إيران والسعودية وتحديد الغايات

إيران والسعودية وتحديد الغايات

06 ابريل 2015
+ الخط -
تعرف إيران ما تريد، ومن خلال سياستها يتضح أنها تحاول الوصول إلى أهدافها من دون أن تتورط في مواجهات مباشرة، أو في حرب استنزافية، لذا تقوم بهندسة علاقاتها مع بعض المليشيات المسلحة، في دول المنطقة، لتحقيق أو للدفاع عن مصالحها، من دون التورط في مغامرات عسكرية غير محسوبة. وعلى الرغم من أنها، للحظة، تتعامل مع الأزمات في المنطقة، منطلقة من طابع أيديولوجي، إلا أنها أكثر عقلانية حيال تحركاتها على الأرض، فهي قادرة على توخي التدخل المباشر الذي يهدد مصالحها.
مع ذلك، استطاعت الولايات المتحدة أن تصنع من إيران خصماً جديراً بتجييش المنطقة إلى الحد من نفوذه، من خلال سياستها وتحالفاتها غير المباشرة معها، ففي ظلال توقيع اتفاق نووي بين إيران ومجموعة "5+1"، زاد قلق حليف الولايات المتحدة الاستراتيجي، المملكة العربية السعودية، من توسع التفاهمات، لتطال ملفات أخرى، غير البرنامج النووي، مع أن واشنطن قد اتجهت إلى طمأنة حليفتها السعودية، على لسان وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، أن أي اتفاق نووي لن يكون جزءاً من صفقة كبيرة مع إيران، وأن أميركا ستواصل تقديم الدعم الكامل لشركائها في الخليج، إلا أن السعودية وجدت أن من الضرورة تشكيل حلف دولي يتصدى للتمدد الإيراني في المنطقة، وأنه لا يمكن أن تصبح إيران الوحيدة المعنية بالقرار، أو أي اتفاق في ما يخص المنطقة مع الولايات المتحدة بعيداً عنها.
وعلى الرغم من بداية تشكل حشد إقليمي، بدعم دولي، بدت بوادره بعملية "عاصفة الحزم" لمواجهة النفوذ الإيراني، وللحد من تدخلاتها في شؤون بعض الدول العربية التي أصبحت تحت سيطرتها، إلا أن إيران لا تنظر لهذا التحالف بقلق كثير، ما دامت لم ترد مباشرة، خصوصاً وأن الولايات المتحدة الأميركية، وإن عملت على تقديم دعم لوجيستي واستخباراتي للعملية العسكرية، إلا أنها ما زالت في طور إجراءاتها لطمأنة حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة، وما كان تصريحها أنها سترد بقوة لمن يتعدى على حليفها الاستراتيجي، السعودية، إلا استمرارا لالتزامها بأمن حلفائها، لكن واشنطن لا تنظر لحلفائها، إلا انطلاقًا من مصالحها.
لم يأت الموقف الأميركي الداعم للعمليات العسكرية التي تقودها السعودية وحلفاؤها من أجل عيون هذا الحليف الاستراتيجي، وإنما مدفوع بحسابات واشنطن لمصالحها في المنطقة، بضمان عدم اختلال موازين القوى الإقليمية، لصالح طرف إقليمي بعينه إلى جانب حماية الممرات المائية، وقد عبر عن هذا الجنرال، لويد أوستن، قائد القيادة المركزية الأميركية: "إن الجيش الأميركي سيعمل مع شركاء خليجيين وأوروبيين، لضمان بقاء مضيق باب المندب الاستراتيجي، عند مدخل البحر الأحمر، مفتوحاً أمام حركة الملاحة التجارية، على الرغم من القتال وعدم الاستقرار في اليمن". وفي جلسة لمجلس الشيوخ، قال الجنرال أوستن: "سنعمل، بالتنسيق مع الشركاء في مجلس التعاون الخليجي، لضمان بقاء تلك المضايق مفتوحة" (مشيراً إلى مضيق باب المندب ومضيق هرمز)، كما أضاف: "من مصالحنا الأساسية أن نضمن التدفق الحر للتجارة عبر هذين المضيقين".
ومع تحول اليمن إلى ملاذ آمن للقاعدة، أو لداعش، يتعذر مكافحة الإرهاب في اليمن، ولا ننسى أن الولايات المتحدة كانت قد بدأت اتصالاتها مع الحوثيين، من خلال تنسيق استخباراتي غير مباشر مع مليشيات الحوثي، بعد سيطرتهم على صنعاء، في ما يخص العمليات التي تشنها الولايات المتحدة ضد القاعدة، وما كانت ترتيبات اتفاق السلم والشراكة إلا بادرة للبحث عن شريك لمحاربة القاعدة، ولأن إيران تشتغل على التقسيمات العرقية والطائفية في المنطقة، زاد من مخاوف أن تتكرر الصراعات نفسها في اليمن، مع أن الحوثيين قد سيطروا على صنعاء، وما فيها من مؤسسات سياسية وعسكرية وأمنية، إلا أنهم في نظر الولايات المتحدة لا يمثلون قوة مؤثرة لدعمهم، أو جعلهم شركاء لمحاربة القاعدة، فما كانت خطوات التصعيد الأخيرة من السعودية، والتي تمثلت بعملية "عاصفة الحزم"، إلا في صالح الولايات المتحدة.
لست أدري قدرة السعودية من خلال هذه العملية في الحسم أكثر من الدخول في حرب استنزافية في اليمن، من خلال النظر إلى اتجاه السعودية في تقديم الغارات الجوية على الدعم العسكري على الأرض، وحتى تجنبها الحرب البرية، لحساسية اجتياح كهذا بالنسبة لليمنيين، إلا أن رغبتها في كسر قوة الحوثيين، وتحويلها إلى طرف يخضع لأية تسوية سياسية بعد تكرار انقلاباته على الاتفاقيات كافة التي يوقعها مع بقية الأطراف السياسية تبدو مغامرة مجنونة.
ويتضح أن التدخل العسكري لم يأت من تعذر في المسار السياسي، بقدر ما هو رغبة من السعودية في مواجهة الحوثيين، ولم يكن وصول الوفد العسكري إلى عدن، قبل رد الحوثيين بمناورتهم العسكرية قرب الحدود مع السعودية أولى علامات ترجمة هذا الاتجاه الذي حرصت المملكة على القيام به. كانت الدعوة للحوار، وحتى طريقة الإعداد له، تهدف، منذ البداية، إلى الحصول على تفويض من الأطراف اليمنية، والحصول على غطاء شرعي لعملية التدخل العسكري، كأنه لم يأت إلا استجابة لطلب عبد ربه منصور هادي.
يبدو أن المملكة استطاعت توظيف حالة استقطابات الداخل اليمني في شرعنة العملية العسكرية ضد اليمن. لكن، هل باستطاعتها أن تقنع الشارع العربي بأن عاصفة الحزم نواة لتشكل قوة عربية مشتركة؟ هل ستسمح أميركا وحليفها، العدو الصهيوني، بالقيام بحلف كهذا، إلا إذا كان أداة جديدة تتحقق كل مواجهاتهما، بعيداً عن أية خسائر، فها هي أميركا، بعد أن استطاعت أن تحد من استنزاف جنودها في أرض المعارك، تقوم حتى بتوفير آلتها العسكرية بعيدة عن التدخل المباشر بتسوية كل الأزمات بحلف عربي جديد، ذي قوة ردع، سيقف عاجزاً أمام أي اعتداء من قوات العدو الصهيوني على الأراضي المحتلة، أو أي أزمة في المنطقة، ما لم يحصل على إذن التدخل من المجتمع الدولي.
avata
avata
بشرى عبد الله (مصر)
بشرى عبد الله (مصر)