 

 

 

 

دلالات

61B986DE-2650-44DE-86DA-74469348610B
سهى أبو شقرا

صحافية وكاتبة.. بدأت تجربتها في لبنان، ثم تنقلت بين الكويت والإمارات وقطر. عملت في إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية، ومنها برامج الأطفال.